أتاحت تداعيات الأزمة المالية العالمية على اقتصادات دول جنوب شرق آسيا، فرصة ذهبية للصين لتصعيد نفوذها والتقدم على مسار استراتيجيتها بضم المنطقة إلى فلكها السياسي والاقتصادي.
فطالما كانت غاية استرجاع دول جنوب شرق آسيا إلى الفلك الصيني ضمن طموحات زعماء الصين. وجاء الركود الذي تعاني منه المنطقة منذ عدة أشهر ليفسح المجال لها لتقوية زعامتها في المنطقة. وتحركت الصين بسرعة. فمجرد إلغاء قمة دول جنوب شرق آسيا في تايلند جراء القلاقل السياسية التي اجتاحتها في أبريل/ نيسان الماضي، والتي كان من المقرر أن تتناول أبعاد الأزمة العالمية، سارعت بكين إلى دعوة زعماء دول المنطقة للاجتماع فى جزيرة هاينان تزامنا مع انعقاد منتدي «بواو» السنوي، الذي وصف بأنه «قاعدة انطلاق الاقتصادات الناشئة» لمعالجة الانهيار الاقتصادي. وأتقن المسئولون الصينييون الإعداد لهذا المنتدى الذي انقعد تحت شعار «آسيا: ما بعد الأزمة»، ليتحول إلى بديل ناجح لقمة تايلند المحبطة، ودليل على قدرة الصين على ممارسة دورها الرائد في المنطقة.
وصرح أمين عام المنتدى، لونغ يونغتو، بأن قضايا اقتصادات الدول المتقدمة قد هيمنت على وسائل الإعلام العالمية، «وغايتنا هنا هو أن ترفع الاقتصادات الناشئة أصواتها، وهو ما يكتسب أهمية خاصة وسط الأزمة المالية الراهنة».
وفي خطوة إضافية لتعزيز زعامتها الإقليمية، أعلنت الصين التزامها بمساعدة دول جنوب شرق آسيا على التغلب على الأزمة من خلال سلسلة من التدابير منها تقديم 10 مليارات دولار على شكل استثمارات تعاونية، و15 مليارا على صورة قروض لجيرانها في المنطقة. وستخصص الاستمثارات لتمويل مشروعات تطوير البنية التحتية للربط بين الصين ودول المنطقة، فيما ستقدم القروض على صورة حزمة حوافز لانتشال الاقتصاد على مدى ثلاث إلى خمس سنوات.
وأعلن رئيس الوزراء الصيني وين جياباو التزام بلاده بممارسة دور نشط في توثيق الراوبط الاقتصادية والتجارية في المنطقة، وقال إن «مصير الدول مرتبط، ولن ينجو أحد من الأزمة المالية العالمية أو يقدر على التغلب عليها بمفرده».
وأعلن أيضا أن الصين ستروج للتوصل إلى تسويات تجارية مع جيرانها بعملتها اليوان، وذلك كوسيلة للتخفيف من معاناتها من عجز العملات الصعبة. وبالفعل، وقعت الحكومة الصينية هذا العام اتفاقيات عملة مع كل من إندونيسيا وماليزيا وكوريا الجنوبية. وبدورهم، حث خبراء الاقتصاد الصينيون المشاركون في المنتدى على استخدام اليوان كعملة إقليمية، وألقوا مسئولية تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية في آسيا على تبعيتها الكبيرة للاقتصاد الأميركي.
وقال الخبير الاقتصادي الصيني البارز فان غانغ: «إن آسيا تعتمد اعتمادا ضخما على الأسواق الأميركية، لأسباب من ضمنها أن الدولار يلعب دور العملة الدولية».
وأضاف في مخاطبته للمشاركين في المنتدى أن «الموقف الأميركي كان دائما القول (هذه هي عملتنا، لكنها مشكلتكم)، لكن آسيا الآن في وضع يسمح لها بالمطالبة باختيار العملات التي ترغب في أن تشكل احتياطياتها من العملات الصعبة» ولأغراض التبادل التجاري.
العدد 2433 - الإثنين 04 مايو 2009م الموافق 09 جمادى الأولى 1430هـ