العدد 1072 - الجمعة 12 أغسطس 2005م الموافق 07 رجب 1426هـ

سترة... جزيرة بلا سواحل وبحارة بلا بحر

من يعيد لهذه البقعة التاريخية نضارتها؟

دوام الحال من المحال. .. بهذه العبارة يعزي بحارة سترة وأهلها أنفسهم وهم يتذكرون كيف كانت جزيرتهم. بحر تتلاطم أمواجه، ويعم الناس بخيراته، زروع نخيل وأشجار، وفي طرفة عين ذهب كل ذلك ولم يبق منه إلا اليسير. فأين البحر الذي انقطعت أخباره عن الأهالي، وأين النخيل التي كانت تحف بيوتات سترة وتزين سواحلها، وأين وأين... ذكريات مرة، وصور تجلب لذاكرها الحسرة، فمعالم القرية محيت، وأطلالها نسيت، ولم يبق لأهاليها سوى وضع اليد على الخد واستذكار قسوة الزمان الذي جار على جزيرتهم.

سترة، تلك الجزيرة التي تضم مجموعة من المناطق التي كانت في السابق تشكل حلقة من القرى المنضوية تحت سقف جزيرة سترة، وفي الوقت الراهن اقتربت المباني في هذه المناطق من بعضها بعضا لتصبح كتلة واحدة، ولم يعد من السهل على من لا يعرف مناطق سترة التمييز بين بعضها بعضا. وبحسب أهالي سترة، فإن الجزيرة الأم تضم مجموعة من القرى الرئيسية وأهمها واديان، مهزة، القرية، الخارجية، سفالة، مركوبان.


سترة عبر التاريخ

يقول المؤرخ الستراوي عبدعلي حبيل في كتابه "جزيرة سترة بين الماضي والحاضر": "في الوقت الذي أسس فيه العيونيون دولتهم في منطقة الخليج العربي، والتي كانت تضم الإحساء والقطيف وأوال "جزر البحرين" أسس فيه بنوقيصر دولتهم في جزيرة قيس بالخليج العربي أيضا. وكانت دولة قيس تملك أسطولا بحريا كبيرا يستخدم في أغراض ثلاثة حيوية: الغوص والتجارة مع الهند وإفريقيا، والحرب لغرض بسط السيطرة السياسية على الخليج. ووقع بينهم التنافس والعداء. ففي زمن أبي علي الحسن بن عبدالله العيوني هاجم حاكم جزيرة قيس أبوكرزاز بن سعد بن قيصر البحرين في العام 549هـ "1145م" بجيوش بحرية بقيادة أخيه نام سار بن سعد قيصر، ونزل في موضع يقال له "سترة" فبرز له أبوعلي الحسن العيوني وجرت بينهم معركة شديدة ظفر فيها العيونيون، وأسروا أخا حاكم جزيرة قيس وهو نام سار بعد أن قتل من أهل جزيرة قيس ألفان وثمانمئة "2800" جندي، وفر الباقون لسفنهم".

شوارع عارية وبيوت متهاوية!

قد يظن بعض من قصد جزيرة سترة بأنه يعلم شيئا عن معاناة الأهالي، ولكن حين تدخل وتجول بين الطرقات الوعرة، والشوارع التي انتهى عمرها الافتراضي والبيوت التي تكاد تقع على ساكنيها، فإنك ستعرف حقا ما يعانيه السواد الأعظم من الأهالي... عبدالجليل عبدالله من سكنة منطقة المهزة في سترة، يبدأ الحديث ويشرع في شرح المعاناة "مشكلة أهالي منطقة سترة هي مشكلة جميع أهالي البحرين تقريبا، وإن كانت هذه المشكلة تتضاعف في بعض المناطق في سترة وتفوق نظيراتها من المناطق في البحرين وعموما، وكما ترى، فإن الشوارع في المنطقة انتهى عمرها الافتراضي منذ فترة طويلة، ولم تعد تصلح لتكون شوارع، وعلى رغم أن منطقتنا هي المنطقة التي يعيش فيها الممثل البلدي لدى المجلس البلدي للمنطقة الوسطى إلا أننا نعاني أكثر من غيرنا في هذا الجانب".

وتواصل أميرة علي شرح المشكلة نفسها "اضطررت إلى تبديل "جانبين" السيارة مرات عدة بسبب رداءة الشوارع، ونحن في القرية طالبنا مرارا وتكرارا بتعديل وضعية الشوارع إلا أن المشكلة لما تبارح مكانها وكأنك "تنفخ في جربة مكسورة" ولا حياة لمن تنادي، هل لأن أهالي سترة فقراء وليس لهم نفوذ، هل لأننا لا نملك أية واسطات في الوزارات الحكومية".

عبدالجليل عبدالله يعود مرة أخرى لينقلنا معه إلى معاناة أصحاب البيوت المتهاوية إذ يقول: "هناك مجموعة من البيوت في جزيرة سترة تضررت كثيرا، وفي مهزة تحديدا هناك مجموعة كبيرة من البيوت التي أدخلت ضمن برنامج البيوت الآيلة إلى السقوط وبعضها ضمن برنامج البيوت الخطرة، ولكننا نتساءل هنا عن ماهية المعايير التي تتخذ في اختيار بعض البيوت، فهناك بيوت متضررة كثيرا لم يصل إلى أصحابها إشعار إخلاء، في الوقت الذي وصل لبعض البيوت الأقل ضررا إخطار إخلاء".

من جهة أخرى، فإن أهالي جزيرة سترة يؤكدون أنهم لا يعانون كثيرا من مشكلة انقطاعات الكهرباء كما حدث معهم في السنوات الأخيرة، إلا أنهم أبدوا امتعاضا شديدا حين وجهنا لهم سؤالا عن حقيقة معاناتهم في جسر سترة التي يربطها مع بقية مناطق البحرين، فيقول سيدعلي هاشم: "في أوقات الذروة نعاني كثيرا حين ندخل إلى قريتنا أو حين نخرج منها، والأسوأ من ذلك حين يحدث أي حادث مروري على هذا الجسر، إذ تصطف السيارات من أول الجسر حتى آخره ولك أن تتصور المدة التي ننتظرها حتى نخرج أو ندخل للمنطقة، ولا يمكن لنا التفكير في الرجوع مرة أخرى فليس هناك طريق للعودة وحتى لو كان هناك طريق للعودة فإن الحال لن يكون أفضل".

ويأبى عبدالجليل عبدالله إلا أن يشرح لنا معنى مسمى "مهزة"، فيقول: "لقد كانت لدينا عيون كثيرة في القرية، ومن أكبر هذه العيون عين تزيد في مساحتها عن 100 متر، وكانت تغذي أكثر مزارع قرى سترة، وكان الماء في هذه العين يتدفق بسرعة كبيرة، ويتموج ويسبب اهتزازا فسميت أم هزة، ومع مرور الوقت غلب اسم العين على المنطقة، فسميت منطقة "أم هزة" وحور الاسم وحذفت الألف ليصبح الاسم "مهزة"...".


سواحل نهبت

يعرج السيدعلي هاشم على أهم مشكلة في جزيرة سترة، ألا وهي نهب سواحل الجزيرة التي باتت من غير سواحل، قائلا: "لم يعد بمقدور الأهالي التنفيس عن أنفسهم في السواحل التي اعتادوا الجلوس على رمالها الناعمة، فكل السواحل ذهبت في جيوب البعض، ونستغرب من صمت الحكومة على هذه المهزلة، فكيف يمتلك البحر الذي أوجده الله للنفع العام، وكيف يمنع البحارة من الصيد في بعض المناطق بحجة أنها ملك لفلان وعلان؟". وهكذا بقي الأهالي من غير بحر، وعلى رغم الاعتصامات الكثيرة التي نفذها الأهالي، والتحركات الحثيثة من بعض المسئولين، فإن السواحل لم يعد لها وجود، وظلت النداءات تدوي من دون أن تجد لها آذانا تصغي، وكأن الأهالي تعودوا على الوضع، واستسلموا للواقع الذي يقول: "القانون على ناس وناس"!

وكيف يحدث ذلك في دولة المؤسسات والقانون؟

العدد 1072 - الجمعة 12 أغسطس 2005م الموافق 07 رجب 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً