جلست تتأمل البحر الممتد أمامها. .. وهي تتساءل: أي سلوى تجدها في قطرات ماء متلاطمة؟ أي قوة تلك التي تشدها لتأتي إليه... تشكوه عذابات الروح... وتحدثه بحديث لا يسمعه سواه؟ كانت دائما تسمع من الجميع عبارات المديح والإطراء... لم يكن ذلك لجمال فائق... فقد كان شكلها عاديا... عاديا "بالمرة"... لكنها كانت - كما كانوا يقولون - مختلفة... كانت صانعة نفسها... فاقت من هم في سنها في كل شيء... هكذا كان الكل يتهامس حولها... لكنها كانت هي وحدها تعلم بأن داخلها صحراء جرداء خواء من كل شيء... من أي شيء... كانت تشبه نفسها كقشة تتماوج على حبيبات الماء... التي ترميها حينها بحنو وأحيانا أخرى كثيرة بقسوة بالغة... كانت تعي أن الدنيا غابة... وأية غابة... غابة جردتها من كل شيء... جردتها من الإحساس بأنها موجودة... كانت هي وحدها التي تعلم قسرا بأن الطرق التي تمشي عليها لصنع ذاتها كانت تشكلها من تمزقات ذاتها... أحبته وهي في السابعة عشرة من العمر... ربطت بينها وبينه خطوط وهمية... تجردت من ذكائها لثلاث سنوات... كانت خلالها تبتلع الأشواك... أشواك الحيرة... وأشواك تأنيب الضمير... والخوف... وتحطيم الذات... لتصل في النهاية إلى حقيقة مرة: أنها نسجت لنفسها نسيجا من سراب... وأنها لم تكن إلا لعبة كغيرها... لعبة تحرك خيوطها بكل سهولة... لعبة... ولكنها لم تكن رخيصة الثمن بتاتا... فلقد كلفته الكثير من التملق والتودد حتى يصل إلى قلبها... وما ان وصل إليه حتى نفر منه واتخذ لعبة غيرها... ينفق عليها الكثير من خبرته في فنون الغرام... وكانت هي مختلفة... كثيرا كانت مختلفة... منذ كانت طفلة كانت مختلفة... وهي الآن أيضا مختلفة... لعبة صنعتها لها الأقدار... أو ربما صنعتها هي... لعبة الاختلاف... لكنها دفعت ثمنا باهظا لهذا التميز... قدمت روح الإنسانة... فباتت مجردة من وهج الروح... وأصبح داخلها خواء... فهل نحن من نصنع الأقدار... أم هي من تصنعنا
العدد 1099 - الخميس 08 سبتمبر 2005م الموافق 04 شعبان 1426هـ