أهلها عرفوا بالعمل الدؤوب الذي لا يعرف الحدود والذي توارثوه عن الجدود، ارتبطوا بالسوق التي تقع على طرف القرية وتعلم شبابها الكفاح المنقطع النظير منها، فصقلوا بحب العمل وعجنوا بمعاناة الحياة. .. عملوا في الزراعة والحدادة والخبازة وغيرها. وتواردت الروايات عن سبب تسميتها بهذا الاسم، فهناك من يقول إن معركة نشبت في هذه البقعة، ووقع صراع عنيف زهقت فيه أرواح، ووثب شخص يدعى "حفص" فوقع في الغزاة ضربا حتى فرقهم ونكس راياتهم، فقيل جد حفص ولذلك سميت المنطقة بعد أن حور اللفظ والتصق الفعل بالفاعل بـ "جدحفص" بكسر الجيم وتسكين الدال. ولكن هذه الرواية لا تلقى استحسانا ورواجا عند أهل القرية. عموما ذكر أن جد: اسم موضع، وهو كما تنقل الكتب اسم ماء بالجزيرة.

وذكر العلامة الشيخ إبراهيم المبارك في كتابه "حاضر البحرين وماضيها" "ص 16": "الجد بكسر الجيم تعني ساحل البحر"، فتكون بالقول الأول: جد بمعنى موضع، وحفص اسم علم مضاف إليه... وبالقول الثاني تكون جد بمعنى الساحل، وحفص اسم علم مضاف إليه.

ومن القرى التي ورد فيها هذا المعنى "جد علي"، و"جد الحاج" على شارع النخيل الواقعة بين قريتي كرانة وجنوسان بالمنطقة الشمالية من البحرين، وهي من القرى الساحلية المشهورة بالنخيل والبساتين الجميلة.

الحاج أحمد علي كان رفيقنا في تجوالنا في جدحفص وإن كنا نعرف هذه القرية عن ظهر قلب. ويتحدث الحاج علي عن أهم مشكلات القرية قائلا: "هناك بعض البيوت المتهالكة في أرجاء المنطقة وهذه البيوت سمعنا أنها سترمم، ولكن لم نر أي شيء يذكر... كما أن هناك مشكلة مرتبطة بالمنطقة، وهي مشكلة الباعة في سوق جدحفص وخصوصا بالقرب من سوق السمك، إذ تبقى المنطقة من غير تنظيف لفترة ما يبعد الزبائن عنها، ولعل نقل السوق إلى الأرض المواجهة للسوق سيقضي على كل هذه الاشكالات، ولكننا لم نر إلى حد الآن أي تحرك نحو هذا الاتجاه".

وأضاف الحاج علي أن هناك مجموعة من الشوارع بحاجة إلى إعادة تأهيل فعلي، وخصوصا الشارع الذي ينقل الراكب من وسط جدحفص إلى منطقة المصلى، ويبدو أن هناك تحركا لمعالجة هذه المشكلة.

جدحفص عاصمة البحرين سابقا

تقع في منطقة الشمال الشرقي لجزيرة البحرين، وتبعد عن العاصمة "المنامة" بنحو 3 كيلومترات، وتبعد عن منطقة البديع بنحو 7 كيلومترات، وأرضها المستوية زراعية خصبة اشتهرت بالبساتين ذات النخيل الباسقة، والمياه الجوفية العذبة، وفيها من الأحياء السكنية الشاري، السلطاني، البناية، الصاغة، الزراع، عين الدار، فريق الجديد، فريق السوق، الإسكان.

وجاء في كتاب المنجد في الاعلام "جدحفص: مدينة في البحرين، 15 ألف نسمة، إحدى عواصم الجزيرة قديما" - منجد اللغة والاعلام ص .198

وكتب عنها في "عقد اللآل في تاريخ أوال" ص34: "جدحفص وهي بلدة كانت قديمة عظيمة ذات عيون سياحة، وبساتين غناء فياحة، وبها سوق صغير. خرج منها علماء أجـلاء، وكانت فيما مضى من الزمن شامخة البنيان، آهلة بالسكان، سوق العلم في أرجائها رائجة ومدارس العلم بالعلماء مزدحمة، وحرفة أهلها الفلاحة والبناء والحدادة وغير ذلك من الحرف". ومن عيونها الكبيرة: عين الدار، عين الياسمين، عين سلامة، عين حربة، عين عبشم، عين الوزير، عين مليح، عين السباحية، وكل هذه العيون غار ماؤها ولم تبق إلا آثارها، وبعضها دفنتها البلدية أخيرا.

ومن أشهر بساتينها التي أوردها الحاج علي وتؤكدها كتب التاريخ: بخانة، الياسمين، جوبار الزهراء، الغرفة، المقسم، السمبري، الصفاصف، ومعظم هذه البساتين زحف عليها العمران في الوقت الحاضر، وصارت منازل سكنية أو محلات تجارية.

ومنذ القدم وحتى الثلث الأخير من القرن الجاري كان الأهالي يمارسون عمل البقالة والتموين والخبازة وتسويق الأسماك ولحوم المواشي وإنتاج المزارعين عن طريق السوق القديمة التي كانت شبه الوحيدة في منطقة الريف الشمالي لجزيرة البحرين، وساعد في هذا الترويج لتلك الخدمات موقع هذه المنطقة الجيد الوسط والقريب من العاصمة.

مدارس العلم انتشرت في المنطقة...

كان التعليم في الماضي يعتمد على المدارس الدينية والكتاتيب لتعليم القرآن الكريم والحديث الشريف للصبيان والفتيات، ومن أهم المدارس الدينية التي جددت في العصر الحديث مدرسة مسجد السدرة، مدرسة آل الصادقي، مدرسة الشيخ داود بن أبي شافيز، أما الكتاتيب فمازال امتدادها ملحوظا إلى الوقت الحاضر. وفي العصر الحديث بدأت الخدمات الحكومية والمشروعات الأهلية تأخذ مجراها في هذه المنطقة منذ بداية الخمسينات للقرن العشرين.

منطقة كانت آهلة بالسكان، مهبطا ومستودعا لفحول العلماء الذين اشتهروا في البحرين، منطقة تحتضن مركزا صحيا للقرى المجاورة ومستشفى للولادة، ولعل هذه الميزة جعلت الكثيرين يعتبرونها من أفضل المناطق - محسود الفقير على ميتة الجمعة - ولكن في الوجه المقابل نرى أن أهاليها لا يملكون سوى هذين المركزين، والمساجد وجامع المشرف والمقبرة وهنا تنتهي الخدمات