المسيرة الثابتة للمستوطنات والتحول نحو اليمين في السياسة الإسرائيلية والشعور المتنامي بأن اتفاقية سلام تُنهي النزاع هو أمر مستحيل، تغذي جميع هذه الأمور الشعور التلقائي لبعض الجهابذة ليعلنوا موت حل الدولتين كأسلوب لإنهاء النزاع الإسرائيلي الفلسطيني.
ولكن ما هي البدائل؟
يساند البعض حل الدولة الواحدة. يتخيّل معارضو الصهيونية وبعض أتباع ما بعد الصهيونية دولة علمانية ديمقراطية ذات غالبية فلسطينية، ويرى بعض اليمينيين الإسرائيليين إسرائيل تضم الضفة الغربية مستخدمة خططاً لحرمان الفلسطينيين حقوقهم الشرعية وأخيراً التخلص من غزة.
كلا الرؤيتين زائفتان. لن تقوم أية حكومة إسرائيلية بحلّ دولة إسرائيل. ولن تتمكن إسرائيل أبداً من تبرير، حتى لأقرب حلفائها، جعل نوع نظام الفصل العنصري الذي تمارسه في الضفة الغربة رسمياً بينما هي تحوّل فلسطينيي غزة إلى شعب لا مستقبل ولا دولة له يقبع في سجن جماعي على حافة صحراء سيناء.
ويرغب آخرون بإنعاش الاهتمام بسيناريو «لنجعل من الفلسطينيين مشكلة طرف آخر»، الذي تمتعت بشعبية في إسرائيل في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، بشعارات مثل «الأردن هي فلسطين» و»غزة هي مصر».
ولكن هذا أيضاً أحد الأوهام. لن تتواطأ لا مصر ولا الأردن عن طيب خاطر في قتل الحلم الفلسطيني. لن تقبل أي منهما استقبال سكان فلسطينيين من المؤكد أنهم سيزعزعون الوضع محلياً وإقليمياً. لن تقبل أي منهما أن تضم إسرائيل القدس الشرقية. وأي جهد تفرضه إسرائيل لفرض هذه القضية، من خلال محاولة إلقاء غزة في حضن مصر وفرض أجزاء من الضفة الغربية على الأردن - سوف يكلف إسرائيل على الأرجح معاهدات سلامها مع كلا البلدين.
ما زال البعض رغم ذلك يتبنون توجه «شكل مختلف من الوضع الراهن». وهم يفترضون أن الوضع الراهن يمكن تحويله بمهارة ليصبح محتملاً لدى كل من الطرفين، إلى أن يتطور الإسرائيليون والفلسطينيون لدرجة تحقيق إمكانية تنهي النزاع.
هذه الفكرة منفصلة عن الواقع. لا يمكن أن يتم تحييد الاحتلال بترتيبات ذكية. وأي استمرار للوضع الراهن، مهما جرى تغييره، سوف يؤدي لا مناص إلى المزيد من التوسع الاستيطاني وتعميق قبضة إسرائيل على القدس الشرقية، لدرجة أنه حتى لو حدثت التغييرات المأمولة في كلا المجتمعين، فلن يكون هناك شيء قد بقي للشعبين المتنوّرين حديثاً للتفاوض عليه.
وأخيراً، فإن عدداً متزايداً من الإسرائيليين يدافعون عن نموذج اللاحل. ويشكل هذا منظور أنه لا يوجد ببساطة أي أسلوب لحل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني.
نموذج اللاحل، مثله مثل غيره مجرد وهم، ناتج عن حقيقة أن الوضع الراهن محتمل بشكل عام لدى معظم الإسرائيليين. وهو يعكس اعتقاداً طفولياً تقريباً بأن الوضع ساكن، وأن الوضع الحالي سوف يستمر حتى إذا أظهرت إسرائيل مؤشرات مفادها أنها لا نية لديها لإنهاء الاحتلال. وهو يفترض أن الفلسطينيين الذين حرموا حتى الأمل بأفق سياسي لن يتخلوا عن كبح جماح الذات وسوف يقاتلون بشدة وعنف أكثر من أجل حريتهم. وهو يفترض أن الهدوء المفروض الذي حققته إسرائيل مع العالم العربي لن يتداعى.
ولأن الأمور تبدو بشكل عام وكأنها تسوء في الشرق الأوسط، فإننا ننسى أحياناً بأنها يمكن أن تتغير نحو الأفضل. اليوم، وبعد 32 سنة من زيارة الرئيس المصري أنور السادات العام 1977 إلى القدس، والتي أذنت ببدء حقبة «الأرض مقابل السلام»، وبعد 17 سنة من معاهدات أوسلو، التي أذنت بميلاد نموذج الدولتين، هناك هؤلاء الذين يناقشون بأن نموذجي الأرض مقابل السلام والدولتين هما خياليين مثلهما مثل النماذج الأخرى. هؤلاء على خطأ.
ما زال حل الدولتين ممكناً، حتى ولو أصبح صعب التصوّر والتطبيق مع كل يوم يمّر. وهو الخيار الوحيد الذي يحمل وعد أي شيء غير حالة نزاع دائم بين إسرائيل والفلسطينيين، وبين إسرائيل والعالم العربي. يبدو أن الإسرائيليين والفلسطينيين يدركون ذلك، حيث تظهر الاستطلاعات أن غالبية الشعبين ما زالت تدعم حل الدولتين، حتى بينما يشكل كل منهما بجدية التزام الطرف الآخر في تحقيقه. وتظهر الاستطلاعات الأخيرة أن غالبيات في العالم العربي تشعر بالأمر نفسه وتدرك أنه إذا اختفى حل الدولتين فإن النتيجة الأكثر احتمالاً ستكون نزاعاً حاداً.
يتوجب على هؤلاء الذين يهتمون بمستقبل إسرائيل والفلسطينيين أن يفعلوا كل ما بوسعهم للاستفادة من هذه الواقعية وأن يحققوا حل الدولتين قبل أن تضيع الفرصة بحق. كما يتوجب علينا أن نضغط بشدة ضد الحديث العرضي عن فترة ما بعد نماذج حل الدولتين، لأن البدائل هي مجرد أوهام
العدد 2926 - الخميس 09 سبتمبر 2010م الموافق 30 رمضان 1431هـ