تنصل الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط من اتهاماته غير المسبوقة لحزب الله وحركة أمل، وطالبهما من دون أن يسميهما، بالاعتذار بسبب ردهما عليه في بيانين اتسما بالشدة. وقال جنبلاط في كلمة أمس أمام وفود شعبية جاءت إلى قصره في المختارة لإبداء تأييدها لمواقفه: «إننا لن نرد على الشتيمة بالشتيمة... وأتمنى فقط أن يعتذروا... وإذا فقد البعض منهم أعصابه فإننا نجيبهم بهدوء ولا نملك إلا سلاح الكلمة... وبالكلمة سننتصر». وأضاف انه قصد بكلامه أمس الأول عن «سلاح الغدر»، السلاح الذي حاول اغتيال مروان حمادة واغتال رفيق الحريري وجميع الأشراف والأحرار وآخرهم جبران تويني... والسلاح الذي اعتدى على الآمنين في الناعمة، والصواريخ التي أطلقت على «إسرائيل» ويقال عنها إنها مجهولة الهوية وهي معروفة، والتي إذا ما استمر إرسالها بهذا الشكل العشوائي فقد يتم ضرب البنية التحتية في لبنان.
بيروت وكالات
نشب سجال عنيف لا سابق له بين الزعيم الدرزي المناهض لسورية وليد جنبلاط، وحزب الله اللبناني. وبعد أن كان حزب الله ينتهج سياسة ضبط النفس، مفضلاً عدم الرد على هجمات جنبلاط المبطنة أو المباشرة، شن عليه الليلة قبل الماضية هجوماً عنيفاً متهماً إياه بـ «الغدر». وقال حزب الله في بيان: «لو تجسد الغدر رجلاً في هذا الزمن الرديء لكان اسمه وليد جنبلاط». وأضاف أن «وصف النائب وليد جنبلاط لسلاح المقاومة بسلاح الغدر هو اخطر ما قاله حتى الآن في حفلة جنونه القائمة منذ أسابيع». وأضاف البيان أن «هذا الوصف الغادر تجاوز كل الخطوط الحمراء وكل الضوابط والقيم والمصالح والموازين»، من دون أن يذكر أي تفاصيل أخرى. وتساءل حزب الله في بيانه: «ايهما سلاح الغدر، سلاح المقاومة أم سلاح وليد جنبلاط (...) السلاح الذي حرر وحمى وأعز لبنان أم السلاح الذي دمّر وهجّر وأحرق وقتل وارتكب المجازر؟». وكان جنبلاط هاجم حزب الله طوال الشهر الماضي من دون أن يسميه، إلا أن هجومه عليه السبت كان الأعنف. وقال جنبلاط السبت: «نذكر الذين يملكون السلاح ولا يملكون سوى السلاح والغدر والسيارات المفخخة والمزايدة والولاء لغير الوطن، بأن جمهور 14 مارس/ آذار الذي انطلق من الجبل وبيروت والبقاع والشمال والجنوب أقوى بكثير من هذه الطغمة». وأضاف النائب الدرزي «عندما قلنا لا للتمديد، بدأ مسلسل الاغتيال، والعصابة المجرمة نفسها التي حاولت اغتيال مروان حمادة هي التي قتلت الحريري وقتلت جورج حاوي وسمير قصير وحاولت اغتيال مي شدياق والياس المر، وأتمنى أن يكون جبران تويني آخر الشهداء، لكن العصابة هي نفسها». وتابع جنبلاط في إشارة إلى وزراء حزب الله وحركة أمل «عندما طالبنا بمحكمة دولية انسحبوا خوفاً من العقاب الدولي، وكي لا يتوسع التحقيق إلى المجرمين أنفسهم الذين حاولوا اغتيال مروان وانتهوا بجبران» تويني. وأضاف جنبلاط «نحن الذين اجتمعنا وقلنا لا لحكم الطغيان، سنبقى ونحن الأقوى، أقوى من السلاح الذي يملكونه، سلاح الغدر، وأقوى من السلاح أيضاً الذي يدعون انه للتحرير، وأقوى من العصابات التي تتمركز هنا وهناك في حارة الناعمة وغيرها والمغاور، وكله تحت شعار الصراع العربي الإسرائيلي». ورداً على بيان حزب الله، أوضح جنبلاط ليل السبت/ الأحد في تصريح إلى قناة «الجزيرة» انه عندما تكلم عن «الغدر» كان يقصد سلاح الجبهة الشعبية القيادة العامة برئاسة احمد جبريل التي لها قواعد في الناعمة جنوب بيروت في منطقة تعتبر معقلاً لجنبلاط. وقال جنبلاط: «تحدثت عن السلاح الذي يقتل ويجرح ويعتدي على الآمنين في موقع الناعمة، سلاح احمد جبريل، من هذه المواقع تنطلق صواريخ مجهولة الهوية على (اسرائيل) التي تهددنا بضرب البنى التحتية» في إشارة إلى إطلاق صواريخ قبل أيام باتجاه «إسرائيل» من دون أن يعرف مصدر هذه الصواريخ. وأضاف «هذا هو السلاح التي تكلمت عنه (...) البعض في حزب الله فقد عقله ولا يريد أن نمشي في تثبيت لبنانية مزارع شبعا من اجل الاستمرار في التحرير». واعتبر أن بيان حزب الله «فيه شيء من الاستخفاف بالعقول وعدم الوفاء»، مضيفاً في كلامه عن حزب الله «يقولون إن الاغتيالات في لبنان مصدرها (إسرائيل)، ونحن نقول إن مصدرها نظام دمشق. إذا كان هذا الكلام يجر علينا الشتائم فنحن لا نرد على الشتائم». واتهم بيان صادر عن المكتب الإعلامي المركزي لحركة أمل جنبلاط بأنه هو صاحب الدور الأساسي في إفشال كل اتفاق ووفاق بشأن عودة الوزراء إلى الحكومة، كما اتهمه بأنه يقف ضد الحوار الداخلي أو الخارجي لمصلحة لبنان. وقال نائب حركة أمل علي حسن خليل لـ «رويترز»: «لم تسفر المفاوضات عن أي تقدم حتى الآن، والوزراء الشيعة لن يستقيلوا، والمسألة مفتوحة على أزمة في إدارة الشأن الحكومي». وفي تصريح لوكالة «فرانس برس»، قال المتحدث باسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة، أنور رجا، إن «جنبلاط أصبح رجلاً بلا ذاكرة، ونسي أن جبريل ومقاتليه قاتلوا معه في معركة الجبل في 1982 ضد القوات الإسرائيلية والميليشيات المسيحية». وأضاف «عرض علينا جنبلاط ملايين لننسحب من قواعدنا في تلال الناعمة ولشراء أسلحتنا»، لكن «جبريل رد عليه برسالة سلمها له منذ ثلاثة اشهر رفضنا إخلاء قواعدنا أو بيع سلاحنا». ومن جهته، قال النائب عن حزب الله حسن فضل الله في حديث صحافي أمس إن «الكيل طفح عندما استهدف جنبلاط المقاومة»، إلا أنه أضاف أن حزب الله «يفضل الحوار على السجال». ويكشف هذا السجال الساخن انهيار «التحالف الرباعي» الذي تشكل خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة الصيف الماضي بين حزب الله وحركة أمل ولقاء المستقبل بزعامة سعد الحريري واللقاء الديمقراطي بزعامة جنبلاط. وأبدى رئيس الوزراء اللبناني السابق سليم الحص ألمه وأسفه لأن يبلغ الانفعال السياسي في لبنان مبلغاً يتجاوز فيه البعض حدود البديهيات الوطنية والقومية.
العدد 1228 - الأحد 15 يناير 2006م الموافق 15 ذي الحجة 1426هـ