لقد فطر الإنسان على حب العمل وارتبط به منذ قديم الأزل، فما سر الارتباط؟ قد تكون الإجابة منطوية على أكثر من جانب أولها في كون العمل وسيلة للرزق والتكسبه وثانيها في كونه استمرارية للحياة نفسها، فمن دون العمل لا يمكن أن تستمر عجلة الحياة، بل تصاب بالشلل الكلي في كل الأطراف وتتوالى الأسباب لتقدم منعطفات أخرى منها: إشباع الجانب المعنوي والروحي وشعور الفرد بأهميته من خلال عمله أو للاقتداء بسنن الأنبياء والمرسلين الذين اتخذوا مهنا شتى بجانب رسالتهم الأصلية وهي تبليغ الناس بمضمون الرسالة السماوية بدءا بسيدنا آدم "ع" وانتهاء بخاتم المرسلين سيدنا محمد "ص" وعمله في رعي الأغنام والتجارة.
فالعمل لغة ينطبق بمعناه الصنع والمهن على كل حرفة بحترفها الإنسان من أجل الإفادة والاستفادة وكما قال الرسول الكريم "ص": "العمل كنز والدنيا معدن". ولقد جعل الله الجزاء من جنس العمل من دون تحديد لماهيته أو حجمه كما جاء في محكم الذكر الحكيم في سورة الزلزلة في الآيتين السابعة والثامنة: "فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره". ولكن نحن في عصرنا الحالي نحتاج إلى نوع آخر من العمل وهو التشجيع على العمل التطوعي قبل الدخول في معناه الذي يندرج تحت الفعل "طاع": تطوع: تكلف الطاعة أي انخرط في سلكها وتكلف استطاعته عليه وتبرع به... فالانخراط في سلك الأعمال الخيرية التي تخدم المجتمع الواحد بلا مقابل أصبح ضرورة ملحة وتحتاج إلى تسليط مزيد من الضوء عليها من أجل تحقيق تطلعات وآفاق وطموح أعقد الكائنات على وجه البسيطة وهو الإنسان الذي تنص رسالته الأساسية على تعمير وعمارة الأرض حتى في أحلك الأيام وآخر اللحظات، فالزمن عنصر لا يعترف به قانون العمل المستمر!
ومن هذه المحطة يفرض السؤال نفسه: ما دور المرأة في العمل التطوعي؟
تأتي الإجابة في أساس حكمة خلق المرأة والتي تتمثل في تربية الأفراد وهي أعقد مهمة توكل إليها لأسباب جمة تتمثل في قدرتها على العطاء بلا حدود ومن غير شروط أو تخاذل أو تراجع، ومن هذه الخصوصية المتفردة يمكن معرفة دور المرأة في قدرتها على تمثل قاعدة العمل التطوعي وتشجيع الأبناء عليه في ظل مناخ يسعى إلى اللحاق بركب الدول المتقدمة وبسباق ثورة المعلومات التي باتت هي الفيصل في الحكم على القوة الأساسية للدول بدلا من العدة والعتاد.
وكان لأمهات المؤمنين في زمن الرسول الكريم "ص" أسوة حسنة لنساء اليوم كأروع مثال يضرب لدور المرأة في العمل التطوعي سواء في حلقات العلم التي تعقد في البيوت كما في بيت سيدة نساء العالمين - السيدة فاطمة الزهراء "ع" - أو في حالتي السلم أو الحرب والتي كانت المرأة تسهم فيها معنويا بتشجيع الأبناء على رفع راية الإسلام أو ماديا مثل السيدة خديجة بنت خويلد التي تبرعت بكل أموالها من أجل نصرة الدين الذي كان يحارب من قبل الكثيرين أو بتضميد جروح المجاهدين في الغزوات والمعارك أو في بدايات نشر الدعوة كما في حال أسماء بنت أبي بكر التي حملت الزاد والمؤونة إلى النبي "ص" وصاحبه في الغار متجاهلة الأخطار مسطرة أروع مثال لقدرة المرأة على تحمل المسئولية بكل صورها.
فإذا كانت المرأة في ذلك العصر وما بعده استطاعت أن تقوم بالمهمة على أكمل وجه على رغم بساطة الأدوات وقلة الإمكانات، فالأجدر في زمن العولمة والتقنية الحديثة أن تستغل المرأة اليوم كل الوسائل والسبل من أجل توضيح أهمية العمل التطوعي وتوسيع دائرته في المنزل والقرية والمدينة وموقع العمل وأي مكان يخدم فيه هذا النوع من العمل بنية المجتمع الإسلامي الذي يحتاج إلى تكاتف الجهود وتوحيد الصفوف، من أجل تحقيق المبادئ والفكر التي جاء بها الدين الإسلامي لإرساء قواعد صلبى على أساس الإيمان والإرادة والعزم والإتقان الذي نادى به الرسول الكريم في حديثه الشريف: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه". فمن خبايا مضمون القول الكريم يسطع كالعادة نور يهدي إلى الطريق المستقيم.
بتول آل شر
العدد 1093 - الجمعة 02 سبتمبر 2005م الموافق 28 رجب 1426هـ