يعد المنشد والرادود اليوم في نظر الكثيرين مؤسسة دعوية متحركة، وخصوصاً أنه يطرح عبر إصداراته قضايا الأمة والساحة، لينقلها إلى جميع العالم ويعرّفها بالحراك العقائدي والثقافي وحتى السياسي في المجتمعات الإسلامية.
وبعد انتشار شبكة المعلومات أصبح المنشد أمام تحدٍ كبير، إذ تتصدر إنتاجاته قائمة الجديد، وأصبحت أنظار الكثير من الشباب تتوجه الى متابعة الإصدارات الجديدة، في حال أشبه بحركة الفنانين والمعجبين، فبات هناك ما يشبه السباق بين المنشدين في المناسبات، إنتاجاً وتسويقاً. ويكون التحدي الأكبر بشأن مدى تجدد الطرح والألحان والإنتاج، حتى قضى ذلك إلى تخلي البعض عن متبنياته في عدم استخدام الموسيقى في الإنتاج، ما أسّس لانتشار ظاهرة استخدام الموسيقى في الإنتاجات الإسلامية، وهو ما حدا بالبعض الآخر إلى استحداث أصوات قد تعد شاذة في مؤثرات الإنتاج بدلاً من الموسيقى.
قبل فترة زار البحرين الرادود الحسيني نزار القطري، وهو إحدى الشخصيات اللامعة في عالم الإنشاد الإسلامي والمدح والرثاء، وكان لـ «الوسط» هذا الحوار.
هلا حدثتنا بدايةً عن هوية نزار الشخصية؟
- نزار فضل الله رواني (القطري). من مواليد دولة قطر سنة 1971، لديّ 10 إخوة (6 أولاد و4 بنات) أنا الأصغر فيهم. متزوج ولدي كوثر وحسين. وألقب بالقطري لأنني ولدت في قطر، غير انني اقيم حالياً في دولة الكويت.
وماذا عن بداياتك في الارتباط بعالم الفن الإسلامي؟
- منذ أن كان عمري ثماني سنوات كنا في الدوحة ننتقل من حسينية إلى أخرى للمشاركة في اللطميات، ولعدم مجيء الرادود في ليلة من الليالي تقدمت للقائمين بطلب المشاركة، وبعد أن تردّدوا قليلاً، سلموني الميكرفون. وقرأت لهم بيتين كنت أحفظهما. واللطيف انني قمت بترديدهما 35 أو 40 مرة، والغريب بالمقابل أن المعزين ما كانوا يلطمون بل كان الكلّ يبكي على ما قرأت. وللآن وبعد 27 عاماً لايزال الكثيرون يطلبون مني إعادة القصيدة التي كنت شاركت فيها يومذاك.
إلى من تدين بالفضل في وصولك إلى هذا المستوى البارز على الساحة الفنية الإسلامية؟
- أقدم وسام الفضل إلى أمي وأبي، ولكل الذين لم يتوقف دعمهم لي (إخواني وأخواتي)، وأنا مدين أيضاً للجمهور الذي يشجعني ويبعث فيّ الروح الحسينية، ولا أنسى أيضاً زوجتي أم حسين، التي تشجعني وتقف معي دائماً.
هل سبق أن التحقت بدورات أو برامج تخصصية في فن الألحان أو الصوت أو غيرهما؟
- لم ألتحق ببرنامج أو دورة، ولكني اعتبر أن ما لدي هو مخزون مما كنت أسمعه من «كاسيتات» أو من حضوري للحسينيات.
ولكن الآن ومع التطور التكنولوجي وثقافة الفن الصوتي وطبقاته، لو درس المنشد أو الرادود فن الصوت وعلى مستوى أكاديمي ألن يكون أداؤه أفضل؟
- هناك نقطة مهمة، أحياناً قراءة الرثاء او اللطميات بطريقة أكاديمية بحتة أي (من مقام لمقام) قد لا تخدم الرادود ويكون لها أثر سلبي في أدائه، بينما السجية والعفوية تسهم أكثر في قوة الأداء، فهناك الكثيرون من الرواديد لايزالون مستمرين في العطاء والخدمة الحسينية ومبدعين، على رغم أنهم لم يتعلموا الموسيقى أو علم المقامات أو الطبقات، ولكن لا بأس بالتعلم، فتعلم تلك الفنون والعلوم لا يضر.
وماذا عن اهتماماتك بفنون التجويد والتلاوة؟
- أنا درست التجويد والقرآن الكريم، وحصلت في طفولتي على المراكز الأولى سبع مرات على مستوى الأطفال، وأحفظ 15 جزءاً من القرآن الكريم، كما أتقن التجويد ولله الحمد، وقد درسته في الدوحة وفي مجموعة مراكز أخرى.
أين تضع نفسك بين الإصدارات المتزايدة التي باتت تملأ الأسواق والتي لا يمثل بعضها المستوى المطلوب من الأداء والتجديد؟ وهل أنت مؤيد لهذا الازدياد؟
- هذا التزايد جيد للساحة، وبارك الله في القائمين عليه، ولكني أعتقد بأن كل رادود سيكتشف مدى نجاحه أمام باقي الإنتاجات، وبالتالي سيكون مآله إما الاستمرار أو التوقف. ولكن هناك نقطة مهمة لكل رادود جديد في الساحة، إذ عليه أن يتقي الله في ألحانه واسلوبه واختيار الكلمات والقصائد، إدخال أجواء العزاء واللطم أو الجو الإسلامي على أجواء غير اسلامية وبعيدة كل البعد عن مجالس ذكر أهل البيت (ع) غير لائق. وباعتقادي أن بعض الرواديد ليس لديهم علم وغير متقصد حين نسمع منه لحنا أو أداءً يطابق أداء ولحن الأغاني.
ما تقييمك لمستوى الطرح والتلحين والإصدارات في الساحة البحرينية؟
- الألحان البحرينية ألحان جميلة جداً، إيقاعها سريع وهذا الذي يحبه الجمهور في هذه الأيام، لما تلعبه السرعة في كل المجالات في عصر السرعة. فاللطم البحريني والاسلوب البحريني في انتشار سريع، وكمثال على ذلك، كثيراً ما يطلب مني في الكويت قراءة القصائد بالطور البحريني، فقرأت قصيدتين. منهما قصيدة «السلام على ذي الشيبة الخضيبة» في مسجد الإمام الحسين بالكويت. وقد انفرد الطور البحريني بتعدّد الألحان فلم أجد هذا التعدد إلا عند رواديد البحرين، وأنا لا أحب القراءة بهذا التعدد الألحاني لاعتقادي أن المعزي ينسى الرد (أي الجواب)، أما الاسلوب البحريني القديم فأحبه وأقرأه كثيراً كاسلوب الملا عطية والملا سلمان البحراني، فالكثيرون يقولون إن الرواديد البحرينيين تركوا التراث والتحقوا بالتجديد وبطور التعدد، وأنا كلما التقيت برواديد بحرينيين أنصحهم بالعودة الى التراث، على الأقل طور واسلوب الملا عطية الجمري (رحمه الله). فكلامه درر، ولكن في المقابل لا ننسى ان هناك مستمعين كثر يحبون الاسلوب البحريني متعدد الألحان.
لمن من الرواديد البحرينيين تحب أن تسمع؟
- أنا للأسف لدي خطأ كبير، وهو أنني لست من المتابعين والمستمعين لأشرطة اللطميات، أصلاً ليست لدي هواية السماع، والكثير من مهندسي الصوت نصحوني بالإكثار من الاستماع للطميات، ولكن من دون جدوى. وعلى رغم أني أعمل في التلفزيون إلاّ أنني لا أشاهده، لا أعلم ما السر في ذلك؟
يتهم بعض الرواديد بتحويل موهبته من إطار خدمة أهل البيت إلى واقع المتاجرة بها، هل هذا صحيح؟
- غالبية الرواديد لا يعملون وتكون كل حياتهم في خدمة الإمام الحسين (ع) من خلال القراءة في مجالس المدح أو الرثاء، فلذلك إن أعطي أحدهم هدية فليأخذها فهذا رزقه، وإذا كان هذا مصدر رزقه، الله يوسع عليه، وعلى الرادود ألاّ يتحول الى شخص تاجر يحاول المتاجرة باللطميات أو المدائح وكل همه هو طريقة تسويق الشريط.
مع من مِن الشعراء تتعاون، ومن أكثر من كتب لك؟
- حالياً يكتب لي الشاعر الشاب مقداد الهمداني، وله ابداعات شعرية كثيرة، تعرفت عليه في الكويت حيث أعيش، والغريب أن أكثر قصائده يكتبها على عجل، وأحياناً يرسلها لي على الموبايل في سحس، لكنها تكون متميزة. وأول قصيدة كتبها لي «نام وتهنى يا طير الجنة»، وكذلك يكتب لي الشاعر السيد عدنان شرف آل طه، كما أخذت قصائد عدة من دواوين الكثير من الشعراء المعاصرين والماضين أمثال الملا عطية الجمري (رحمه الله).
هل سبق أن عرض عليك تخصيص شبكة معلوماتية باسمك بها كل إنتاجاتك؟ وما رأيك في خطوة كهذه؟
- لقد عرض عليّ إنشاء موقع على شبكة الانترنت من قبل القائمين على شبكة أنصار الحسين (ع) وذلك تنفيذاً لأمنية أحد إداريي الشبكة، وهو المرحوم جعفر الأنصاري (ره) إذ كانت أمنيته قبل الوفاة إنشاء قسم خاص للطميات التي قرأها خادمكم، فلم توافق إدارة تلك الشبكة على الطلب الى أن وافته المنية يوم العيد قبل نحو خمس سنوات، وقد أخبرت بذلك، فبعد ذلك تم انشاء موقع خاص بي متفرع من شبكة أنصار الحسين تلبية لطلب المرحوم على العنوان الالكتروني www.nazaralqatari.net.
ما حصة أسرتك من برنامجك اليومي؟
- قليلة وللأسف، وأم حسين تعذرني، فهي تساعدني في السراء والضراء إن كان لدي إنتاج أو تسجيل، وكذلك الأولاد، ولكني أعوضهم في الاجازات والعطل الرسمية.
من يتكفل بإنتاج إصداراتك؟
- هناك اصدارات تكفلتها بعض التسجيلات الاسلامية وبعضها أشخاص عاديون، وكان هناك إصدار أخير لمؤسسة دار الوديعة بالكويت، بمناسبة شهادة أمير المؤمنين علي (ع)، ولكن إن شاء الله أنا بصدد إنشاء مؤسسة خيرية تسمى «البسمة»، هدفها إرجاع البسمة الى أفواه الأيتام والأرامل، وهناك دراسة لتخصيص نسبة من جميع انتاجاتي لهذه المؤسسة الخيرية، ولأهل الخير إن أحبوا المساعدة فأهلاً بهم، والمشروع لا يقتصر على إنتاجاتي فقط بل إنني بصدد جذب إنتاجات بقية الرواديد للدخول في هذا العمل الخيري.
ومن أين انطلقت الفكرة؟
- الفكرة انطلقت من آخر إصدار وهو شريط «العصفورة» الذي كان مخصصاً للأطفال، فكل طفل كان يراني يأتي وهو فرح ويردد «عصفورة عصفورة»، فخطر على بالي سؤال: إذا كان هذا الطفل فرحاً بشرائه شريط «عصفورة» وذلك من جيب أبيه ولا يبالي بشيء، فمن الذي يعيد البسمة إلى شفاه الايتام؟ ومن لليتيم الذي فقد أباه سواء في الحروب أو بموتة طبيعية؟ فبدأت فعلاً بانطلاقة مؤسسة «البسمة» الخيرية، والإصدار الجديد الذي أنا بصدد تسجيله تحت اسم «أيتام» سيذهب ريعه لصالح هذه المؤسسة.
وماذا عن تجربتك مع إصدار «العصفورة»؟
- لقد أحببت أن أحدث تغييراً في المجتمع للأفضل، وأن يكون أثر هذه الاصدارات واضحاً وملموساً، فالأطفال هم الجسر الذي ينقل عقائد أهل البيت للأجيال القادمة، ولهذا يجب أن يكون هذا الجسر قوياً ومحصناً، والقوة لا تأتي إلاّ بالتربية.
هل فكرت مرة أن يخفق عملك ولا يقبل الجمهور إصدارك؟
- بلى، كل مرة هذا الشيء يخطر على بالي وأعتبره من حرصي على العمل، شيء جيد أن أفكر في الاصدار وأختار كلمات مناسبة وألحاناً جيدة وأكون حريصاً على العمل، فأنا دائماً في حال خوف على اصداراتي، ولكن بعد أن يتم التسجيل أجد اقبالاً جيداً من الناس عليها وانتشاراً غير مسبوق للشريط، والحمد لله.
هل حدثت لك مواقف لطيفة في الموكب أو أثناء إعداد إصداراتك؟
- قبل مجيئي البحرين بليلة واحدة كنت في مشاركة بالكويت، خرجت مع زوجتي إلى المنزل، وما ان خرجت حتى أتت إحدى الأمهات طالبة مني التصوير مع ابنتها،
ولما اعتذرت منها اصرّت، تدخلت زوجتي وتولت إدارة المباحثات مع تلك الأم، فتركتهم وذهبت الى السيارة، ولما ركبت السيارة رأيت الزعل على وجه زوجتي التي بادرتني بالسؤال: أتعلم كم عمر ابنتها التي ستصور معك؟ أجبت: لا، لا أعلم. فقالت بلهجة مبالغة واستنكار: عمرها ثماني سنوات. فضحكت وقلت: حتى من طفلة في عمر هذه تغارين؟
العدد 1252 - الأربعاء 08 فبراير 2006م الموافق 09 محرم 1427هـ