حضرت حصة لغة عربية لإحدى معلمات الصف الأول الابتدائي، وعندما رن جرس الفسحة تنحيت جانبا لأسمح للطلبة بالنزول وأخذني الحديث مع المعلمة بضع دقائق، بعد ذلك وجدت الممر قد خلى تماما من التلاميذ إلا طالبا صغير الحجم كان جالسا بهدوء على كرسي صغير في إحدى زوايا الممر وكان يبدو شارد الذهن غير آبه بوقت الفسحة الذي ينتظره بقية التلاميذ بفارغ الصبر.
اقتربت منه، سلمت عليه، وسألته عن اسمه فقال إن اسمه خالد، وانه انتقل إلى مدرستنا منذ حوالي أسبوعين، فسألته "لما لا تنزل تلعب مع الأولاد في الساحة؟" قال "لا أريد!" سألته ولماذا؟ نظر إلي نظرة مليئة بالحزن وقال: "أنا لا أعرف إلا محمد وصالح واليوم تعاركنا في الصف فقالا لي أنت لست صديقنا ولا نريد أن نلعب معك بعد اليوم"، ثم أسدى رأسه بحزن عميق.
بعد عدة دقائق خرجت معلمته من صفها متوجهة إلى غرفة المدرسات، لاحظت وجود خالد معي... فاقتربت منه، مسحت على رأسه وسألته عن مشكلته، فأجابها بالإجابة نفسها، ابتسمت لي المدرسة وقالت لي: "لا تقلقي، اتركي الأمر لي وأنا سأعتني به" ثم أخذت خالد بحنان باتجاه ساحة المدرسة. في نهاية اليوم الدراسي ذهبت لأسأل المعلمة عن خالد، إذ إن نظرته الحزينة البريئة لم تفارق مخيلتي، فعرفت منها بأن خالد لم يستطع بعد الاندماج مع بقية التلاميذ، يشعر بالوحدة، وعندما يكون مع التلاميذ غالبا ما ينتهي بعراك، وكانت تعتقد بأن ذلك بسب أنه حديث القدوم الى الصف، ويحتاج إلى وقت أطول كي يستطيع التأقلم مع التلاميذ. ولما سألتها عن مستواه الأكاديمي تبين لي بأن مستواه في القراءة والكتابة لا بأس به، ولكن مشاركته الصفية تكاد تكون محدودة، وبأنه لا يتبع التعليمات أحيانا.
انقضى أسبوعان تقريبا، وكانت المعلمة تراقب خالد عن قرب، فعندما قرأت التقرير تفاجأت عندما ذكرت بأنها تشك بأن خالد ربما يعاني من مشكلة لها علاقة بقدرته على السمع، ولربما يكون ذلك سبب سوء الفهم الذي يحصل أحيانا بينه وبين زملائه في الفصل، وقد يكون ذلك مؤثرا في تحصيله الدراسي.
عرضنا خالد على دكتورة المدرسة، فقالت إنه يفضل تحويله على طبيب مختص بذلك! فاتصلنا بولية أمره، وفي الواقع لم يكن في الموضوع ما يفاجئها، بل جاء تأكيدا لشكوكها، ولكن بدت عليها علامات القلق، إذ كانت قد لاحظت عليه ما يجعلها تعتقد بأنه يعاني من هذه الحال، ولكن بسب خوفها لم تتأكد من شكوكها، آملة بأن سلوكه نابع من عدم اهتمامه بما يقال له.
عندها قررت الأم عرض خالد على طبيب مختص، وبعد الفحص تبين أن خالد يعاني من ضعف في السمع في أذنه اليسرى منذ ولادته.
بعد مدة، وبينما كنت في جولة بين الأطفال في وقت الفسحة، وجدت خالد يلعب مع مجموعة من الأطفال بحيوية ونشاط، غير آبه بحرارة الشمس الحارقة، وابتسامته الجميلة تملأ وجهه فرحا ورونقا، ولما اقتربت منه أكثر رأيت أنه قد علق على أذنه اليسرى سماعة صغيرة وقد أطال شعره قليلا ليخفي السماعة. وفي أحد أيام نهاية الفصل الدراسي الأول وبينما كنت منهمكة في توقيع شهادات التلاميذ فرحت عندما لاحظت ارتفاع درجاته بشكل ملحوظ. وسررت بملاحظات المعلمة التي كانت تعبر عن نمو مهاراته الاجتماعية بشكل ملحوظ وبأنه ذو شخصية محبوبة من قبل بقية التلاميذ في الفصل.
شهناز بهمن
العدد 1067 - الأحد 07 أغسطس 2005م الموافق 02 رجب 1426هـ
منوول
حلوة القصة والتلاميذ يستفيدو منها شكرا يامعلمة