العدد 1226 - الجمعة 13 يناير 2006م الموافق 13 ذي الحجة 1426هـ

علاقة الرجل والمرأة... بين واقعية الإسلام وأوهام الأعراف!

من يتتبع المشكلات الزوجية والأسرية التي تعصف بالمجتمعات العربية والإسلامية بنسبها المتباينة، يتبين له أن أساسها يرجع إلى عدم تفهم معظم الرجال للمتطلبات الشرعية والإنسانية لزوجاتهم وبناتهم. وهذا الجهل الموروث - إن صح التعبير - أدى إلى انهيار الكثير من الأسر وتبعثرها وأصبحت بين الضياع والانحراف... أقول: من أجل أن نخرج الأسر من دائرة المشكلات الخطيرة التي تهدد كيانها لابد أن تشترك كل المؤسسات التي تعنى بصورة مباشرة أو غير مباشرة بالأسرة في وضع آلية محكمة ومدروسة بدقة تبدأ من مرحلة ما قبل الزواج وتتواصل إلى مراحله الأولى على أقل تقدير، وتعد لذلك برامج ثقافية عن الزواج، يعلم فيها الزوج والزوجة ثقافة التعامل مع بعضهما بعضا، وثقافة حل المشكلات التي تعتري حياتهما بين الحين والآخر، وثقافة الحب الذي يخلق الأمان والاطمئنان بينهما وبين أفراد الأسرة، فإذا استطاعت المؤسسات المعنية تكوين ثقافة جديدة ستتمكن من خلالها من حماية الأسر من كل طارئ.

حال العلاقات الزوجية ليست على ما يرام ولا تبشر بالخير مادامت تبنى على الغموض وعدم المصارحة وينتابها الكثير من التحسس والتوجس بين الزوجين... زوجات لديهن مجموعة من الأسئلة تدور في أذهانهن وإجاباتها عند أزواجهن، ولكنهم لا يجيبون عليها ظنا منهم أن الإجابات الصريحة قد تضر بالعلاقة ضررا كبيرا، والزوجة مع الأسف وضعت أمامها مجموعة من القرارات الشديدة التي من شأنها أن تهدم أركان الأسرة لو كانت إجابات الزوج معاكسة لما تتمناه... ما الذي أوصل العلاقة الإنسانية إلى هذه الدرجة من التردي؟ حتى لو انزعج بعض الرجال من كلامي أقولها وبصراحة لا لبس فيها: إن السبب هو غموض الرجل وضبابيته في علاقته مع زوجته التي من المفترض أن تكون شريكة حياته في حلوها ومرها، والمصيبة أنه يعتقد أن مبرراته وإجاباته غير الصحيحة التي لا تمت للواقع بصلة تنطلي على الزوجة دائما ولا يدري أنها تراقبه في حركاته وسكناته وتضعه تحت المجهر إذا ما شكت في أمر قد يجرح مشاعرها.

إذا لم تتدارك المؤسسات المعنية الوضع فسيكون خطيرا جدا وسيصعب علاجه بعد ذلك، والمحاكم الشرعية خير شاهد على ما أقول، ما عليك إلا القيام بزيارة واحدة لترى حجم المشكلة من خلال القضايا المتكاثرة والوعرة التي تعرض على المحاكم، وأكثرها سببها الرجل الذي لا يفقه شيئا عن الحياة الزوجية ولا يجيد التعامل مع زوجته بالدرجة الأولى ولا مع بناته بالدرجة الثانية، ويتعامل معهن كأنهن بشراً من الدرجة العاشرة، وهذا واقع لا يمكن أن نغطيه بالغربال، فمعظم الرجال في مجالسهم يتحدثون عن المرأة باستخفاف وبتعليقات لا تتناسب مع كونها شريكته بهذا الأسلوب الساخر والمستهجن، أليس ما تمارسه غيبة؟ أم الغيبة لا تكون إلا إذا كانت بين رجل ورجل آخر أو امرأة وامرأة أخرى؟! فلنكن أكثر اتزانا ولا نطعن أنفسنا بأنفسنا، فإذا لم نغير من طباعنا السلبية. من الطبيعي جدا والأمر المتوقع في مثل هذه الحالات حدوث الخلافات التي ستكبر شيئا فشيئا وتتفاقم لدرجة الانفصال والتفتيت والعياذ بالله.

أترى أن موظفا لا يعرف متطلبات وظيفته الحقيقية بالقدر المطلوب... أتتوقع منه الإبداع في عمله أم أنه سيلاقي الكثير من العقبات والصعوبات أثناء ممارسته وظيفته وسيسهم بجهله في إرباك العمل بكل مستوياته ويضعف إنتاج المؤسسة التي يعمل فيها؟ فكيف بعلاقة إنسانية تسهم في وضع اللبنة الأولى في بناء المجتمعات تعاني من الضعف والإرباك؟ ماذا سيكون مصيرها؟ بحسب الدراسات التي أجريت على مجموعات من الأسر التي تعاني من المشكلات تبين أن سببها يرجع إلى الثقافة المغلوطة التي اكتسبت من الأعراف المخالفة للشرع الإسلامي! من العجيب أننا نحرص في حال التخصص في أي مجال علميا كان أو أدبيا على الاجتهاد في البحث والتقصي والجري ليلا ونهارا من أجل تحصين التخصص بأفضل البحوث والمعلومات حتى نحقق النجاح والتفوق الذي يعطي جودة في الإنتاج في النهاية، إلا في بناء الحياة الزوجية التي يجب من باب أولى تخصيص وقت كاف لدراستها من كل جوانبها المادية والمعنوية ووضع الخطط المستقبلية التي تضمن لنا نجاحها الذي يصنع المجتمع السوي الخالي من المشكلات الكبيرة، فلا نبحث ولا نحاول أن نتعرف على الأساليب التي توفر لنا السعادة داخل الأسرة. أقول مرة أخرى إلى كل رجل لا يحسن التعامل مع زوجته وبناته أن ينتبه إلى نفسه فلا يظلمها بحرمانها من التثقيف، وأطلب منه الانفتاح على متطلبات المرأة الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية التي أوجبها الله عليها بقلب منشرح حتى لا يظلمها ولا يظلم نفسك، يكفي كل تلك السنين التي عوملت فيها المرأة وكأنها قطعة أثاث أو أقل من ذلك والعياذ بالله.

إن أكثر أبناء ذلك الجيل كانوا يتعاملون مع المرأة بمفاهيمهم العوجاء، والمصيبة أنهم يعتقدون أن ما يقومون به يرتضيه الإسلام. نقول: كفانا ظلما للإسلام من خلال ظلمنا للمرأة، فلنرجع إلى الواقع الذي أراده الله لنا، فلنتعامل مع المرأة كما أراد لها المولى جلت عظمته لا كما أرادت نفوسنا المثقلة بالأخطاء، فلنتقِ الله في النصف الآخر من المجتمع فلا نظلمه بأعرافنا الخاطئة. وأقول للمرأة: تعرفي على حقوقك وواجباتك التي تضمن لك الحياة السعيدة الهانئة، ولا تغرنك الشعارات الزائفة التي ترفع هنا وهناك من أجل تشويه دينك في عينك، فالإسلام تعامل مع الإنسان (المرأة والرجل) بمقياس واحد لم يفرق بينهما من حيث الحقوق والواجبات، وخاطبهما الله تعالى في قرآنه المجيد بخاطب واحد ولا يحق للرجل منع المرأة عن المشاركة في الفعاليات الاجتماعية والثقافية والخيرية وغيرها من النشاطات التي تنعكس إيجابيا على المجتمع من دون مبرر تقتنع به، وليس للرجل إلا المقدار الذي حدده الله له وإذا ما تجاوز الحد عليه وزر هذا التجاوز إذا لم تتنازل المرأة من ذلك الجزء بصورة ودية، ويسجل لها ذلك التصرف الطيب في ميزان حسناتها بإذنه تعالى، ولا ينس الرجل أن زواجه لم يتم لولا موافقة من كان ينوي الزواج بها، فالأولى به توقيرها وتكريمها على قبولها به وليس إهانتها أو الاستخفاف بها، ولا شك أنها لها الفضل بأن قبلتك زوجا لها، لابد أن تقر بذلك من دون مكابرة، لأنها لو رفضت الاقتران بك فلن يستطيع أحد أن يجبرها على أمر لا ترغب فيه والشرع يقف معها بقوة ويسندها ولا يكتب العقد إلا إذا سمعت منها جملة «قبلت الزواج منه»، ويتأكد أنها قالتها بمحض إرادتها من دون إكراه من أحد.

هكذا يتعامل الإسلام مع المرأة، يعترف بها ويقدر رأيها ويرتب عليه أثرا، كم من عقد لم يكتب عندما أعلنت المرأة أنها غير موافقة؟! كما نقل عن الرسول الأعظم (ص) مخاطبا الصحابة «ما من رجل تزوج امرأة وأحبها فليكرمها وإن لم يحبها فلا يظلمها»، في كلتا الحالين يدعونا ديننا الحنيف إلى الوفاء بالعهد الذي تعهدنا به في ليلة العقد... لا يفهم من كلامي أن المرأة معفية من هذا الأمر فهي أيضا عليها أن تتقيد بالضوابط الشرعية الأخلاقية والنفسية والأدبية التي تحفظ بها حقوقها وحقوق زوجها، وهذا لا يتأتى لها إلا إذا تثقفت بالتعاليم الإسلامية التي من خلالها تتعرف على الأساليب التي تمتلك بها قلب الرجل وأحاسيسه، فكم من امرأة لهت عن زوجها بتربية أولادها وشراء حاجيات المنزل وتقضي من أجلهما جل وقتها، وتأتي إلى زوجها وهي متعبة وقد استنفدت كل قواها، وحتى في هذا الوقت الذي من المفترض أن تخصصه لزوجها تراها تتحدث عن الأولاد وشراء الرز والبصل والسمك واللحم، وينام زوجها وهو يتململ من هذا الوضع والمرأة المسكينة تظن أنها تريحه بما تقوم به وهي في نيتها بهذا العمل توفر له الجهد والوقت! أقول للمرأة: من الذي قال لك إن ما تقومين به من صميم حياتك الزوجية؟ الشرع يقول: لك ليس عليك إلا البحث عن الوسائل المعنوية التي تطور علاقتك بزوجك، فأنت المحرك المعنوي في الأسرة، إذا ما عطب تعطل كل جميل، فأنت تستطيعين أن تجعلي زوجك لا يرى غيرك وأنت بتصرفاتك غير المدروسة يمكن أن تدفعيه نحو غيرك، واعلمي جيدا أن زوجك كالطفل يريد الدلال دائما يغار حتى من فلذات كبده، أناني في غالبية الأوقات يحب أن يستحوذ على كل شيء لنفسه، وأولها أنت... يريدك بكل مشاعرك العاطفية له، ولا تستهويه المرأة التي تنشغل عنه ولا المرأة التي تلقي عليه الأوامر والنواهي أمام الناس، ولا المرأة التي تسلط لسانها عليه في محضر أولاده، تستهويه المرأة الرقيقة العطوفة الرؤوفة الحنونة التي تعنى بشكلها الخارجي وقت جلوسها معه، ويريدها تتحدث عن حبها له في كل وقت وحين، الرجل لا يقدر تضحياتك في غير هذا الاتجاه، والواقع يشهد بذلك، كم من امرأة عملت ليلا ونهارا من أجل أن تساعد زوجها في توفير لقمة العيش له ولأولاده ولم تكترث بالجانب المعنوي، ماذا حدث؟ وبعد أن أنعم الله عليه قليلا نظر إلى أخرى وضرب كل ما قامت به عرض الحائط كما يقولون، أليست هذه حقيقة؟ ما أردت قوله إن المرأة إن شاركت زوجها في تحمل أعباء الحياة الصعبة فهذا تشكر عليه، ولكن لا تنس الجانب الإنساني الذي به تستطيع الحفاظ على زوجها من الانفلات والإفلات، وإنك أيتها المرأة مكرمة ومعززة بكل المقاييس في دينك ولا أحد يستطيع أن يضمن إليك حقوقا كالتي وفرها الإسلام لك، واعلمي أن ما من ممارسة ظالمة ترتكب ضدك إلا وتمقتها الشريعة السمحاء أكثر مما تتوقعين، مثل ما يريد أن يراك بمظهر جميل كذلك أنت لك الحق أن تطلبي منه ذلك، وهذا ما قام به رسول الله (ص) عمليا، عندما شكت له إحدى النساء سوء مظهر زوجها، أحضر الرسول الأعظم (ص) الرجل وشاهد ما قالته المرأة واقعا وحقيقة، حينها طلب من الرجل الاهتمام بمظهره وشدد على هذا الجانب واعتبره حقا للمرأة، أليس فعل الرسول الأكرم (ص) حجة علينا جميعا، لم يستنكف نبي الرحمة (ص) يوما من الاستماع إلى امرأة قط، والقرآن الكريم سجل مثل هذه المواقف وأفرد لها مساحة في أقدس كتاب على وجه الأرض، على ماذا يدل كل هذا؟ ألا يدل دلالة واضحة على أن الشر

العدد 1226 - الجمعة 13 يناير 2006م الموافق 13 ذي الحجة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً