روري ميللر- مدير دراسات الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط بكلية كينجز في لندن. سوف يتم نشر كتابه «ا
15 نوفمبر 2010
ليس من الصعب فهم تصميم الاتحاد الأوروبي على لعب دور بنّاء في حل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني.
اعتقدت أجيال من صانعي السياسة الأوروبيين أن تسوية دائمة لهذا النزاع على أساس حل الدولتين ليس أمراً حاسماً بالنسبة للشرق الأوسط فحسب وإنما وبكلمات رئيس السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي خافير سولانا «أساسي لأمننا في أوروبا».
كذلك أصبح صانعو السياسة هؤلاء ينظرون إلى نجاح أوروبا في تحويل قوتها الاقتصادية إلى تأثير سياسي في نزاع الشرق الأوسط على أنه مؤشّر رئيسي على قدرتها على لعب دور قيادي على المسرح العالمي.
وقد ظهر هذا بوضوح كبير في الأسابيع الماضية عندما أسرعت كاثرين أشتون، الممثلة العليا للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، الخطى إلى المنطقة من واشنطن لمحاولة إنقاذ عملية السلام المتعثّرة بعد انتقادات بأنها فشلت في إبراز الصورة الدولية لخدمة العمل الخارجي الأوروبي التي أطلِقَت مؤخراً، وهي آلية جديدة صُمِّمت لإعطاء الاتحاد الأوروبي صوتاً أكثر قوة حول العالم.
كما أعلن الرئيس الفرنسي نيكولاس ساركوزي، الذي بقي صامداً في باريس وبشكل علني بأنه بعد عقد كامل من فشل الولايات المتحدة في تحقيق السلام، لم يعد باستطاعة الاتحاد الأوروبي الوقوف موقف «المتفرج الذي يشاهد الوقت يمرّ» ولم يعد يستطيع «التبرع بالأموال ثم البقاء خارج العملية السياسية».
إلا أن الواقع هو أن كلاً من إسرائيل والفلسطينيين ينظرون إلى الدبلوماسية الأميركية، وليس الأموال الأوروبية على أنها المفتاح لتحقيق تسوية نهائية سياسية. فمرة بعد أخرى، وقفت اعتبارات سياسية محلية ومنافسات أوروبية حائلاً أمام تحقيق الإجماع والسياسة المشتركة اللازمين للقيام بعمل أوروبي مشترك فاعل في الشرق الأوسط. ولاتزال أوروبا غير قادرة على إقناع الإسرائيليين أو الفلسطينيين بأن لديها أكثر من واشنطن لتقدمه كدور الوسيط والراعي والضامن للسلام.
طالب جاك شيراك، الرئيس الفرنسي الذي سبق ساركوزي، عند توليه الحكم العام 1995 بأن يقوم الاتحاد الأوروبي بتطوير دور سياسي في عملية السلام بشكل مستقل عن الولايات المتحدة، وقام بالضغط على ياسر عرفات لدعم اقتراحه بإعادة فتح المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي على أسس متساوية مع الولايات المتحدة.
لم يكن لهذه الدفعة الدبلوماسية أثر عملي يذكر، كما لم يكن هناك أثر لمطالب الهيئة الأوروبية بأن يشارك الاتحاد الأوروبي «إلى جانب» الولايات المتحدة في المفاوضات السياسية على أساس أن أوروبا تقوم «بتقزيم جهود جميع الدول المانحة الأخرى». وبحلول العام 1998 غطى الاتحاد الأوروبي حوالي 55 % من مجمل المعونة المقدَّمة للسلطة الفلسطينية، مقارنة بـِ 11 % من الولايات المتحدة. ولكن كل ذلك أصبح طي النسيان عندما قام الرئيس الأميركي بيل كلينتون بزيارة رسمية إلى غزة. وقد قارن نبيل شعث، وزير الخارجية الفلسطيني آنذاك تلك الزيارة بزيارة الرئيس نيكسون إلى الصين، وشرح أن علاقة الولايات المتحدة الخاصة بإسرائيل، ومعها علاقة الولايات المتحدة الخاصة بالفلسطينيين هي «الأفضل لعملية السلام».
ليس مما يدعو إلى الدهشة إذن أنه بحلول منتصف العام 2000، كانت الصحف الفرنسية تقتبس أقوال شيراك المحبط وهو يتحسّر حقيقة أن «لا أهمية للأوروبيين في هذه المفاوضات. يجب ألا تكون عندنا أوهام. فكلينتون هو الذي يدير العملية بأكملها».
لم يتغير الكثير في حقبة ما بعد أوسلو. إذ لم يستطع مبعوث عملية السلام الأميركي السناتور جورج ميتشل إبقاء الفلسطينيين والإسرائيليين منخرطين في عملية السلام، فيبدو من غير المعقول أن يتمكن الاتحاد الأوروبي من إحضار أي شيء إلى الطاولة قد يغير ذلك. ما الذي يتوجب على أوروبا أن تفعله إذن؟
تطلّع مارك أوتي الممثل الخاص للاتحاد الأوروبي للسلام في الشرق الأوسط مؤخراً قدماً لليوم الذي يصبح فيه الاتحاد الأوروبي «لاعباً كاملاً» في سياسة النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني. إلا أنه يتوجب على الاتحاد الأوروبي أن يتوقف عن قياس نجاحه أو فشله في المساهمة في السلام من حيث قدرته على تحقيق نقاط سياسية على الولايات المتحدة أو تحقيق دور سياسي في العملية مكافئ لوزنه الاقتصادي.
بدلاً من ذلك يتوجب على الاتحاد الأوروبي التأكيد على موقعه البعيد المدى كأحد المانحين الرئيسيين في المجتمع الدولي للفلسطينيين، إضافة إلى كونه الشريك التجاري الأول مع إسرائيل. ورغم أن ذلك ليس بالأمر الباهر، إلا أن الدعم الأوروبي لميزانيات المؤسسات الفلسطينية والبنية الأساسية، إضافة إلى المعونة الإنسانية ومساعدة اللاجئين والمعونة الغذائية كانت مهمة بشكل هائل في إدامة المجتمع الفلسطيني، وهي لاتزال تشكّل أمراً أساسياً في عملية بناء الدولة الجارية حالياً.
عندما يتم تأسيس الدولة الفلسطينية في نهاية المطاف، سيلعب الاتحاد الأوروبي دوراً حاسماً في عمل ما كان يعمله على أفضل وجه في أوروبا خلال نصف القرن الماضي، وهو تشجيع الإجماع والتعاون الاقتصادي بين الأعداء السابقين خدمة لمصلحة الازدهار الإقليمي والاستقرار الطويل الأمد.
سوف تكون أوروبا وإسرائيل والفلسطينيون في أفضل حال إذا اعترف الاتحاد الأوروبي بشكل كامل بأهمية هذا الدور، ليس فقط كشرط مسبق للتأثير السياسي وإنما كنتيجة بحد ذاتها.
العدد 2993 - الإثنين 15 نوفمبر 2010م الموافق 09 ذي الحجة 1431هـ