العدد 1105 - الأربعاء 14 سبتمبر 2005م الموافق 10 شعبان 1426هـ

هل يتمكن بوش من شن حرب على كاترينا؟!

يصادف الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول الجاري مرور الذكرى الرابعة على تفجيرات واشنطن ونيويورك المروعة، التي وقعت في اليوم نفسه من العام 2001م، والتي استغلها جورج بوش في شن حرب مدمرة على أفغانستان، وإسقاط نظام الطالبان الذي أوجدته أميركا وجاءت به إلى أفغانستان على ظهر دباباتها، لكون هذا النظام يأوي ويحتضن عناصر القاعدة الإرهابية وقادتها الذين تسببوا في تلك الحوادث الإرهابية، ولم يستطع بوش القضاء على قادة الطالبان والقاعدة أو حتى إلقاء القبض عليهم حتى الآن، على رغم مـرور أربع سنـوات من شنـه حربـه الجائـرة على أفغانستـان، ولاتزال الأوضاع متوترة وعناصر الطالبان المتحالفة مع القاعدة تشن هجماتها على قوات الاحتلال الأميركي، وتقوم بعملياتها الإرهابية في مناطق مختلفة من أفغانستان وباكستان.

وما كادت الحرب الأميركية على أفغانستان أن تضع أوزارها حتى شن حربه العدوانية على العراق، وأسقط نظام الطاغية صدام في التاسع من أبريل/ نيسان من العام 2003م، وأصبحت العراق وكراً للمجرمين واللصوص وقطاع الطرق والإرهابيين، الذين دخلوا العراق نتيجة تواطؤ وتغاضي قوات الاحتلال، في الوقت الذي ارتكبت الإدارة الأميركية خطأً فادحاً وذلك بحل المؤسسة العسكرية في العراق، وتسريح الملايين من عناصرها الذين وجد البعض منهم الأرضية الخصبة للانضمام إلى العصابات الإرهابية وفلول صدام المنهارة، والقيام بعمليات إرهابية مستمرة تطول المدنيين من أبناء الشعب العراقي المظلوم، وتستهدف البنى التحتية والمنشآت الحيوية وخطوط أنابيب النفط ومحطات الكهرباء والماء وغيرها من مبان ومجمعات تجارية وسكنية، لدرجة تعرضت فيه حتى المساجد والحسينيات والكنائس ومقرات الأمم المتحدة وبعض السفارات للهجمات بمدافع الهاون والسيارات المفخخة فضلاً عن الاغتيالات الوحشية التي طالت العناصر والرموز الوطنية والسياسية والدينية ولم يسلم حتى السفراء والعاملون في السلك الدبلوماسي وغيرهم من كبار المسئولين في الدولة بمن فيهم ضباط الشرطة والجيش والمنتسبون لهما، وتركزت هجماتهم على المدنيين الأبرياء.

ولايزال العراق وعلى رغم مرور أكثر من عامين يشهد حالاً من الفوضى وعدم الاستقرار من جراء انفلات الأمن واستمرار العمليات الإرهابية والتفجيرات والدسائس والمؤامرات العدوانية التي يسقط فيها المئات من الضحايا والشهداء والجرحى الأبرياء، والأوضاع العامة لاتزال غير مستقرة ومحفوفة بالمخاطر، وأصبح العراق وكأنه على فوهة بركان على وشك الانفجار، على رغم وجود قوات الاحتلال بالإضافة إلى القوات المتعددة الجنسيات والتي تتجاوز أعدادها أكثر من 150 ألفاً، مدججين بأحدث الأسلحة والمعدات المتطورة، وبالطائرات والدبابات وبالأسلحة الثقيلة كافة.

ولم يحصد بوش من وراء حروبه وتهديداته لبعـض الـدول التي لا ترتضي العيش في ظل السياسات الأميركية الخاطئة والمنحازة للكيان الصهيوني، ولا تقبل على نفسها السير في فلك أميركا المتهورة والطائشة، غير الفشل الذريع وتفاقم الكراهية لأميركا التي أصحبت تفرض نفسها كقطب أوحد في العالم، وأصبحت هي الخصم والقاضي والجلاد في آن واحد، ولم تعد غطرسة وتعنت ساسة البيت الأبيض تجدي نفعاً، بل باتت تشكل خطراً يهدد السلم العالمي، ويصعد من درجة التوتر وعدم استقرار الأوضاع في العالم، وبالتالي نلاحظ ارتفاع وتنامي موجة خطر الإرهاب في مناطق كثيرة من العالم، واشتداد حدة التحديات الإرهابية لأميركا والدول الأخرى، وأصبحت الشعوب تعيش حالاً من التوتر والقلق والاضطراب نتيجة لما تشهده الساحة من تحديات وانفلات الأمن في كثير من الدول في أرجاء العالم كافة.

وجاءت الحوادث المتوالية لتصاعد حدة الكوارث الطبيعية، والتي تمثلت بالعواصف والأعاصير والفيضانات والزلازل التي ضربت مناطق مختلفة من العالم، وكان أشدها هولاً وفزعاً فيضانات وأعاصير تسونامي، التي كانت من أكبر الكوارث الطبيعية التي شهدها العالم، وخلفت خسائر جسيمة في المعدات والأرواح، وستظل آثارها النفسية المدوية على مدى أجيال قادمة، ولن تمحى نتائجها المهولة من ذاكرة الزمن على مدى قرون.

وجاء إعصار كاترينا الذي ضرب ولايات مختلفة في الولايات المتحدة الأميركية، وأهمها ولايات لويزيانا والمسيسيبي والاباما وتسبب في إغراق نحو 80 في المئة من مدينة نيو أورلينز، ليكمل المآسي والويلات والنكبات والمحن التي يتكبدها الإنسان نتيجة للكوارث الطبيعة وما يشهده من حروب مدمرة، وقد يكون غضب الطبيعة وما ينتج عنه من كوارث طبيعية هو لحكمة إلهية لا يعلم السر من ورائها إلاّ الله سبحانه وتعالى، وقد يكون غضباً من الله على ذلك الإنسان الظلوم، أو لعله ناقوس خطر يحذر الآخرين، مما يرتكبونه من ظلم وجور ومن اقتراف الكبائر من الآثام والذنوب، ومن المنكرات والموبقات التي فاقت كل تصور وخيال، وهي التي قد تكون السبب وراء غضب الطبيعة وحدوث الكوارث الطبيعية التي تأتي شديدة قوية ومدمرة، تجعل الإنسان عاجزاً عن صدها أو تلافي أخطارها مهما أوتي من قوة خارقة، ومهما امتلك من المعدات والأجهزة والتكنولوجيا المتطورة.

وكذلك ما ينزله الله سبحانه وتعالى من المحن والبلاء على شكل أمراض وأوبئة يعجز الطب الحديث وما يمتلك من تقدم علمي وتكنولوجي، عن النجاح في إيجاد التشخيص لها، وبالتالي يفشل في ابتكار واكتشاف العلاج الناجع والدواء الشافي لتلك الأمراض المستعصية، ومع كل ذلك نرى ذلك الإنسان المتغطرس والمغرور يتمادى في غيّه ويزداد في طيشه، ويتفنن في ارتكاب المعاصي والمحرمات، ويتجاوز كل الخطوط الحمراء التي نهى الله سبحانه وتعالى البشر عن تجاوزها أو تخطيها، وبين لهم وحذرهم بألا يتعدوا أو يتجاوزوا حدودها.

ونعود إلى إعصار كاترينا وما سببه من آثار مدمرة وأهوال مروعة، وخسائر فادحة وجسيمة في المعدات والأرواح، إذ وصل عدد الضحايا إلى أكثر من عشرة آلاف قتيل وآلاف من الجرحى والمشردين، وخسائر مالية تقدر بمئات المليارات وكان من الممكن التقليل والحد من كل تلك الخسائر البشرية، لو اتخذت الإجراءات اللازمة والضرورية والسريعة، ولكن تقاعس المسئولين في الإدارة الأميركية، وعدم التحرك السريع والجدي من قبلهم، أدى إلى وقوع كل تلك الخسائر في صفوف سكان تلك المناطق المنكوبة، وغالبيتهم من السود والفقراء، ما جعل البعض يلقي باللوم على بوش وإدارته، ويتهمها بالتقصير نتيجة لدوافع عنصرية، لاتزال تكمن في المجتمع الأميركي، الذي عانى فيه السود والسكان الأصليون من اضطهاد وتعنت وعنف وتمييز من السكان البيض، الذين زحفوا إلى أميركا من دول أوروبية مختلفة.

وبعد كل تلك الفواجع والمآسي والخسائر والدمار الهائل، الذي أصاب تلك المناطق وضربها، وجعلها خاوية على عروشها وكأنها مدن أشباح، وما حصدته تلك الأعاصير المدمرة من آلاف الأرواح وآلاف الجرحى الذين يعانون العـذاب والآلام، وما خلفته من خسائر مادية جسيمة فاقت أكثر من خمسة أضعـاف ما صرف على حرب العراق، فكانت تلك الكوارث الطبيعية المدمرة بمثابة القشة التي قصمت ظهر بوش، وأصابته في مقتل لا يستطيع أن يداريه كما دارى في السابق هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وأوجد التأويلات والمخرجات لها، واستطاع بمكره أن يخترع المبررات ليشن حربه على أفغانستان لكونها قلعة الإرهاب وحصنه الحصين، وبذلك تمكن من امتصاص غضب الشعب الأميركي.

ولا نستبعد أن يخرج علينا جورج بوش، ليغطي على هزائمه النكراء في مناطق مختلفة من العالم، ويعلن للملأ بأنه سيشن حرباً على إرهاب الطبيعة، وخصوصاً على الإرهابية كاترينا التي هزت عرشه الخاوي وجعلت شعبيته في الحضيض وفضحت عنصرية الإدارة الأميركية، لتكون امتداداً لحربه التي يشنها على الإرهاب في عقر داره، وهو الذي استطاع أن يختلق الأكاذيب ويروج لها، ليجد المبررات المناسبة ويشن الحروب، ويجعل العالم يعيش في حال من الفوضى والاضطراب وعدم الاستقرار، ويعطي لنفسه الذريعة للتدخل في شئون الدول الأخرى، للهيمنة والسيطرة على مقدرات الشعوب ونهب خيراتها وثرواتها، وإرغامها على السير في الفلك الأميركي.

محمد خليل الحور

العدد 1105 - الأربعاء 14 سبتمبر 2005م الموافق 10 شعبان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً