اعترفت "إسرائيل" لأول مرة وبشكل رسمي أن عملاء جهاز الموساد هم الذين اغتالوا في العام 1973 الكاتب الفلسطيني الشهيد غسان كنفاني بزرع عبوة ناسفة في سيارته. وجاء هذا الاعتراف الإسرائيلي بقتل الكاتب الفلسطيني في سياق تقرير بقلم الصحافي ايتان هابر نشرته صحيفة "يديعوت احرونوت" تحت عنوان "كشف معلومات تتعلق بـ "حملة الثأر" التي نفذها عملاء الموساد في عدد من الدول ضد فلسطينيين في أعقاب مقتل الرياضيين الاسرائيليين خلال دورة الألعاب الاولمبية في العام 1972 في مدينة ميونيخ الألمانية". يشار إلى أن هابر، وهو المتحدث السابق باسم رئيس الوزراء السابق اسحق رابين وكاتب خطاباته، كان ألف سوية مع ميخائيل بار زوهار كتابا في الموضوع بعنوان: "مطاردة الأمير الأحمر" علي حسن سلامة.
"عملية الثأر"
وجاء في التقرير أنه في أعقاب قيام مجموعة من المقاتلين الفلسطينيين باختطاف 11 رياضيا إسرائيليا كانوا يشاركون في دورة ألعاب ميونيخ الأولمبية قامت الشرطة الألمانية بقتل قسم من الخاطفين وجميع الرياضيين الإسرائيليين. وكتب هابر أن: الألمان، بتشجيع من حكومة "إسرائيل"، لم ينووا تحرير الخاطفين، فقد انتظرهم أفراد من الشرطة الألمانية في المطار وفتحوا عليهم النيران ما أدى إلى مقتل الرياضيين وخاطفين وانه بعد سنتين من العملية "أي في العام 1974" سيتضح أن جميع القتلى قضوا بنيران القناصة الألمان على رغم أن الاعتقاد السائد هو أن الرياضيين قتلوا على أيدي الخاطفين. وتابع هابر أنه على رغم ذلك أصدرت رئيسة الوزراء الإسرائيلية في حينها غولدا مئير أمرا بالانتقام وتم تشكيل لجنة وزارية لتصدر "أحكاما بالإعدام" وتشكلت اللجنة الوزارية الإسرائيلية من مئير ووزير الدفاع موشيه ديان ووزير الخارجية يغئال الون والوزير من دون حقيبة يسرائيل غليلي ورئيس الموساد تسفيكا زامير ومستشاري رئيسة الوزراء للشئون الاستخباراتية اهارون يريف ورحبعام زئيفي الذي أصبح في حكومة ارييل شارون الأولى في العام 2001 وزيرا وقتل على أيدي فلسطينيين من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في فندق هيات في القدس. وبحسب هابر عندما تقرر تنفيذ "أحكام الاعدام" بحق فلسطينيين في عواصم أوروبية تبين أن قاعدة الموساد في أوروبا لم تكن بالحجم الكافي وان اذرع جهاز المخابرات الإسرائيلي كانت "ضعيفة" ولم تكن قادرة على اختراق الجاليات العربية في أوروبا وعلى إثر ذلك قام الموساد المسئول عن عمليات "إسرائيل" في الخارج وبدعم من الاذرع الأمنية الإسرائيلية كافة بينها الشاباك والوحدة العسكرية النخبوية المعروفة بالوحدة رقم 504 بتجنيد أبرز رجال المخابرات المعروفين بقدراتهم على جمع المعلومات مثل شموئيل غورين وباروخ كوهين وتسادوق اوفير ورافي سيتون واليعزر تسفرير ومايك هراري وناحوم ادموني الذي كان مسئولا عن العلاقات مع أجهزة الاستخبارات الأجنبية. يشار إلى أن قناصة الشرطة الألمانية قتلوا، إضافة إلى الرياضيين الإسرائيليين خمسة من الخاطفين من أصل ثمانية فيما تم اعتقال الثلاثة الآخرين. وبعد أشهر قليلة تم الإفراج عن الخاطفين الثلاثة على اثر اختطاف طائرة تابعة إلى شركة لوفتهانزا الألمانية في شهر أكتوبر/ تشرين الأول من العام ذاته ولم تتمكن الاستخبارات الإسرائيلية بعدها من اقتفاء أثرهم، مشيرا إلى أنه على رغم مرور سنوات طويلة منذ حملة "الانتقام" الإسرائيلية التي اعقبت حوادث ميونيخ فإن الكثير من المعلومات مازالت سرية. وقال إن أحد الأشخاص الأوائل الذين نفذت "إسرائيل" بحقهم "حكم الاعدام" كان شخصا ينتمي الى منظمة "أيلول الأسود"، لكن على رغم مرور السنين فإن اسمه وظروف مقتله وحتى كنيته ممنوعة من النشر حتى اليوم.
"رجل الزبيب"
وبحسب هابر فان هذا الشخص كان ينوي إرسال حاوية محملة بطنين من المتفجرات ومغلفة بشحنة من الزبيب من العاصمة اليونانية "أثينا" إلى ميناء حيفا في شمال "إسرائيل" وقد اطلق عليه اسم "رجل الزبيب"، لكن هذه العملية لم تخرج إلى حيز التنفيذ، إذ وصلت معلومات عنها إلى الموساد الإسرائيلي الذي أرسل عملاءه إلى أثينا وقتلوا هناك "رجل الزبيب"، وان هناك عمليات تم التخطيط لها، لكنها لم تخرج إلى حيز التنفيذ. وبين هذه العمليات ما جرى خلال البحث في أثينا عن "رجل الزبيب"، إذ تمكن عملاء الموساد من اكتشاف هوية مسئول فرع حركة فتح في هذه المدينة، وحاول الإسرائيليون قتل مسئول فتح في العاصمة اليونانية من خلال زرع قنبلة ومايكروفون تحت منضدة في صالة بيته وعندما عاد هذا المسئول إلى البيت ونوى الإسرائيليون تفجير القنبلة سمع عملاء الموساد من خلال المايكروفون وجود شخص آخر في الغرفة معه وسرعان ما تبين وفقا للمصادر الإسرائيلية أنها عشيقته وتراجع الإسرائيليون عن قتله خوفا من تأزم العلاقات اليونانية - الإسرائيلية.
اغتيال مسرحي جزائري
كذلك كشف تقرير "يديعوت احرونوت" عن أن عملاء الموساد قتلوا المسرحي الجزائري محمد بوضياء من خلال تفجير سيارته في العاصمة الفرنسية "باريس" في إطار حملة "الانتقام" الإسرائيلية. وتنسب المخابرات الإسرائيلية إلى بوضياء أنه أرسل إلى "إسرائيل" ثلاث نساء، هن الفرنسية افلين بارج والشقيقتان نادية ومارلين برادلي ومسنين بهدف تنفيذ عمليات تفجيرية، لكن تم ضبطهن جميعا لدى وصولهن إلى مطار اللد في وسط "إسرائيل". وتابع هابر انه في إطار "حملة تنفيذ أحكام الاعدام ضد عرب وفلسطينيين": قتل عملاء الموساد شخصا في نيقوسيا بجزيرة قبرص ادعت "إسرائيل" أنه كان ينتمي إلى منظمة "أيلول الأسود" ولم يذكر الكاتب اسم هذا الشخص، لكنه قال إنه تم قتله من خلال زرع عبوة ناسفة صغيرة الحجم في السرير الذي ينام عليه. كذلك اختطف عملاء الموساد أفراد خلية بينهم ألمانيان في العاصمة الكينية "نيروبي" بادعاء انهم كانوا ينوون اطلاق صاروخ أرض جو من طراد ستريلا نحو طائرة ركاب إسرائيلية وانهما تلقيا تدريبات في معسكر تابع إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. ونقل الموساد أفراد المجموعة إلى "إسرائيل"، إذ قضى الألمانيان في السجون خمس سنوات من دون أن يعلم أحد باعتقالهما أما الآخرون من أعضاء المجموعة فلم يذكر التقرير هويتهم أو مصيرهم. وتعترف "إسرائيل" من خلال تقرير هابر بقتل علي حسن سلامة بعد فشل محاولة اغتياله الأولى في بلدة ليلهامر في النرويج، إذ تم قتل نادلا مغربيا يدعى أحمد بوشيكي خطأ وان سلامة قتل من خلال مروره بسيارته قرب سيارة مفخخة في بيروت. وقال هابر إنه كان هناك من قتل في "حملة تنفيذ أحكام الاعدام" الإسرائيلية على رغم عدم وجود علاقة لهم بالعمليات المسلحة عموما وبعملية ميونيخ خصوصا. وأضاف "يعترفون اليوم في الموساد أن هناك من سقط ضحية في أعقاب القرار بخلق أجواء من الرعب والردع في صفوف الجالية الفلسطينية في أوروبا أبرز هؤلاء كان غسان كنفاني أحد أبرز الأدباء الفلسطينيين في الفترة التي أعقبت العام 1948 وقضى نحبه في العام 1973 في سيارته بعدما زرع مجهولون عبوة ناسفة فيها". كما تعترف "إسرائيل" بقتل ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في فرنسا أحمد الهمشري من خلال زرع عبوة ناسفة في منزله في العاصمة الفرنسية. وكان أستاذ الحقوق الفلسطيني البروفيسور باسل الكبيسي أحد ضحايا "حملة أحكام الإعدام" التي نفذها الموساد عندما اطلق عملاؤه النار عليه في مارس/ آذار 1973 في باريس وأردوه قتيلا. وأفاد الكاتب أن عميل الموساد الذي استبدل كوهين كان وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي الحالي غدعون عيزرا وألمح هابر في تقريره إلى أن توقيت النشر قد يكون البدء في ديسمبر/ كانون الأول المقبل بعرض فيلم جديد للمخرج الأميركي ستيفن سبيلبرغ عن مطاردة "إسرائيل" لمنفذي عملية ميونيخ
العدد 1128 - الجمعة 07 أكتوبر 2005م الموافق 04 رمضان 1426هـ