العدد 3019 - السبت 11 ديسمبر 2010م الموافق 05 محرم 1432هـ

هل العربية لغة علم؟ (2 - 2)

محمد عزالدين الصندوق- وينشر بالتعاون مع مشروع منبر الحرية 

11 ديسمبر 2010

لقد بدأ النشر العلمي الأكاديمي في حدود القرن السابع عشر ومازال متواصلاً من دون انقطاع وبتراكم هائل من الخبرات خلال هذه الفترة الزمنية. خلال هذه الفترة استطاعت اللغة الإنجليزية التواؤم مع الكتابة والطباعة العلمية، كما أن تقاليد النشر العلمي تأسست خلال هذه المدة التي كان العرب فيها منقطعين عن الحضارة العالمية. كما أخذت بالتشكل طريقة الصياغة اللغوية للحقائق العلمية وطريقة كتابتها. وتوجد الكثير من الدراسات حول قدرة اللغة في استيعاب العلوم.

حالياً اللغة الإنجليزية تتصدر اللغات العلمية العالمية بسبب سعة انتشارها كما توجد العديد من اللغات العلمية شبه العالمية مثل الفرنسية والألمانية وهناك لغات علمية أقل انتشاراً مثل اليابانية والصينية... وعالمية اللغة تنشأ من عمق اهتمام مجتمعها بها. ونتيجة سعة وانتشار الناتج العلمي فإن اللغة الإنجليزية العلمية أخذت بالتوسع وقبول مصطلحات ورموز من لغات أخرى.

لقد كان الروس ضمن الفترة السوفياتية ينشرون بحوثهم بلغتهم، وهذا يعني أن المنظومة العلمية الروسية كانت كاملة وتحوي مؤسسات نشر علمي من كتب ومجلات بحثية. وبغية الاستفادة من البحوث السوفياتية اهتم الغرب بتأسيس مؤسسات متخصصة في ترجمة المنشورات العلمية الروسية كي يكون الغرب على قدم المساواة مع ما يكتشفه السوفيات.

مما تقدم نجد أن لغة العلم ليست مجرد وعاء يمكن تبديله بالترجمة بل مؤسسات ضخمة توفر لقرائها البحوث السابقة والحالية إضافة إلى توفيرها الكتاب العلمي (الأكاديمي) بمستوياته المختلفة.

كانت أول تجربة عربية حاولت أن تمنح اللغة العربية صفة لغة العلم في العصر الحديث هي التجربة المصرية في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر. لقد كانت على ما يبدو من ضمن الحماسة القومية أكثر من كونها خطة مدروسة. لقد أصدرت القاهرة مشروع «الألف كتاب» وهو مشروع ترجمة كتب عالمية مختارة للغة العربية. لقد كانت تجربة مفيدة للمثقف العربي إلا أنها لم تتطور لأنها كانت أعجز من أن تتمكن من توفير المراجع العلمية المختلفة الاختصاصات، إضافة إلى مشكلة المصطلح العلمي الذي اختلف العرب على ترجمته، كل دولة على هواها.

ومشكلة استخدام الرمز العلمي والرياضي. مثل هذه المشاريع قد تفيد في نقل المعرفة لرجل الشارع وللمثقفين عموماً ولكن ليس الباحث الذي هو بحاجة دائمة لمتابعة تخصصه والتطورات التي تحصل. الباحث العلمي عليه أن يكتب إنتاجه بلغة يفهمها العالم كما هو بحاجة إلى قراءة ما ينتجه الآخرون.

ظهرت محاولات أخرى مختلفة في الكثير من الدول العربية، ولكنها جميعاً محاولات متلكئة محلية الطابع رعتها السياسة والأيديولوجية الحاكمة أكثر من كونها ضرورة اجتماعية. كما قام الكثير من الأساتذة العرب بتأليف أو ترجمة الكثير من الكتب العلمية، كما سبق لي شخصياً وأن أصدرت كتاباً علمياً باللغة العربية ولكن كل هذه الجهود لا يمكن أن تواجه الكم الهائل من الإنجاز العلمي العالمي المتسارع يومياً.

وكما يختلف الساسة العرب في مواقفهم فإن المجامع العلمية العربية التي ركضت وراء ترجمة المصطلح العلمي اختلفت فيما بينها، فهناك ترجمة مصرية وأخرى عراقية وأخرى سورية... للمصطلح الواحد. مثلاً مصطلح «Momentum» تمت ترجمته بالزخم وكمية الحركة والعزم وهكذا الحال مع باقي المصطلحات. في حين نجد الشعوب الناطقة باللغة الإنجليزية تستخدم جميعها المصطلح نفسه.

عهدنا الحالي ليس هو عهد المأمون العباسي الذي أسس بيت الحكمة وقام بترجمة الكتب المختلفة إلى العربية. العالم الآن أكثر وأكثر تعقيداً مما كان عليه وقت ذاك ولكن للأسف مازال هناك الكثير ممن يعتقدون أن الزمن قد توقف منذ قرون.

إن تجربة المأمون كانت رائدة في زمانها أما الآن فنحن بحاجة إلى تجارب أخرى وليس استنساخ تجربة ماتت وبلت وأصبحت ذات قيمة تاريخية فقط. ترجمة الكتب العلمية على المستوى الجامعي مسألة غاية في التعقيد؛ فهناك عدد هائل من التخصصات وفي كل تخصص هناك على الأقل مستويان من الكتب، كتب الدراسات الأولية وكتب الدراسات المتقدمة. بالإضافة إلى الكتب فإن الباحثين قلّما يحتاجون الكتب قدر احتياجهم للمجلات (الدوريات) العلمية التي تنشر البحوث أولاً بأول. إنه من الظلم والاستخفاف التشبه بتجربة المأمون الآن.

في زيارة لإحدى الدول العربية دهشت عندما وجدت الكثير من الأطباء الشباب هناك لا يملكون القابلية على تبادل المعلومة العلمية الطبية الإنجليزية بيسر إلا بعد ترجمتها للغة العربية. كم ستكون الأمور صعبة في حالة المتابعة العلمية للتخصص الأعلى؛ لأن جميع المنشورات البحثية المتخصصة لا تصدر باللغة العربية وليس هناك إمكانية لترجمة جميع المنشورات العلمية العالمية إلى اللغة العربية.

إن تعريب العلوم قد يكون عبئاً إن لم يكن كارثة لأنه سيقف حجر عثرة في سبيل التطور العلمي. الصين ودول أخرى تُدرس بلغتها الأم وذلك لإمكانياتها الكبيرة وعدم انقطاعها الحضاري الكبير الذي أدى إلى التراكم العلمي الهائل الذي يعانيه العرب.

على ذلك نجد أن اللغة العربية الآن ليست بلغة علم وهذا ليس لقصور ذاتي تعاني منه بل لقصور الإمكانيات العربية الاجتماعية والاقتصادية والفكرية.

الترجمة العلمية يجب أن تشمل الدوريات القديمة والحديثة والكتب الأكاديمية وبمختلف الاختصاصات. إن محاولة كهذه تتطلب تضافر جهد عربي كبير جداً ومؤسسات نشر متخصصة استثمارية وجيش هائل من المترجمين المتخصصين لكل مجال. إنه ولا شك مشروع خيالي. المشكلة الأساسية وراء ذلك كانت يوم تخلى العرب عن العلم منذ قرون وبذلك خنقوا لغتهم وحنطوها. فهل سيتمكن العرب المعاصرون من إعادة اللغة العربية إلى العلم؟

العدد 3019 - السبت 11 ديسمبر 2010م الموافق 05 محرم 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً