العدد 1168 - الأربعاء 16 نوفمبر 2005م الموافق 14 شوال 1426هـ

الجناحي... ضحية الإرهاب الأعمى!

ذهلت كثيراً عندما شاهدت المرأة التي أرسلت مع زوجها لتفجير نفسها في أحد الفنادق السياحية في المملكة الأردنية الهاشمية، عندما لاحظت من كلامها أنها لا تعاني من ردود نفسية تأنيها على ما أقدمت عليه، وما يثير الدهشة أكثر حينما قالت إن في وقت التنفيذ كان يقام حفل زواج وأعقبت كلامها بقولها إن الحفل فيه نساء وأطفال ورجال، على رغم كل هذا لم يغير من توجهها ولم يرجعها عن ارتكاب فعلتها هي وزوجها الذي أزهق نفسه وأزهق أرواح الأبرياء، وكأن هذا الأمر دفعها بأن تسرع في تنفيذ العملية ولكن لم يسعفها حظها كما تعتقد.

تخيلت وأنا أسمعها أن هذه المرأة تعرضت لضغوط نفسية عنيفة من قبل الجهة التي خططت لهذه العملية لدرجة أنها مسخت الجانب الإنساني لديها، وأصبحت كتلة من البغض والكراهية على كل البشر، وإلا ما الذي دفع هذه المرأة إلى الانسلاخ من دينها وعقيدتها وإنسانيتها وإقدامها على ارتكاب هذه الجريمة البشعة التي راح ضحيتها الكثير من الضحايا والأبرياء، من يحمل في قلبه ذرة من الإنسانية لا ينظر إلى من قتل في هذه الجريمة، وإنما ينظر إلى المسألة في جانبها الإنساني، ويسأل لماذا قتلوا هؤلاء؟ بهذه الجريمة أو بالأحرى بمثل هذه الجرائم الجنونية ضربنا كل المثل الراقية التي ثبتها الإسلام في أذهان الإنسان المسلم عبر القرون الماضية عرض الحائط. لم نر من خلال اطلاعنا للخطوط العريضة على أقل تقدير في مجمل المفاهيم الإسلامية ما يؤدي إلى قتل إنسان بريء، بل هناك نصوص متكاثرة في الشريعة الإسلامية تدعونا إلى احترام النفس الإنسانية بكل معانيها، وتحذرنا بعدم المساس بحرمة الإنسان، لم تتعود آذاننا سماع مثل ما يحدث من هتك إلى نفس الإنسانية بهذه الطريقة البشعة التي يندى لها الجبين ويشيب منها الطفل الرضيع، ما العناوين التي اعتمدوا عليها في سلوكياتهم وممارساتهم الإرهابية؟ في العراق كان الإدعاء الذي يرفعونه مقاومة المحتل الأميركي، والمحصلة دائما قتل وجرح عشرات الألوف من العراقيين وفي المقابل جرح أو قتل جندي أميركي واحد! ما هذه المفارقات والتباين بين ما يرفع وبين ما ينفذ؟! وكأن وراء ما يحدث يد خفية توجه هؤلاء (غير الأشخاص الذين تظهر أسماؤهم على وسائل الإعلام)! المشكلة ليست هنا ولكن المصيبة تكمن في كيفية تعاطي علماء المسلمين مع هذه المسألة، ومعالجة الإعلام العربي المسموع والمقروء والمرئي الذي يبرر للإرهاب الذي يرتكب ضد الشعب العراقي... نقول الصمت عن قول الحق يحولنا تلقائيا بحسب النظرية الإسلامية إلى شياطين خرس، والتنازل عن فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتنصل عن فهم المعنى الحقيقي لقول الرسول الأكرم (ص) «انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً»، الذي مفاده أن ننصر بعضنا بعضاً بقول كلمة الحق وأن نقف في وجه الظالم من أمتنا ونمنعه من فعل الخطأ، حتى لا يتمادى في فعله، وليس ننصره في الباطل، وبهذا نغلق الباب أمام من يريد للإسلام السوء، المنطق الإسلامي يقول لنا لابد من التعرف جيداً على الجهة التي تتبنى فكرة معينة وتدعي أنها من الإسلام، فالاتباع الأعمى لا يحمينا من المساءلة الإلهية بل يحملنا المسئولية كاملة أمام الله جلت عظمته، الإسلام وعي وتفكير وتعقل، وهذا ما يرشدنا إليه القرآن الحكيم من خلال تكرار هذه الفكرة في مواضع كثيرة بقوله: ألا تعقلون... إن كنتم تعلمون... ما إلى ذلك من الكلمات التي تحثنا إلى التعقل والعلم في كل الأمور التي تعرض علينا، لأننا سنحمل أوزارناً لوحدنا في يوم القيامة، ولن يحمل عني وزري من أخذت منه الأوامر التي دفعتني إلى فعل المنكر وارتكاب الجرائم وإرهاب الناس، ولا نحاول أن نحمل توجها ما أكثر ما يتحمل، فكل التوجهات الإسلامية التي تستقي أفكارها من القرآن والسنة الشريفة لا تختلف في هذه المعاني الراقية وإن اختلفت مشاربها وجميعها تركز في أدبياتها على هذا الجانب الأخلاقي الرفيع، ومن يتمرد على أخلاقيات وأدبيات معتقده الأولى بهذا المعتقد أو ذاك أن يقول كلمته الصريحة فيه حتى يحفظ لذلك المعتقد مكانته ورونقه في أعين البشر، وإلا ينسب إليه ويتجنى عليه في كل محفل ومكان. بقينا نسمع استغاثات الشعب العراقي للعالم الإسلامي بأن ينصفوهم بالكلمة على أقل تقدير، حتى بهذا القدر وهو أضعف الإيمان لم ينله مع الأسف، وكان يقول بأعلى صوته إن الشر الذي نعاني منه وتسكتون عنه أو تدعمونه سيعم وسيخرج إلى خارج حدودنا... قاعدة منطقية وعقلانية لا خلاف عليها في أوساط المجتمعات الإنسانية. كل تلك النداءات لم تجد الأذن الصاغية وراحت بعض المحطات الناطقة باللغة العربية تطبل وتزمر، واليوم وبعد الحوادث المأسوية التي وقعت في الأردن الشقيق أفاق البعض من غشوته وتبين له أن هذه الأعمال منكرة إنسانياً وإسلامياً، واحسرتاه على كل الضحايا الذين يسقطون يومياً في العراق، وواحسرتاه على فقيدنا الشاب الذي كان يرتجى منه أن يعود إلى وطنه لخدمته وينتفع من علمه الذي حصده بعد عناء طويل، أسفاً عليه أن يرحل في الغربة وهو مخضب بدمه الزاكي، نسأل الله أن يتغمده برحمته ويسكنه الفسيح من جنته وأن يلهم أهله وذويه ومحبيه ويلهمنا جميعاً الصبر والسلوان... آمين رب العالمين.

سلمان سال

العدد 1168 - الأربعاء 16 نوفمبر 2005م الموافق 14 شوال 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً