العدد 1245 - الأربعاء 01 فبراير 2006م الموافق 02 محرم 1427هـ

رهين للوابل... مغدورٌ كالحسين

لي تآلفٌ معه يكاد يشبه تآلف المشي على الماء، والإقامة في النار، صديقٌ لن تصحو يوما على طعنه، غريب له ملامح الأقارب، نادر كأحبّة غادرين، رحب كقلب أمهات وجدّات وقت صلاة الفجر، ثائر ومطعون من ذوي رحمه، فذٌ كعليّ، مغدور ... له افحام الحسين ما قبل لقاء الله، صابر وصلب كزينب، ممعن في بلاغته كالغريبة التي قلبت رأس العواصم والعروش ببضع كلمات هي لسان حال السماء، مثقل بجراحات الدنيا فيما هو مشغول بمناجاة لها صفة الكشف كزين العابدين، وفيٌّ أمام الظمأ كالعباس، شهم وحكيمٌ كالقاسم، متسائل بإيمان الواثق كالأكبر، وافر ووسيم في حزنه الناصع كليلى لحظة مواجهة فلذة الكبد وناصية الروح، مفجوع كسكينة، رهين لوابل الحقد والعمى كالرضيع، موحش كليل السبي في مفازات الطريق الى استعراض الخليفة الماجن، مبهرٌ ومربك كراهب له في السهر مع الرأس رواية العودة الى الذات الحقة، مغرم بلقاء الله في الأنصع من العمر كابن مظاهر، له سمة بياض الثلج كجون، ممتلئ بلقاء الله كابن العوسجة، متيقن وصابر كابن القيّن، مغامر في ذات الله كالغفاري في ربذته، ساخر ومتهكم أمام الموت والطاغية كابن جبير، محتسب كابن عدي الكندي، مفتون بالوعد السماوي كالرياحي، مباشر في الحق لحظة العربدة كشهود أحرار.

أي وقت يفي بإقامتك في الدهر؟ أي كلمات تفضي الى الصريح من دمك وروحك؟ أي بلاغة يمكنها أن تنتخب بلاغة الغريبة في بلاط التشفّي؟ أنهكني السفر والسهر في سيرتك الممعنة في بهائها... أنهكني العصف والنار بعد المذبحة... أنهكتني الهوادج وليل السياط... أنهكتني المفازات... أنهكني جلاوزة برسم البيع... أنهكتني خربات تفضي الى ارتباك الملامح.

تظل الشاهد في عرصات الحياة قبل عرصات يوم الهول الأكبر... تظل الشاهد فيما خلّفْته من ضمائر تظل أنت وجهتها اليتمية... تظل الشاهد حين ينتاب الخليقة عمىً لائق بها... تظل الشاهد في ممالك الزور... تظل الشاهد في انكسار الحياة... تظل الشاهد ولو كره الجبّارون.

العدد 1245 - الأربعاء 01 فبراير 2006م الموافق 02 محرم 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً