حذّرت منظمات حقوقية دولية من تزايد عدد وأنشطة جماعات اليمين المتعصب في وسط وشرق أوروبا، وأن عددا مرتفعا منها قد تحول إلى تنظيمات «شبه عسكرية» محترفة تمارس العنف ضد الأقليات العرقية، في وقت يتنامي فيه التأييد الشعبي للحركات والأحزاب المتطرفة جراء تداعيات الأزمة الاقتصادية.
فقد صرحت المتحدثة باسم الشبكة الأوروبية ضد التمييز العنصري جورجينا سيكلوسي، لوكالة انتر بريس سيرفس بأن «التطرف اليميني قد تزايد في شرق أوروبا، ولاسيما في المجر وتشيكيا حيث تشكلت جماعات شبه عسكرية». ونبهت إلى «الخطر القائم بالفعل من انتشار هذه الجماعات نتيجة للأزمة الاقتصادية».
وأشار خبراء حقوق الإنسان والمحللون السياسيون إلى أن ظاهرة تنامي اليمين المتطرف في دول شرق أوروبا قد اكتسبت أبعادا غير مسبوقة منذ سقوط الشيوعية، التي اعتادت على قمع العداء التاريخي للأقليات مثل اليهود والغجر، لكن الأنظمة الحاكمة قد ساهمت أيضا في تغذية مناخ الارتياب الأجانب عامة، ما يقع المهاجرون ضحيته الرئيسية حاليا.
كما أتاحت حرية التعبير عن الرأي والسفر نتيجة للديمقراطيات الجديدة التي حلت بهذه الدول، إنتشار الايدولوجية اليمينية المتطرفة من دول الغرب إلي شرق أوروبا، ما ساعد على تنامي جماعات اليمين المتطرف فيها.
وأكدت الناطقة باسم منظمة العفو الدولي العالمية في تشيكيا أيفا دوبروفولنا، لوكالة انتر بريس سيرفس، أن «العديد من هذه الجماعات قد أقام اتصالات وعلاقات مع حركات يمينية متأصلة في عدد من الدول كألمانيا، وتعلم منها، واستلهم أنشطته منها وتحول إلى جماعات منظمة ومحترفة».
واتضح مدى عمق الظاهرة من خلال سلسلة أعمال العنف الوحشي بما فيها القتل، التي ترتكب أخيرا ضد الأقليات في وسط وشرق أوروبا، حيث وقعت جماعات الغجر ضحية للقتل والهجوم على ديارهم بالقنابل والأسلحة في المجر، على سبيل المثال.
وفي تشيكيا، هاجمت جماعات يمينية متطرفة في الأسابيع الأخيرة، عائلة غجرية مخلفة طفلة تبلغ من العمر مجرد عامين بين الحياة والموت. وأكد زعماء الغجر أنهم يعيشون وسط مخاوف متعاظمة من الوقوع ضحية الهجمات العنصرية على أيدي عصابات نازية، وشجعوا الغجر على الهجرة الجماعية من تشيكيا.
كما نظمت جماعات نازية في تشيكيا مظاهرات جماعية في أوست ناد لابيم، شمال منطقة بوهيميا، للاحتفال بذكري مولد أدولف هتلر، ودعت الزعيم السابق لتنظيم «كو كولك كلان» العنصري المتطرف، ديفيد لوك، لإلقاء الخطب في أنحاء مختلفة من البلاد.
وتنتشر الظاهرة في بلدان أوروبية غربية أيضا. ففي أقاليم شرق ألمانيا (ألمانيا الشرقية سابقا) التي تعاني من مستويات مرتفعة من الركود الاقتصادي، أفادت السلطات المحلية أن عدد جرائم الكراهية قد سجل ارتفاعا مستمرا في الآونة الأخيرة.
وأشارت بيانات وزارة الداخلية بمقاطعة ساكوسني الألمانية إلى أن عدد الأعمالية الإجرامية المرتكبة ضد أجانب قد ارتفع بنسبة 55 في المئة في العام الماضي.
كما شن 6000 من أعضاء الجماعات النازية في مقاطعة درسدين الألمانية، حملات احتجاجات واسعة ضد المهاجرين، إثر قرار الشركات فصل عاملين بسبب الأزمة الاقتصادية.
وفي روسيا، أفادت منظمات حقوق الإنسان بأن أعمال العنف الوحشي قد بلغت ذروتها في العام الماضي. ودأبت جماعات اليمين المتطرف على تنظيم المظاهرات المعادية للأجانب. وبلغ عنف واحدة من هذه الجماعات، المعروفة باسم «منظمة القتال للقوميين الروسيين»، أن ذبحت مواطنا من تاكستان في موسكو.
ولقد حذر الاتحاد الأوروبي بدوره من تفشي حركات اليمين المتطرف في دوله الأعضاء. فقد كشفت نتائج استقصاء بشأن المهاجرين والأقليات العرقية، أجرته وكالة الاتحاد الأوروبي للحقوق الأساسية في الشهر الماضي، أن 55 في المئة من المهاجرين والأقليات يعتبرون أن أعمال التمييز والتفرقة بسبب الأصل العرقي، قد انتشرت بصورة واسعة في بلدان إقامتهم.
وصرح 37 في المئة بأنهم وقعوا ضحية التمييز والتفرقة في السنة الأخيرة، فيما عاني 12 في المئة من جرائم عنصرية في العام الماضي، لكن 80 في المئة منهم قرروا عدم اللجوء إلى الشرطة، حيث يؤمن الكثيرون بأن السلطات لن تحرك ساكنا حيال أعمال العنف التي ترتكب ضدهم.
وتأتي النمسا كمثال آخر، حيث يشارك حزبان ينتميان إلى اليمين المتطرف - حزب الحرية النمساوي، والتحالف من أجل مستقبل النمسا - حصلا على 29 في المائة من الأصوات في الانتخابات البرلمانية في سبتمبر/ أيلول الماضي، يشاركان في الاتئلاف الحكومي القائم.
وأخيرا، من المتوقع أن تتحول انتخابات البرلمان الأوروبي في الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي (27 دولة) في 7 يونيو/ حزيران المقبل، إلى مرآة تعكس نمو حركات اليمين المتصف في القارة الأوروبية.
العدد 2448 - الثلثاء 19 مايو 2009م الموافق 24 جمادى الأولى 1430هـ