ربما تضعف المؤشرات على أن الزعيم الليبي معمر القذافي يكبح جماح ابنه سيف الإسلام ذي الميول الليبرالية الاحتمالات الهشة بالفعل بإجراء الإصلاحات الديمقراطية وإصلاحات السوق الحرة في البلاد. و قفزت علاقات ليبيا مع الغرب قفزة إلى الأمام العام 2003 حين تخلت عن برامج الأسلحة المحظورة ثم مرة أخرى العام الماضي حين اتفقت مع الولايات المتحدة على تسوية المطالبات بتعويضات عن هجمات من بينها تفجير طائرة أميركية فوق بلدة لوكربي في اسكتلندا العام 1988. و لعب سيف الإسلام (36 عاما) دورا محوريا في المفاوضات لإنهاء سنوات العقوبات التي جعلت ليبيا عضو منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) خارج حسابات غالبية المستثمرين الأجانب.
كما نادى بمزيد من الحرية للصحافة فضلا عن تعميق الديمقراطية. لكن في الأسبوع الماضي أممت الحكومة قناة تلفزيونية مستقلة مرتبطة بسيف الإسلام ما أذكى التكهنات بأنه تمادى في دفع أجندة الإصلاح وأثار غضب البيروقراطيين الأقوياء بالحكومة الذين يفضلون استمرار الوضع الراهن.
وقال المحلل الليبي عاشور شميس الذي يقيم في لندن الأسلوب الذي يفعلها به (سيف الإسلام) مستفز وهو يثير غضب والده. و تطرح تساؤلات بالفعل بشأن نفوذ سيف الإسلام الذي قال بعض المراقبين ذات يوم إنه الخليفة الأرجح لوالده وذلك بعد أن أعلن في أغسطس/ آب الماضي انسحابه من لعب دور سياسي. ومع تضاؤل فرصه فيما يبدو يشير مراقبون لشئون ليبيا إلى صعود نجم شقيقه الأصغر المعتصم بالله. وفي حين تحدى سيف الإسلام النظام القائم حصل المعتصم بالله في هدوء على دعم شخصيات قوية بالمؤسسة من خلال استمالة نزعاتهم المحافظة. والمعلومات المتاحة عن المعتصم بالله قليلة باستثناء خلفيته العسكرية وميله إلى عدم لفت الأنظار الذي يتناقض مع شقيقه الذي يتكلم بصراحة ويجوب العالم ويتحدث الإنجليزية بطلاقة والحاصل على درجة الماجستير في إدارة الأعمال. وعلى غير العادة قام المعتصم بالله الذي يتجنب وسائل الإعلام بزيارة رسمية للولايات المتحدة في 21 أبريل/ نيسان بوصفه مستشار الأمن القومي الليبي والتقى مع وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون في واشنطن.
وقال مدير قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمجموعة يوراسيا جيف بورتر في مذكرة إنه في حين أن سيف الإسلام كان يجوب العالم وتلتقط صور له لنشرها على غلاف (مجلة) جي كيو كان المعتصم بالله يبني تحالفات داخلية جعلته في وضع يسمح له بتسلم المسئولية من والده. وأضاف أن هذا يحمل معاني ضمنية للمستثمرين الأجانب الذين تتوقف قدرتهم على العمل في ليبيا على التمتع بعلاقات وثيقة بأطراف في عشيرة القذافي. و تابع قائلا إن المؤسسات التي أقامت تحالفات وثيقة مع سيف الإسلام ربما تضار في الأشهر المقبلة مع استمرار نجمه في الأفول. لكن محرر شئون الشرق الأوسط بدورية «جين» ديفيد هارتويل، يرى أن فكرة كبار المستثمرين الأجانب بحاجة إلى أن يكون سيف الإسلام قويا حتى يتسنى لهم الدخول للعمل في ليبيا مبالغ فيها لأن والده هو صانع القرار الأول والأخير. و أضاف لا أرى تهديدا للاستثمار الغربي في حد ذاته لأن الانفتاح على الغرب إحدى سياسات القذافي. و أكد محللون آخرون وجهة النظر نفسها.
وقال معظمهم إن التغيير في السلطة لن يضر بالآفاق المستقبلية لمؤسسات غربية مثل «بي.بي واكسون موبيل» التي استغلت قرار ليبيا بالانفتاح باستثمار ملايين الدولارات في مشاريع للطاقة بها.القذافي الذي لا يشغل منصبا حكوميا رسميا ترك العالم لتخمين من قد يخلفه في حمل لقب الأخ العقيد ومرشد الثورة، هذا إذا بقي اللقب قائما. و يبلغ القذافي من العمر 66 عاما وهي سن صغيرة نسبيا مقارنة بغيره من الزعماء الأفارقة المخضرمين.
يقول الباحث بمعهد الشرق الأوسط والدبلوماسي الأميركي السابق ديفيد ماك ربما يكون من السابق لأوانه بذل قدر كبير من الجهد في التكهن بخلفائه في مناح متنوعة من تركة متعددة الجوانب.
و من ناحية أخرى تعلم حكومات أجنبية ومستثمرون أجانب أن مزايا ممارسة الأعمال تفوق مخاطر العمل في ساحة سياسية مضطربة ومناخ تجاري مبهم. و زاد حجم التجارة بين الولايات المتحدة وليبيا إلى ثلاثة أمثاله ليبلغ 4.9 مليارات دولار العام الماضي بعد أن كان 1.67 مليار دولار العام 2005. و قال خبير العلاقات الدولية بجامعة نيويورك جيمس كيتيرر «هل استمرار عدم القدرة على التكهن بشأن الخلافة في الزعامة أمر تشعر الولايات المتحدة بالارتياح تجاهه». و أضاف هناك فيما يبدو صفقة تريد الولايات المتحدة إبرامها وهي لن تمارس ضغطا شديدا في قضايا الديمقراطية.
العدد 2437 - الجمعة 08 مايو 2009م الموافق 13 جمادى الأولى 1430هـ