العدد 2899 - الجمعة 13 أغسطس 2010م الموافق 03 رمضان 1431هـ

المعاناة الفلسطينية في عبور الجسر

داود كتّاب - صحافي فلسطيني وأستاذ «فيريس» السابق للصحافة بجامعة برنستون، والمقال يُنشر بالتعاون مع « 

13 أغسطس 2010

جاءنا حر الصيف مرة أخرى.

ومرة أخرى يذوب كرب الناس وألمهم ومناشداتهم حول اكتظاظ جسر الملك حسين بالمسافرين بسرعة كما يذوب الجليد في درجات الحرارة الحارقة في وادي الأردن.

يشكّل جسر الملك حسين نقطة العبور الوحيدة المفتوحة أمام 3,5 ملايين فلسطيني من الضفة الغربية. وهو مفتوح رسمياً من الثامنة صباحاً وحتى منتصف الليل. إلا أن الحافلة الأخيرة تغادر عملياً في العاشرة مساءً، وتتم أحياناً إعادة المسافرين من الجانب الأردني بعد التاسعة مساءً بسبب الاكتظاظ في شهور الصيف.

يزيد عدد الذين يغادرون الضفة الغربية على عدد هؤلاء القادمين إليها، حسب إحصائيات أصدرها الجانب الفلسطيني. وقد ذكرت السلطة الفلسطينية أن حركة المرور كانت معتدلة في الأسبوع الأول من يونيو/ حزيران، الذي شهد مغادرة 17473 مسافراً من أريحا، ودخول 9411 إلى الضفة الغربية.

ولا تضم هذه الأعداد سكان القدس الشرقية الذين يعبرون الجسر مباشرة دون الذهاب إلى معبر أريحا. ويقدر عدد سكان القدس الذين ينتهي بهم الأمر على المعبر نفسه على الجانب الأردني بنحو 3500 شخص أسبوعياً. هذا ولم تنشر السلطات الأردنية أية إحصائيات.

ومنذ نشر هذه الإحصائيات ازداد عدد الفلسطينيين المغادرين (للزيارة أو العمل أو السفر) بشكل ملحوظ، الأمر الذي اضطر العديد من العائلات الفلسطينية قضاء الليلة على الحدود.

ويضيف الحجاج المتوجهون لأداء مناسك العمرة إلى الأعداد التي تكتظ بها المعابر أيام الأحد والأربعاء، الأمر الذي يتسبب بالمزيد من الفوضى والتأخير. وحتى بعد تأمين الدور بالصعود إلى الحافلة، جرى الإبلاغ عن ساعات عديدة من التأخير، تصل أحياناً إلى 4 - 6 ساعات، لعبور مسافة الثلاثة كيلومترات من جانب لآخر.

هناك عدد قليل من المرافق، إن وجدت، حيث يقف المسافرون تحت أشعة شمس وادي الأردن الحارقة. الحافلات مكيفة، إلا أنه لا يوجد بها ماء أو أية خدمات صحية أساسية.

وقد تم إدخال بعض الإجراءات لتيسير المشكلة، مثل اتباع أسلوب الأرقام للمنتظرين، كما يحصل في البنوك أو الاصطفاف في السوبر ماركت. لم تكن أجهزة التكييف على الجانب الأردني تعمل بصورة كاملة لمدة أسابيع قليلة، حيث عانى المسافرون والعاملون من العرق الشديد.

لا يُسمَح للمسافرين استخدام سياراتهم الخاصة، الأمر الذي يضطرّهم لتغيير الحافلات ثلاث مرات لإتمام عملية العبور. ويتم فصل حقائبهم، التي تعامل بطريقة غير لائقة، عنهم عند مغادرتهم أو دخولهم المعبر الذي تسيطر عليه السلطات الإسرائيلية.

وباستثناء الأسر والأفراد الذين يعانون على الجسر، فإن القضية نادراً ما يجري بحثها على أي مستوى رسمي.

يعبر أفراد حاشية الرئيس الفلسطيني دون تأخير، ويستخدم أفراد السلطة الفلسطينية أموال دافعي الضرائب الفلسطينيين لدفع رسوم خدمة كبار الشخصيات الباهظة، وهي خدمة تحتكرها شركة أردنية وأخرى إسرائيلية، تستوفي كل منهما مبلغ 46 دولاراً لنقل الراكب. وتدفع شركات كبار رجال الأعمال تلك الرسوم نيابة عنهم. ويستخدم الأجانب والدبلوماسيون الدوليون معبراً آخر، وهم أحياناً لا يعلمون مدى المشاكل والساعات الطويلة من الانتظار التي يضطر «السكان المحليون» أن يتحملوها.

لا يجري عمل سوى القليل لمحاولة حل مشكلة الصيف ذات الفترة القصيرة، أو المشكلة على المدى البعيد.

يرغب الأردن ببناء معبر جديد ولكنه يفتقر إلى التمويل. في غياب حل سياسي، ما زالت المملكة تعتبر ذلك نقطة عبور مؤقتة غير دولية. ورغم أن الأردن ليست عنده مشكلة في ترك المعبر مفتوحاً طوال 24 ساعة، إلا أن الإسرائيليين يعترضون. لا يتكلم أحد أو يفكر بإيجاد نقطة عبور ثانية أو حتى ثالثة.

ومن بين الجهود لمواجهة احتياجات المسافرين الذين يعبرون الجسر حملة الكرامة الدولية لحركة الفلسطينيين، وهي مجموعة على الفيسبوك جمعت 1460 عضواً.

تحاول «الكرامة» إيجاد أساليب تسمح للناس بعبور النهر بكرامة واحترام.

حققت المنظمة التي تشكّلت قبل سنة بعض التقدم على الجانب الفلسطيني (من خلال دمج نقاط الخروج)، ولكنها لم تحقق أية اختراقات رئيسية أو خفض في ساعات الانتظار. وقد كشف حازم قواسمة، مؤسس كرامة، الذي عقد مؤتمراً صحافياً هذا الأسبوع ليصف إنجازات منظمته أن أعضاء من منظمته قابلوا ممثّلة الأمم المتحدة الإقليمية لحقوق الإنسان في رام الله وقدّم لها طلباً للتدخل لتسهيل المعاناة في المعبر.

من الطبيعي أن يشكّل الفلسطينيون من المناطق المحتلة رأس الحربة لمتابعة هذا الجهد. ولكن الوقت قد حان لأن تنخرط الأطراف الإقليمية والعالمية في هذه الكارثة الإنسانية اليومية.

يحتاج الأردن، الذي وقّع معاهدة سلام مع إسرائيل لأن يعطي هذه القضية تغطية أوسع بكثير.

يتوجب على إسرائيل كذلك أن تعي المعاناة التي تحصل أمامها.

يمكن للموافقة على فتح المعبر لمدة 24 ساعة أن يصنع العجائب للحد من المعاناة.

العدد 2899 - الجمعة 13 أغسطس 2010م الموافق 03 رمضان 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً