كانت مفاجأة من العيار الثقيل عندما كشف وزير العمل مجيد العلوي النقاب عن مسح قوى العمل في المملكة التي أعدها مركز البحرين للدراسات والبحوث، والتي كشفت عن وجود أكثر من 20 ألف مواطن عاطل إذ اتضح ان البطالة في البحرين غول كبير يلاحق المواطنين، وتدل كل هذه المؤشرات على أن البطالة في البحرين مرشحة للتزايد باستمرار، الأمر الذي يجعل ضرورة البحث عن حلول واقعية وناجعة هما وطنيا.
وبعد الاطلاع على تجارب الدول الخليجية والعربية في هذا المجال، أعلنت الوزارة قبل نحو عامين برنامجا جديدا لتوطين التجارة وبحرنة الأسواق تحت مسمى "مشروع نافع" "مشروع وطني لتنمية وتوطين المبادرات الشبابية وتشجيع العمل الحر" الذي سيطبق للمرة الأولى في البحرين، وهذا المشروع الذي سجل نجاحا في الكثير من الدول تعقد عليه آمال كبيرة وطموحات أكبر للمساهمة في حل تدريجي لقضية البطالة من جهة، وتعزيز مفهوم المواطنة من جهة أخرى. ويرتكز "نافع" على عناصر أساسية لضمان نجاحه هي التمويل والتدريب والإشراف والتقييم والحماية.
24 شهرا ولم يتحقق
وكخطوة أولى لتدشين المشروع صدر قبل عام ونصف العام من الآن قرار من وزير العمل مجيد العلوي، بتشكيل اللجنة الوطنية لمشروع نافع من ممثلين عن الوزارة ووزارة التجارة وبنك البحرين للتنمية ومعهد البحرين للتدريب والمجلس المهني للتدريب المهني في قطاع البيع بالتجزئة. ويناط باللجنة الوطنية الكثير من المسئوليات والاختصاصات. كما تقوم اللجنة بتحديد المناطق التي ستطبق فيها المشروعات بناء على النتائج والمسوحات والدراسات للأنشطة التجارية، والإشراف على البرامج التدريبية ووضع الخطط الإعلامية والإرشادية والتنسيق مع مؤسسات المجتمع المدني واقتراح موازنة المشروع.
لكن هذا المشروع لم يتحقق على أرض الواقع حتى الآن على رغم مضي 24 شهرا على إعلانه رسميا؟ فهل تأجل المشروع؟ وما هي أسباب التأجيل؟ وماذا عن تضارب تصريحات المسئولين عن سبب التأجيل؟ فتارة يعلن أن سبب التأجيل هو التمويل، وأحيانا يقال توسعة المشروع أو لإخضاعه لمزيد من الدراسة. "الوسط" أعادت فتح هذا الملف، والتقت المعنيين، فماذا يقول المسئولون؟
هل ألغي المشروع
ويثار على نطاق واسع أيضا أن المشروع جمد لتقاطعه مع مشروع "ماكينزي" لإصلاح سوق العمل في البحرين، وهو ما نفاه الوزير العلوي الذي أدلى بتصريح خاص لـ "الوسط" مؤكدا عدم وجود تعارض بين المشروعين بقوله "في الحقيقة نحن ننظر الى مشروع "نافع" كسند الى مشروع ماكينزي، وبالتالي لا نرى أي تعارض بين المشروعين".
من جهة أخرى، نفى الوزير إلغاء المشروع. وعن موعد البت في مناقشة المشروع في مجلس الوزراء يجيب الوزير "لن يرفع مشروع "نافع" للمناقشة في مجلس الوزراء في الوقت الراهن" عازيا سبب تأخير التنفيذ الى "البحث عن مصادر التمويل". وكانت وزارتا العمل والتجارة قد تقدمتا بمذكرة مشتركة بشأن المشروع الى مجلس الوزراء قبل أشهر، إلا أن المجلس لم يبت بشأنه حتى الآن.
وينظر اقتصاديون بايجابية كبيرة الى المشروع المرتقب كونه يخفف الضغط من الاندفاع نحو القطاع العام الذي وصل الى حال من التشبع، إذ تصل نسبة البحرنة فيه الى نحو 96 في المئة. ويشار الى أن دولا خليجية عدة قد أثبتت جدارتها في تطبيق المشروع وأهمها سلطنة عمان التي قطعت شوطا كبيرا في تطبيقه.
"نافع" والشباب
فيما كان المدير التنفيذي للمشروع أحمد الحايكي - الذي التقيناه للوقوف على تفاصيل هذا البرنامج الوطني - متحمسا وواثقا من قدرة المشروع على خلق فرصة عمل كريمة للعاطلين، ويحكي الحايكي عن التفاصيل الدقيقة لـ "نافع" قائلا: "يعد "نافع" من المشروعات المهمة في المرحلة المقبلة في الوزارة لما تقتضيه الحاجة من ضرورة إيجاد فرص عمل جيدة للمواطنين، ويهدف المشروع إلى تشجيع الباحثين عن عمل على دخول مجال العمل الذاتي وخصوصا أصحاب المبادرات الفردية والذين لديهم الرغبة والقدرة على فتح وإدارة المشروعات".
ويرى الحايكي أن من إحدى المزايا الرئيسية والفعالة توفير المشروع لفرص تدريبية متميزة. ويوضح ذلك بقوله "يعد التدريب عنصرا مهما في تحقيق أي مشروع تنموي ناجح يراد منه تعزيز الموارد البشرية المؤهلة. وقد سعينا في اللجنة الوطنية إلى اعتماد "البرنامج التدريبي المتكامل" الذي يهدف إلى تعريف من لديهم الرغبة في البدء بمشروعاتهم على الجوانب الأساسية والعملية اللازمة لتشغيل هذه المشروعات وكيفية إدارتها بالشكل الأفضل. ويتكون البرنامج التدريبي من مرحلتين: تشتمل المرحلة الأولى على البرنامج التدريبي الأساسي ويتضمن المقررات للتعريف ببيئة العمل والأنشطة التجارية، كيفية اختيار المشروعات، خطط الإنتاج والخدمات، الخطط المالية وأساسيات حفظ السجلات وخطة التسويق وإعداد دراسة جدوى مبدئية للمشروع المقترح إلى جانب أخلاقيات العمل وخدمة الزبائن والمهارات الأساسية في الحاسوب ومهارات اللغة الإنجليزية. وتكون مدة البرنامج التدريبي ثمانية أسابيع. كما تشتمل المرحلة الأولى على الدراسات الميدانية ودعوة رجال الأعمال للتحدث مع المشاركين وإطلاعهم على الخبرات والمعوقات وسبل مواجهتها. فيما تعنى الحلقة الثانية من البرنامج بالتدريب على رأس العمل فضلا عن البرامج المتخصصة، وكذلك في حال وجود رغبة من قبل المؤسسات الكبرى لتكوين ورعاية مؤسسات صغيرة تقوم بالعمل لحسابها "franchises". ويمكن للمشروع أن يصمم برنامجا تدريبيا يوافق الاحتياجات الخاصة بهذه المشروعات بالاتفاق مع المؤسسات الكبرى الراعية.
الى ذلك كشف الحايكي عن مشاركته في مؤتمر دولي في المملكة الأردنية الهاشمية يعنى بوضع استراتيجية المشروعات الصغيرة في المنطقة العربية.
وأوضح الحايكي انه تعزيزا لتوجيهات وزير العمل مجيد العلوي في رفع كفاءة العاملين على مشروع "نافع" شارك المدير التنفيذي للمشروع في المؤتمر الدولي الثاني عشر للأكاديمية العربية للعلوم المالية والمصرفية الذي انعقد في العاصمة الأردنية "عمان" من 29 حتى 31 مايو/ أيار من الشهر الماضي عن دور المصارف والمؤسسات المالية والاقتصادية في ترويج وتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة، نظرا لما لهذا المؤتمر السنوي من صدى وفاعلية على المناخ الاستثماري في المنطقة العربية بإتاحة الفرص أمام صغار المستثمرين وتحفيز اقتصادات الدول للنهوض بهذا القطاع الحيوي المهم لأهميته الكبيرة في الاقتصاد الوطني.
وامتد المؤتمر لثلاثة أيام واشتمل على 17 جلسة عمل بالإضافة الى جلستي الافتتاح والختام. وقد شارك المدير التنفيذي في لجنة التوصيات المنبثقة عن هذا المؤتمر، والذي تمخضت عنه 74 توصية أصابت معظمها واقع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في المملكة، بل ووقفت على مشكلاتها والحلول الممكنة لضمان نموها وتطورها. وهو ما تسعى له وزارة العمل بتذليل كل الصعوبات أمام الشباب البحريني الراغب في العمل الحر من خلال إطلاق مشروع نافع، ليكون الشباب احد روافد الاقتصاد بمزاولة نشاطهم التجاري بعد أن زحف الى هذا القطاع العمالة الوافدة في ظل تحرير الاقتصاد والمنافسة في الأسواق المحلية والخليجية.
تحرير المصارف ودعم رواد الأعمال
وشدد الحايكي على ضرورة تحرير القطاع المالي والمصرفي في المملكة من القيود التي تقف عائقا في وجه تقديم القروض للمشروعات الصغيرة قائلا "إن تحرير القطاع المصرفي والمالي من القيود التي تقف عائقا لتقديم القروض للمشروعات الصغيرة هو أهم وأول العوامل لتفعيل التسهيلات المدعومة من الحكومات العربية. كما أن وضع استراتيجيات وتنفيذ السياسات المساندة للنهوض بهذا القطاع وتحديد حصة مناسبة من العقود الحكومية التي تخص بها المشروعات الصغيرة، وإصلاح نظام التعليم سيسهم بقوة في تعزيز دور الشباب البحريني نحو الاهتمام بكيفية إدارة مشروعاتهم الخاصة بدلا من التوجه الى العمل في المؤسسات الحكومية" مؤكدا دور غرفة تجارة وصناعة البحرين في اخذ المبادرات الجادة والفاعلة في دعم رواد الأعمال بالتنسيق مع وزارة العمل.
وكشف الحايكي عن توجه وزارة العمل الى تنفيذ المشروع بدءا من قطاع البحر قائلا "نحن في الجهاز التنفيذي نرى أن بإمكاننا البدء في تنفيذ مشروع نافع بدءا من قطاع البحر وصيد الأسماك من خلال تشكيل مجموعات من الشباب وتأهيلهم ودعمهم ماليا وحمايتهم، وتوفير الدعم القانوني اللازم والحماية من العمالة الأجنبية لتخصيص مهنة البحر للبحرينيين فقط".
وأكد الحايكي أن بحرنة قطاع البحر سيستوعب ما لا يقل عن 5000 وظيفة للشباب البحريني خلال العامين المقبلين "نحن على يقين بان المردود المادي لهذا النشاط للبحرينيين سيرتفع تدريجيا وسيستوعب 5000 شاب خلال السنتين المقبلتين، ونرى أنه حان الوقت ليتكاتف الجميع في إطلاق هذا المشروع الحيوي" موضحا أن مشكلة التمويل هي العائق الأساسي في تنفيذ مشروع نافع على رغم كونه جاهزا للتنفيذ فورا.
كي لا يفوتنا القطار
اذا هي آمال عريضة وأفكار كثيرة تنتظر تنفيذ هذا المشروع الوطني! الذي يبدو اننا اليوم احوج ما نكون الى تنفيذه اكثر من أي وقت مضى. كيف لا والعلوي وزير العمل تحدث للصحافيين وللرأي العام بأرقام وحقائق من الخطورة بمكان بحيث تدفعنا جميعا افرادا ومؤسسات مجتمع مدني وحكومة الى ان نقف وقفة جادة وحقيقية ولكي لا يفوتنا القطار ونندم يوم لا ينفع الندم
العدد 1033 - الإثنين 04 يوليو 2005م الموافق 27 جمادى الأولى 1426هـ