واصلت الصحف العبرية رصد التطورات بعد «اتفاق المعابر»، وحملت بشدة على انتهاكات المستوطنين في البؤر العشوائية ضد الفلسطينيين وحملت المسئولية للحكومة الإسرائيلية. وهناك من أكد أن كل التطورات والانقلابات السياسية التي تشهدها الدولة العبرية هي مجرد حفلة تنكرية إذ يرتدي جميع اللاعبين الأقنعة ويلعبون أدوارا مختلفة عن أدوارهم الحقيقية... واللافت هو أن جميع اللاعبين انتقلوا إلى «الوسط»، وهناك تقرير يفيد أن وضع «إسرائيل» الاستراتيجي في أفضل حالاته.
«هآرتس»: الجريمة تنادي الجريمة
وحملت «هآرتس» في افتتاحيتها الحكومة الإسرائيلية المسئولية عن الانتهاكات التي يرتكبها سكان المستوطنات العشوائية بحق المواطنين الفلسطينيين، بسبب تقاعسها عن إخلاء تلك البؤر الاستيطانية، التي يساهم وقوعها في أماكن معزولة على تشجيع المستوطنين على مصادرة أراضي الفلسطينيين والاعتداء عليهم وعلى مزروعاتهم وقطع أشجار الزيتون في أراضيهم، إذ إنهم يعتبرون أن ذراع القانون ليست طويلة كفاية كي تصل إلى تلك المناطق. فقطع أشجار الزيتون لا يشكل ضربة معنوية للمزارعين الفلسطينيين فحسب بل انه عمل شرير يعكس رغبة المستوطنين في القضاء على أحد الرموز التي تجسد ملكية الفلسطينيين للأراضي. غير أنها أكدت أن أبرز ما تمثله هذه الانتهاكات هو لامبالاة الاحتلال تجاه الأعمال التي يرتكبها المستوطنون، فعلى رغم أن آلاف الأشجار قد قطعت على أيدي هؤلاء إلاّ أن أي من هذه الاعتداءات لم تتم إحالتها إلى المحاكمة. لافتة إلى أن عمليات قطع الأشجار ليست سوى رأس الجبل الجليدي لانتهاكات المستوطنين. وإذ لاحظت أن ما من أحد في الحكومة الإسرائيلية معني بوضع حد لهذه الجرائم أو بإخلاء المستوطنات العشوائية، حذرت من أن الجريمة تنادي الجريمة والعنف يولد العنف.
خطوة على الطريق الصحيح
وتحت عنوان «خطوة على الطريق الصحيح» أشادت «هآرتس» بإعادة فتح معبر رفح بين غزة ومصر واصفةً إياه بالإنجاز الكبير. إلا أنها رأت انه بغض النظر عن التنازلات التي قدمها الجانبان فإن إعادة فتح المعبر هي استكمال لعملية فك الارتباط، إذ كان من الطبيعي فتح المعابر الحدودية كي لا يتحول القطاع إلى سجن كبير. وشددت على ضرورة استكمال الاتفاق بتنفيذ مشروع الربط بين غزة والضفة الغربية ومن ثم فتح مطار غزة واستكمال بناء المرفأ هناك. ووصف عوزي بنزيمان في «هآرتس» الوضع السياسي في «إسرائيل» حالياً بأنه يشبه حفلة تنكرية حيث يرتدي اللاعبون الأقنعة ويلعبون أدوارا مختلفة عن أدوارهم الحقيقية. فالكل يتجه إلى وسط المسرح. وجميع الأحزاب تتبنى حالياً الأجندة نفسها: حزب شارون الجديد «كاديما» أعلن تأييده قيام دولة فلسطينية والتزامه تطبيق «خريطة الطريق». و«ليكود» أبدى على لسان زعيمه الرمزي بنيامين نتنياهو استعداده لتنفيذ انسحابات في الضفة كجزء من اتفاق مع الفلسطينيين، حتى أن الصقرين الآخرين في التكتل سيلفان شالوم وشاؤول موفاز يتبنيان على نحو لافت موقفا دبلوماسيا أكثر اعتدالاً من نتنياهو. ولم يغب زعيم حزب العمل الجديد عمير بيرتس عن هذه المسرحية، وبحسب بنزيمان، لم يدخل بيرتس الحفلة من دون ماكياج، إذ أعلن خلال الحفل التأبيني لرابين، انتصار اتفاقات أوسلو وأوحى بأنه يتبناها كاملة، لكنه ما لبث أن أكد انه مع المحافظة على القدس موحدة إلى الأبد ورفض حق العودة معلناً حرباً بلا هوادة على «الإرهاب».
خطر الإرهاب لا يهدد وجود «إسرائيل»
ولاحظ روفين بيدتزور في «هآرتس» أن وضع «إسرائيل» الاستراتيجي «في أحسن حالاته» فاستناداً إلى تقرير صادر عن «مركز جافي» للدراسات الاستراتيجية. لفت إلى ان الشرخ العسكري النوعي بين الدولة العبرية وجيرانها اتسع أكثر من أي وقت مضى كما تعززت قدراتها الدفاعية. وتابع أن «إسرائيل» ليست في خطر حقيقي، فخطر الإرهاب لا يهدد وجودها، إذ إن الجيش وجهاز «شين بت» نجحا في احتوائه إلى حد كبير. هذا وسلط الضوء على الدول المجاورة، فلفت إلى أن الخطر النووي الإيراني مازال بعيداً جداً، كما أن سورية أصبحت في وضع ضعيف جدا وهي شبه معزولة. والعلاقات مع مصر تحسنت كثيراً في الوقت الذي ما زال اتفاق السلام مع الأردن ثابتاً. هذا ولم ينس أن يشير إلى العراق، إذ أزالت الحرب الأميركية خطراً كبيراً على الجبهة الشرقية. أما العلاقات مع الدول الأوروبية فلاحظ أنها تغيرت على نحو إيجابي بعد عملية فك الارتباط، في الوقت الذي تبدو العلاقات الأميركية الإسرائيلية في تحسن كبير. فإدارة بوش لا تضغط من أجل توقيع اتفاق مع الفلسطينيين كما أنها أطلقت يد «إسرائيل» في محاربة الإرهاب. فلسطينيا، رأى ان التطورات التي طرأت ساهمت في تحسين الوضع الأمني، فرحيل الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات ووصول محمود عباس إلى سدة الرئاسة شكلا بداية مرحلة جديدة أفضل. وبناء عليه، تساءل عن سبب استمرار «إسرائيل» في إنفاق المبالغ الطائلة على المؤسسة الأمنية؟
العدد 1187 - الإثنين 05 ديسمبر 2005م الموافق 04 ذي القعدة 1426هـ