ما السحت؟. .. هو كما عرفه العلماء "أكل اموال الناس بالباطل"، وهو حرام على من يعمل به أو يعاون عليه أو يشترك فيه. وليس كل الناس يتعاملون بالسحت فغالبيتهم يكدحون ويكافحون من أجل تحصيل المال الحلال الذي يتقومون به في معاشهم وحاجاتهم فما احلى ان تكون لقمة العيش ولو صغرت من كد اليمين وعرق الجبين.
ولكن هناك فئة من الناس تود ان تجني الملايين من اكتاف الناس من دون مشقة أو تعب بل بابتداع افكار شيطانية تخدع بها الناس لتحقيق ارباحها عبر اصطياد أكبر عدد ممكن من البشر.
ولكي نكون مقتربين من الواقع اضرب مثالين على ذلك واترك للقارئ ان يقيس على منوالهما ما يشاء:
المثال الأول: تقوم بعض الفئات المخادعة أو المخدوعة والتي في غالبيتها اجنبية الجذر والمنشأ بترويج بعض السلع كالسكوك الذهبية المضروبة أو اغذية خاصة للتخسيس وانقاص الوزن وغير ذلك بواسطة إنشاء شبكات توزيع هرمية الشكل منتشرة في انحاء العالم لا بواسطة الأسواق والمتاجر العادية فتسلك طرقا ملتوية بأن تجند اكبر عدد ممكن من البشر "العملاء التجاريين" بعد اقناعهم بانهم سيصبحون اثرياء في فترة زمنية وجيزة جدا فيتحول الفرد الى عميل مروج لتلك السلعة التي لو عرضت في السوق بصورة طبيعية فانها لن تصمد لا من حيث السعر ولا من حيث المواصفات ولا من حيث المنافسات. وعند الترويج يتعلم الافراد فن الترويج بأساليب دعائية حديثة مدعمة بالأفلام والصور والوثائق لتعطى القضية طابعا علميا واكاديميا. وتتحقق الارباح الهائلة ليس عبر السلعة المباعة كما يظن المخدوعون من عملائهم المروجين لهم بل عبر تسلم مبلغ العضوية من الفرد المجند فتتكدس عبر الافراد المتكاثرين مبالغ ضخمة جدا تتوزع بمقادير متفاوتة على الشجرة الممتدة بجذورها في الناس تكون فيها المقادير العليا وحصة الاسد لمن يعلو في الشجرة والمقدار الأدنى لمن يقف في الفروع البعيدة عن الساق. وهناك ارباح أخرى أيضا تتحقق عبر ترويج السلعة باعطائها قيمة مضاعفة لقيمتها الحقيقية بعد اقناع الأعضاء بانهم سيحصلون عليها بنصف القيمة أو أقل وإذ انه لا تتوافر السلعة في السوق لكي تقدر قيمتها بصورة صحيحة فإنهم يمارسون لعبتهم أيضا من جانب مضاعفة السعر في البيع المشفوع بالدعاية الكاذبة من طرف المدربين على مهارة الصيد.
المثال الثاني: تطرح بعض القنوات الفضائية سؤال يمتحن ذكاء المشاهدين كما يزعمون، وتضع جائزة مغرية لمن يتصل ويجيب تقدر بآلاف الدولارات. ثم تطلب هذه القناة من المشاهدين الاتصال فورا للاجابة على السؤال وعندما يحاول المشاهد القادر على الاجابة الارتباط بالمحطة عبر الأرقام المعلنة على الشاشة والتي تخصص لكل بلد رقما خاصا به تنقطع المكالمة الهاتفية فجأة فيظن المتصل ان خللا قد حدث فيعاود الاتصال مرة أخرى ثم ينقطع الاتصال أيضا مرة أخرى وهكذا دواليك الى ان ييأس المتصل من محاولات الاتصال ويتوقف بعد أن يكرر المحاولة ما يزيد ربما على عشر مرات. ثم بعد ان تأتيه فاتورة الهاتف يرى انه قد خسر عشرة دنانير في تلك العملية!... فلو افترضنا ان هناك مئة ألف شخص حاولوا الاتصال بهذه الطريقة فإن المحطة تربح مليون دينار في غضون دقائق!. والخدعة هي ان هذه القناة الفضائية هي التي تبادر بالاتصال بصورة مفاجئة بالأشخاص المسجلين عندهم في قوائم فلا يسعهم الوقت للتفكير والاجابة أو انهم يسمحون باتصال عملاء مأجورين فقط ليجيبوا اجوبة خاطئة، عند ذلك يحاول المشرفون على البرنامج اطالة وقت البرنامج قدر الامكان ريثما يتصل اكبر عدد من المشاهدين المخدوعين الذين لا يوفق أي منهم في تسلم الخط. ولإثارة عنصر الجشع عند المشاهدين فإنهم يتظاهرون بزيادة قيمة الجائزة ألف أو ألفين دولار كل مرة بعد انقضاء فترة وجيزة حتى يصل المبلغ الى عشرين ألف دولار! كل هذا لكي يزداد تسجيل المكالمات التي لا يرد عليها احد! بل يرد عليها جهاز آلي مرتبط بحاسوب يحصي الدقائق على شركات الهاتف المتعاونة معهم والتي تجني هي الأخرى نسبة من اموال السحت.
قال تعالى "يا أيها الذين أمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض" "النساء: 29" صدق الله العلي العظيم.
طارق القصاب
العدد 990 - الأحد 22 مايو 2005م الموافق 13 ربيع الثاني 1426هـ