العدد 1099 - الخميس 08 سبتمبر 2005م الموافق 04 شعبان 1426هـ

عود ثقاب

أحرقته وأحدقت النظر في سرعة التهام النار له بكثير من الشرود. .. فقد تآكل بسرعة لافتة... وتفتت بناؤه بصورة لم تدهشني بقدر ما آلمتني! وأثناء هذا الاحتراق السريع أحسست بلسعة طفيفة في طرف يدي... فأدركت أن النار تمكنت من النيل من عود الثقاب واصبعي كذلك! لم يكن في ذاك الاحتراق حدث يذكر... فما كانت الضحية إلا عود ثقاب مهمل فقد أهميته عقب احتراقه التام، وندبة حمراء صغيرة في طرف اصبعي، نسيتها بنفس سرعة حدوثها...!

تجاهلت وخز الألم، ووجهت نظري من جديد إلى عود الثقاب ذاته... والذي أسقطته بلا وعي عند قدمي... انحنيت نحوه وأمسكت به من جديد، ولكن بثبات أكبر... حيث كان قد فقد لهيبه وحرارته معا... وما بقي منه إلا نسبة ملحوظة من السواد! ونظرت إليه بتركيز، وكأنني أدرس جسما ذا قيمة خاصة أو معنى جديد يستحق الوقوف عنده!

وحدها عملية احتراق عود الثقاب الخشبي الصغير هي ما اجتذبت انتباهي وأوجدت بداخلي ميلا شديدا إلى محاولة القفز بمخيلتي إلى ما وراء هذه المعادلة العلمية البسيطة! وحده مفهوم الاحتراق ما استوقفني وبدد سكينتي وتطاول على استقرار أفكاري...

مع بدايات اشتعاله إشارة إلى سيادة النار على الخشب... مع بدايات اشتعاله تذكير بهيمنة اللهب... بأثره... بضراوته! مع نهايات الاحتراق جاءت ولادة الإدراك... مع هذه النهاية كان أول فصل في الخسارة!

في مراقبة احتراق الخشب عبور إلى الضفة الأخرى من الشعور... وفي إمعان النظر في تفاصيل هذه العملية انبعاث وعي وجيز لمعنى الاستحالة إلى رماد... إلى مادة تشبه التراب!

نحن أيضا عرضة للاحتراق... ليس من الخارج... ليس ابتداء من القشرة الخارجية... إنما من الداخل... حيث نحتفظ بعناصر الإحساس... وحيث يسهل الاحتراق، سريعا جدا... دونما استعداد... ودونما دفاعات!

أن تطعن من الخلف - غدرا - يعني أن تحترق... أن تأتيك الإساءة وأنت في حالة من الغفلة يعني أن تحترق... أن ينفذ عليك قلبك حكما بالالتفات الوجل المتكرر إلى عقارب الساعة يعني أن تحترق... أن تقتات من الانتظار مبتور النهاية يعني أن تحترق... أن تراقب مجريات الحياة من جهة تعادل العمى الكلي يعني أن تحترق... وأن تجبرك الحياة على ابتلاع قهرك مع سبق الإصرار والترصد لهو أسوأ أنواع الاحتراق!

أول هذا الاحتراق يشبه تماما آخره... وغالبا ما تستوي فيه البداية بالنهاية، إلى أن نفقد خاصية التميز ونصبح امتدادا للحريق!

قد احترق عود الثقاب وانتهى، وهو الآن بين يدي حطام... فلا شيء خالد... لا شيء في ثبات

العدد 1099 - الخميس 08 سبتمبر 2005م الموافق 04 شعبان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً