مازال محور اهتمام الصحف الأميركية مسألة اكتساح «حماس» لمقاعد السلطة التشريعية الفلسطينية، فالحركة الإسلامية التي حصلت على تفويض شعبي في عملية ديمقراطية قد تتحول إلى شريك حقيقي للسلام وقد تكون الأقدر على تقديم تنازلات والتوصل إلى تسويات مع الإسرائيليين. وجرى التحذير من وقف المساعدات عن الفلسطينيين ما قد يدفع «حماس» إلى أحضان الإيرانيين. لكن هناك من حذر من الوقوع في فخ «حماس» تحت شعار «مكافحة الفساد» فهذه الحركة لن تبدل جلدها وستبقى حركة دينية تريد تدمير الدولة العبرية. وهناك من عرج على «الحرب على الإرهاب» فاعتبر أن على واشنطن أن تضع استراتيجية أكثر مرونة للتوفيق بين الديمقراطية كما يفهمها الغرب وبين الإسلام كما هو ممارس في معظم دول الشرق الأوسط فمن الممكن أن تتعايش الديمقراطية والإسلام وفكرة القبول بـ «إسرائيل» مع أسلوب حكم صحيح كما هو الحال في تركيا والمغرب.
وقف مساعدة «حماس» ينقلها لأحضان الإيرانيين
وتساءلت «نيويورك تايمز» في افتتاحيتها عن فرص استئناف مفاوضات السلام بين الدولة العبرية المدعومة أميركياً، والتي تدعو «حماس» للاعتراف بها ونبذ العنف، وبين الحركة التي تنادي بتدمير «إسرائيل» وتدافع عن حق استخدام السلاح ضد الاحتلال الإسرائيلي. غير أنها رجحت أن تتحول الحركة إلى شريك حقيقي للسلام. لأنه إذا لم توقف «حماس» هجماتها فإن «إسرائيل» سيكون لها ردود عنيفة وهو أمر لن يرضي الفلسطينيين فمثلما تمّلك هؤلاء الغضب من الفساد المستشري في الحكومة السابقة فإنهم لن يسمحوا بأن تبادر حكومتهم الجديدة عن سابق إصرار وتصميم إلى استفزاز الجيش الإسرائيلي. وتابعت مذكرةً بأن الرئيس محمود عباس كان قد تعهد بمحاربة «الإرهاب» غير انه لم يف بعهوده بسبب عجزه وعجز حركته «فتح» عن الوقوف في وجه «حماس». لكن هذه الأخيرة أكثر قدرة على الوفاء بعهودها إذا ما اختارت هذا السبيل غير أنها لاحظت أن المشكلة تكمن في أن «حماس» ترفض أن تطلق أية وعود في هذا الاتجاه. وفي السياق أثنت على موقف اللجنة الرباعية والرئيس الأميركي جورج بوش اللذين طالبا «حماس» بالاعتراف بـ «إسرائيل» ونبذ العنف كشرط لاستئناف منح المساعدات للسلطة. غير انها حذرت من ان وقف المساعدات قد يدفع «حماس» إلى أحضان الإيرانيين. لذلك دعت المجتمع الدولي إلى التريث، كما طالبت «إسرائيل» بتسليم الفلسطينيين الـ 50 مليون دولار المستحقة. مشيرةً إلى ان رئيس الوزراء الإسرائيلي بالوكالة إيهود أولمرت يحاول كسب التأييد الشعبي بالتشدد مع الفلسطينيين، لكنها اعتبرت ان سكب الزيت على النار في الأراضي الفلسطينية ليست مقاربة إيجابية.
مخاوف من الوقوع في فخ «حماس»
ودعا ريتشارد كوهين في «واشنطن بوست» إلى توخي الحذر في التعامل مع «حماس» وعدم توقع أي تعديل في مواقفها. فميثاق الحركة يؤكد أن الجهاد المقدس هو السبيل الوحيد للتخلص من الدولة العبرية. وأشار إلى أن الفرق بين منظمة التحرير الفلسطينية التي اعترفت بـ «إسرائيل» بعد أن كانت تدعو إلى تدميرها، و«حماس» هو أن المنظمة حركة وطنية وعلمانية بينما تعتبر «حماس» «القرآن» دستورها. وإذ لفت إلى أن عناصر «حماس» يؤمنون بقضيتهم ويعتبرون أن الدفاع عنها واجب ديني قبل أن يكون هدفاَ وطنياً، حذر من أن قادة الحركة سيحاولون التستر على مشروعهم الحقيقي وطمأنة المجتمع الدولي بأن القضاء على الفساد هو السبب في سعيهم نحو السلطة. وأن تأمين حاجات ومتطلبات الفلسطينيين، على رأس أولوياتهم. ورجح أن يطالب قادة «حماس» أوروبا والولايات المتحدة بتقديم المساعدات. غير انه حذر الجميع من الوقوع في هذا الفخ وأن يواصل المجتمع الدولي ممارسة الضغوط.
التوفيق بين الديمقراطية والإسلام السياسي
وانتقد جيم هوغلاند في «واشنطن بوست» الحملة الأميركية والغربية على ما وصفه بظاهرة «الإسلام السياسي» مستغرباً تصنيفها على أنها ظاهرة متطرفة. وذكّر أن هذا الموقف العدائي من الإسلام السياسي بدأ ينتشر منذ الثورة الإيرانية في العام 1979، وتعزز بعد حوادث 11 سبتمبر/ أيلول 2001. ففي ظل عقيدة بوش لنشر الديمقراطية، فإن هذه الظاهرة مستهدفة بحروب متنقلة من بلد إلى آخر عبر برامج مكافحة الإرهاب والعزل الدبلوماسي والعقوبات الاقتصادية. غير انه أكد أن الديمقراطية تتلاءم مع الإسلام السياسي، فـ «حماس» لم تفرض على الفلسطينيين أجندتها التي تدعو لتدمير «إسرائيل» لأن هذا الموقف أصلاً يلقى صدى إيجابياً لدى شريحة فلسطينية واسعة. كما أن دعوة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد لإزالة «إسرائيل» تحوز أيضاً على ثناء الإيرانيين. أن «حماس» فازت عبر عملية ديمقراطية، كما انتصرت الأحزاب الشيعية الدينية في العراق في انتخابات ديمقراطية. لذا شدد هوغلاند، على أهمية وضع استراتيجية شاملة وأكثر مرونة للتوفيق بين الديمقراطية كما يفهمها الغرب وبين الإسلام كما هو ممارس في معظم دول الشرق الأوسط. فمن الممكن أن تتعايش الديمقراطية والإسلام.
العدد 1247 - الجمعة 03 فبراير 2006م الموافق 04 محرم 1427هـ