العدد 2906 - الجمعة 20 أغسطس 2010م الموافق 10 رمضان 1431هـ

سوف يبقى العراق رغم النكسات

رغم درجات حرارة شهر تموز/ يوليو في بغداد والتي وصلت 50 درجة مئوية (122 درجة فهرنهايت)، والتي تفاقمت نتيجة لنقص شديد في الطاقة الكهربائية، مازال موضوع الحديث اليومي بين العراقيين هو تشكيل الحكومة وقضايا ذات علاقة. وقد سيطرت النتيجة الخلافية للانتخابات الوطنية العراقية العام 2010 وعملية تشكيل الحكومة البطيئة، أي ما يسميه البعض أزمة سياسية، على العناوين منذ انتخابات السابع من آذار/ مارس.

كان آخر موعد دستوري لعقد البرلمان وانتخاب قادته هو 14 تموز/ يوليو. إلا أن ذلك لم يحدث. فضلت التجمعات السياسية تأخير الاجتماع لمدة أسبوعين، آملة في التوصّل خلالها إلى اتفاقية حول صفقة تتعلق بمن يصبح رئيساً للوزراء، ومن يصبح رئيساً للدولة ورئيساً للبرلمان.

انتهك أعضاء البرلمان، من خلال فشلهم بانتخاب قادتهم دستور العراق. ولكن من ناحية أخرى، فإن عقد اجتماع البرلمان دون اتفاق مسبق على الحزمة المذكورة أعلاه لن يكون مثمراً لأن أياً من الأحزاب السياسية لم يحصل على ما يقارب الـ 163 مقعداً التي تشكل الغالبية البسيطة المطلوبة لملء أي من هذه المناصب.

يلقي العديد من الناس باللوم على الأحزاب السياسية للتأخير، متهمين إياها بتفضيل مصالحها الخاصة على مصالح الوطن. ويتهم كل حزب تقريباً الآخرين بتفضيل المناصب ومصالح دول أخرى في المنطقة، ويقوم بتخصيص اللوم على فشل المفاوضات حتى الآن.

ورغم وجود بعض الحقيقة في هذه الاتهامات، إلا أن هناك عوامل أخرى أكثر تعقيداً وعمقاً وراء هذا التأخير.

يمرّ العراق بتغيير اجتماعي وسياسي واقتصادي سريع ومعمّق. هناك تنافس حول توزيع أو إعادة توزيع السلطة بين الكيانات السياسية: صراع بين هؤلاء الذين كانوا في السلطة قبل العام 2003، أي قبل اجتياح العراق، وهؤلاء الذين يمسكون بالسلطة منذ العام 2003، إضافة إلى المنافسة بين الأحزاب نفسها بعد العام 2003.

هناك مخاوف من فقدان السلطة أو إساءة استخدامها من قبل الآخرين، وقلق حول توزيع السلطة والثروة بين أفراد الحكومة المركزية ومنطقة كردستان والمحافظات الأخرى، ووضع المناطق المختلف عليها مع الأكراد والعلاقات مع الدول المجاورة. وتتلوّن هذه الصراعات أحياناً بخلافات طائفية وعرقية ويزيد من تعقيدها سياسة الخوف التي يديرها تاريخ العراق السياسي من الظلم، الأمر الذي يجعل المصالحة والتسوية أكثر صعوبة. إلا أن الأمر الجيد هو أنه حتى الآن، تعود الأحزاب السياسية إلى الدستور والمحاكم في خلافاتها دون اللجوء إلى العنف.

لا يوجد حل سريع بوجود هذه التعقيدات. ربما يتم تشكيل حكومة جديدة خلال الشهرين القادمين، ولكن الأمر يحتاج رغم ذلك لمدة ثلاثة أو أربعة شهور لبدء العمل. سوف يأتي الوزراء من أحزاب مختلفة وتكون لهم مصالح ووجهات نظر مختلفة، وقد يفتقر بعضهم للخبرة. إضافة إلى ذلك، سوف تواجه الحكومة أجندة صعبة، على رأس بنودها الأمن وانسحاب القوات الأميركية من العراق.

يوافق العراقيون والأميركيون على أن هذه القوات سوف تنسحب كما تقرر في الاتفاقية الأمنية بين الدولتين. وبحلول نهاية هذا الشهر، تكمل القوات القتالية انسحابها تاركة نحو 50,000 من الجنود يقومون بمهمات غير قتالية، يبقون حتى سنة 2011.

الواقع أن انسحاب القوات القتالية الأميركية مستمر منذ شهور، وهو يحقق اهتمامات العراقيين المتعلقة بالسيادة ويعزز شرعية الحكومة العراقية ويعمل على إيجاد المناخ الملائم للعراق للانخراط مع جيرانه الذين يساعدون جماعات المتشددين. الأهم من ذلك أنه يحرم جماعات المتشددين من القدرة على استغلال الاحتلال للترويج لأنفسها، الأمر الذي يعزلها عن الجمهور ويوفر للحكومة العراقية أفضلية كبرى في جهودها لمجابهة المتشددين.

إضافة إلى ذلك، فإن التحسينات التي جرت على قدرات قوات الأمن العراقية حقيقية جداً. وتثبت نشاطاتها اليومية نجاحاً متزايداً في القتال رغم أزمة العام 2009 في الميزانية والجمود الأخير في العملية السياسية. أصبحت احتمالات تجدد التمرد قليلة إذ إن القوات الأمنية أصبحت قوية أمام حركات التمرد المفرّقة، كما أن العراقيين تعبوا من الحرب ولن يقوموا بمساندة هذه الحركات.

رغم ذلك، سوف يحتاج العراق لمعونة متواصلة وخاصة من الولايات المتحدة لتطوير قوات الأمن بحيث تستطيع وبفعالية مجابهة التحديات الأمنية الداخلية والخارجية التي تواجه الدولة. كما يحتاج العراق لمعونة مدنية. يمكن لاتفاقية الإطار الإستراتيجي، التي تضمن التعاون الدولي في مجالات مختلفة بما فيها التعليم والطاقة والاتصالات، أن تشكل الخطوط العريضة لتحقيق شراكة أميركية عراقية تملك القدرات الكامنة على تغيير العلاقات بين الغرب والعراق، إضافة إلى المنطقة على اتساعها.

بعد عقود من الدكتاتورية الوحشية العدوانية وسنوات من النزاع المدمّر، سوف يبقى العراق إلى ما بعد هذه الأزمة السياسية، رغم كونها عملية سياسية بطيئة بشكل يثير الخوف والقلق، إلا أنه يمتلك الفرصة للخروج دولة رئيسية مستقرة مزدهرة في المنطقة.

العدد 2906 - الجمعة 20 أغسطس 2010م الموافق 10 رمضان 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً