العدد 1198 - الجمعة 16 ديسمبر 2005م الموافق 15 ذي القعدة 1426هـ

لماذا تتعثر ثقافة حقوق الإنسان في العالم الإسلامي؟

لم تكن الإجابة على السؤال القائل: «لماذا تتعثر ثقافة حقوق الإنسان في العالم الإسلامي؟ ولماذا تتعرض الحقوق أصلاً الى الانتهاك في هذا المجتمع الذي تأسس على شريعة تصون الحقوق؟»، ولعل مدير الحملات بقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمنظمة العفو الدولية الباقر العفيف يتمكن من توصيف المشكل بالقول إن هناك عقبات كثيرة تقف حجر عثرة أمام نشر وتعليم ثقافة حقوق الإنسان في العالم الإسلامي. وهي تمثِّل في جملتها إعادة إنتاج للمشكلات التي واجهت حركة الحداثة في هذه المنطقة، والتي يمكن تلخيصها في غُربة الأفكار عن الثقافة المحلية، وعدم تواؤمها مع البيئة الاجتماعية. وهذا ما أدى إلى حال غير طبيعية من استجلاب نسق من الأفكار الغربية الحديثة وتركيبها على واقع ثقافي واجتماعي تقليدي وشديد المحافظة. فأنتجت هذه التركيبة علاقة مثل علاقة الزيت والماء، يتجاوران ولكنهما لا يمتزجان. ولذلك فقد اعتمدت المجتمعات المسلمة استراتيجية من ثلاث شعب في تعاملها مع «هجمة» الحداثة، هي: الفرز والانتخاب والمعايشة. فأولاً هي ميّزت بين الإنجازات التكنولوجية للحداثة والمتمثلة في المكنة، والطاقة، ووسائل اتصّال وغيرها، وبين العقلية التي أنجزت هذه المنتجات. فتبنّت المنتجات المادية ونفرت من العقلية التي تكمن وراءها. فقد ظلّت تنظر بعين الشّك والرِّيبة للأفكار والفلسفات الاجتماعية الغربية. وعلى رغم أنها ظلّت «تتعايش مع» هذه الفلسفات، من دون أن «تعيشها»، منذ القرن التاسع عشر فإنه تَعَايُشٌ يشبه إلى حد بعيد صورة «النوم مع العدو». وهناك صورة قريبة من هذه تنطبق على الفئات المتعلِّمة التي تلقت هذه الأفكار مباشرة عن طريق التعليم الحديث. فقد أصابتها درجة من درجات الغربة المزدوجة عن مجتمعاتها، وعن روح الثقافة الوافدة. فأصبحت متمزقة بين الإرث الثقافي القديم الآيل إلى رسوم، ورموز، وجسد من غير روح، وبين المعرفة الجديدة المكتسبة، وهي في غالب الأحوال قشرة رقيقة من الثقافة الغربية لا تتجاوز سطح الجلد. ولقد تجسّد في هذه الفئات التناقض الصارخ بين بعض الأفكار الحديثة والثقافة الإسلامية السائدة والمتوارثة. وبطبيعة الحال، فقد عجزت هذه الفئات عن حل هذا التناقض في نفسها، وبالتالي صارت أعجز من أن تحله في مجتمعاتها. فمثلاً عندما استهوت روّاد الحداثة الأوائل فكرة المساواة الشاملة َِّىًّمَّْفٌ مِّّفٌىٌُّّ في الفلسفة الغربية وحاولوا نقلها وتحقيقها في المجتمعات الإسلامية اصطدموا بمبادئ الشريعة الإسلامية، إذ وجدوها تميّزاً بين الرجل والمرأة، وبين المسلم وغير المسلم. كذلك وجدوها تدعم نظاماً ثيوقراطياً غير ديمقراطي، وتضع قيوداً على حرية الضمير، والفكر، والتنظيم، والتعبير (...). ولما اعتبروها كلمة الله النهائية للبشر شعروا بأن الخيارات المفتوحة أمامهم هي إما أن يأخذوها كلها، أو يتركوها كلها، أو يأخذوا منها شيئاً ويتركوا شيئاً. فأما التيار الذي يرى أخذها كلها فهو التيار السلفي الذي كان على رأسه رشيد رضا، الذي أنتج لاحقاً حركة الاخوان المسلمين الداعية إلى التطبيق الفوري والكامل للشريعة الإسلامية، والمعادية للأفكار والفلسفات الغربية. وأما التيار الذي يرى تركها كلها فهو التيار العلماني الذي يمكن أن يُحْسَب عليه رواد مثل قاسم أمين، وطه حسين، وعلي عبدالرازق وغيرهم. هذا التيار يدعو إلى تحديث المجتمعات الإسلامية عن طريق تَبَنِّي طرائق التفكير الغربية. وبين هذين التّيارَين تقع درجات متفاوتة من التيّار التوفيقي، والتي لا ترى بأساً في تجاور بعض الأفكار الغربية الحديثة وبعض صور الشريعة الإسلامية، تُرَجَّح إحدى الكفّتَيْن على الأخرى بحسب القرب من هذا الت

العدد 1198 - الجمعة 16 ديسمبر 2005م الموافق 15 ذي القعدة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً