العدد 1255 - السبت 11 فبراير 2006م الموافق 12 محرم 1427هـ

بعد توقيع «العهدين» متى سينصف ضحايا التعذيب؟

«الوسط» تفتح الملف... (1)

كشفت مصادر مطلعة لـ «الوسط» عن وجود توجه حكومي لتعويض ضحايا أمن الدولة بعد توقيع المملكة على العهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية.

وستقوم الحكومة بتمرير مشروع بقانون للتوقيع على العهدين الدوليين على البرلمان، ويشكل هذا القانون أساس قانوني لتعويض ضحايا التعذيب، ولكن الحكومة ضمنت مشروعها الذي ستطرحه أن يبقى قانون(56) في العام 2002 الذي يضمن حماية موظفي الدولة من المثول أمام المحاكم البحرينية.

بعد منتصف القرن العشرين، وحصول البحرين على استقلالها السياسي من المملكة المتحدة بدأت مظاهر بناء الدولة السياسية واكتملت مع انتخابات المجلسين التأسيسي والوطني، ولكن سرعان ما تطورت الأمور بعد حل المجلس الوطني في العام 1975 وإصدار قانون ومحكمة امن الدولة في البحرين، وبدأت مع هذا التراجع موجة حادة من الاضطراب السياسي خلال أكثر من عقدين من الزمن، ووصلت ذروتها في منتصف التسعينات، إذ أرست القبضة الأمنية يدها على الوضع العام، واعتقل الآلاف من المواطنين وسقط العشرات تحت وطأة التعذيب في السجون والمعتقلات أو أثناء حركة التظاهرات والاحتجاجات على انتكاسة الأوضاع السياسية.

ومع إطلالة العهد الجديد لجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، شهدت البحرين انفراجا سياسيا وأمنيا غير مسبوق، وأطلق سراح المعتقلين وأرجع المبعدون ومنح الكثير منهم الجنسية البحرينية، إلا أن صفحة مهمة من صفحات العهد القديم لم تطو حتى الآن، وهي بانتظار أن يسدل عليها الستار، وهي صفحة من تضرروا من الحقبة السابقة نفسيا وجسديا، وهو ما عرف لاحقا بـ «ملف الشهداء وضحايا التعذيب في البحرين».

محاولات شعبية كثيرة بذلت، وأخرى مطالبات من مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات والمنظمات الحقوقية الدولية التي نادت بضرورة حسم هذا الملف من خلال جبر آلام الضحايا عبر تعويضهم تعويضا عادلا ومحاكمة المتورطين في عمليات التعذيب. وشكلت جمعيات سياسية مختلفة لجانا خاصة لمتابعة ملف الضحايا، ومن ثم أسست «اللجنة الوطنية للشهداء وضحايا التعذيب» وهي لجنة أهلية (غير رسمية) تعنى بشئون هذه الشريحة الاجتماعية التي تطالب بإنصافها لإغلاق ملف ساخن، ما يمهد لمصالحة وطنية شاملة.

وفي 23 أكتوبر/ تشرين الأول من العام 2002 صدر مرسوم ملكي بقانون رقم (56) قبل انعقاد المجلس الوطني للعفو العام عن «الجرائم الماسة بالأمن الوطني» ومنع محاسبة المتهمين في جرائم انتهاك حقوق الإنسان خلال الحقبة الماضية في المحاكم البحرينية، وهو ما أثار سخطاً شعبياً كبيراً، كتبت على إثره عريضة شعبية كبيرة وقعها 33 ألفا وسلمت إلى الديوان الملكي في 26 مايو/ أيار 2003 ولم يصدر رد رسمي عليها.

ظروف محلية وإقليمية ودولية بدأت تضغط من أجل إيجاد حلحلة مرضية لهذا الملف الشائك، ومن ضمن هذه المتغيرات وجود اتجاه حكومي- يسميه البعض ضوءا أخضر - لبدء التوافق بشأن هذا الملف، خصوصاً وأن حل هذا الملف أصبح من الالتزامات القانونية على المملكة للتوقيع على العهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

«العهدان» وتعديل التشريعات

وأكد الوكيل المساعد للمتابعة والتنسيق بوزارة الخارجية الشيخ عبدالعزيز بن مبارك آل خليفة حينها أن حكومة البحرين عازمة على توقيع اتفاق العهدين الدوليين، نافياً أن تكون هنالك نية للتنصل عن توقيع العهدين أو الإخلال بشروطهما، موضحا أن البحرين في مراحلها النهائية لتوقيع العهدين الدوليين قريباً.

وفي سياق متصل أكد النائب محمد آل الشيخ أن توقيع البحرين العهدين الدوليين يمكن أن يعطي إيقاعاً جديداً لتحريك ملف الشهداء وضحايا التعذيب وهو الملف الأكثر تعقيداً، بالإضافة إلى طي صفحة الماضي في الكثير من الملفات العالقة ومنها ملف الشهداء وضحايا التعذيب وتعويض العائدين من المهجر، وتعويضات للمفصولين من الوظائف الحكومية، على اعتبار أن جميع هذه الملفات تقع تحت مظلة كفالة الحقوق السياسية والمدنية التي جاء العهد مناصراً لها، مشيراً إلى أن ذلك سيكون وفقاً للإجراءات القانونية المتضمنة للعهد.

وقال آل الشيخ «إن ملف الشهداء وضحايا التعذيب من الملفات الحقوقية التي نطالب بحلها من خلال السلطة التشريعية بإجراء تسوية شاملة وعادلة وفقاً للمرسوم بقانون بشأن العفو الشامل عن المواطنين المتهمين بجرائم ماسة بالأمن الوطني، وحق كل مواطن متضرر في اللجوء إلى القضاء لرفع الدعاوى والشكاوى ضد المتسببين في الاعتقال التعسفي وعمليات التعذيب غير الإنساني».

وقال ناشطون حقوقيون بحرينيون إن توقيع المملكة على العهدين الدوليين يستلزم منها تعديل منظومة التشريعات الوطنية المعمول بها لكي تواكب ما ورد في العهدين الدوليين.

ومن الأمور التي حالت من دون تحقيق أي إنجاز ملموس في ملف ضحايا التعذيب افتقار التشريعات الوطنية لتعريف واضح للتعذيب وتلكؤ البرلمان بغرفتي بإصدار قانون حازم لتعريف التعذيب والتمييز ومحاربتهما، على رغم توصيات اللجنة الدولية لمناهضة التعذيب أثناء اجتماعاتها في جنيف في العام 2005 التي ناقشت فيها تقرير البحرين المقدم إلى اللجنة الدولية لعرض التزام البحرين باتفاق مناهضة التعذيب الذي وقعته في العام 1998.

عدد ضحايا التعذيب

يختلف المسئولون في الدولة والجهات الحقوقية على عدد ضحايا التعذيب، وهذا الاختلاف راجع في قسم كبير منه عدم الاتفاق على تعريف واضح للتعذيب، ولكن حسب المصادر الحقوقية فان عدد ضحايا التعذيب إبان حقبة أمن الدولة يقارب 20 ألفا (بشكل مباشر وغير مباشر)، وكانت هناك مبادرات لتسجيل هؤلاء الضحايا قبل عدة سنوات، ولدى الجهات الحقوقية حاليا قاعدة بيانات متكاملة عما يقارب 8000 ملف الذين وثقوا ملفاتهم بالإضافة إلى عدد آخر من الضحايا الذين لم يبادرو بالتسجيل.فيما بلغ عدد الشهداء (64 شخصاً) من بعد الاستقلال حتى الشهيد محمد جمعة. وتقول الجهات الحقوقية في رسالتها التي بعثتها إلى المفوضية السامية لحقوق الإنسان في فبراير/ شباط 2005 إن ما يقارب من 7 في المئة من سكان البحرين يعتبرون من ضحايا التعذيب، لكن الجهات الرسمية شككت في هذا العدد.

وضع ضحايا التعذيب

لايزال ضحايا التعذيب في البحرين يعانون على رغم كل المحاولات والجهود التي بذلت لإنصافهم، فكثير منهم لم يتمكنوا من الالتحاق إلى مقاعد الدراسة في المدارس والجامعات، وكثير منهم أيضاً لا يجدون وظيفة مناسبة تسد رمق أبنائهم، وبعض الذين عانوا في الفترات الماضية يعيشون في حال إنسانية مزرية جداً. وحتى صحيا لايزال المئات منهم يعانون من مشكلات صحية من أعراض تلك الحقبة، وعلى رغم تأسيس مركز الكرامة لإعادة تأهيل ضحايا التعذيب، إلا أن الطاقة الاستيعابية للمركز لا تستطيع إن تحتضن هذا الكم الكبير من الضحايا.وليس أدل على معاناة الضحايا من أن أبناءهم لا يتمتعون بحياة كريمة، اما بسبب فقدان عوائلهم للمعيل أو بسبب عدم حصول الضحايا على وظائف مناسبة، خصوصاً وان قسماً كبيراً من العاطلين عن العمل ومتدني الأجور يعتبرون من ضحايا الحقبة الماضية.

يشار إلى أن «الوسط» ستعرض شهادات حية للذين عانوا من آثار الحقبة السابقة، وأملهم كبير في إنصافهم عبر مشروع مصالحة وطنية شاملة لكتابة رصيد جديد من الإنجازات للعهد الجديد الذي يقوده صاحب الجلالة.


سعيد الاسكافي... شاهداً!

لم يكن الحاج عبدالرسول الاسكافي عندما طلب منه مسئولو وزارة الداخلية في صباح السبت الثامن من شهر يوليو/ تموز 1995 مستعداً لسماع خبر استشهاد ابنه «سعيد» تحت وطأة التعذيب، خصوصاً وأن المسئولين لم يخبروه بالوفاة. وعندما اكتشف الرجل ما حدث لابنه كاد يموت على الفور، وأغمي عليه فعلا بعد رجوعه من المستشفى ومعه جثة ابنه. كان سعيد الاسكافي الذي ولد في 7 مارس/آذار 1978 واحدا من كثيرين تعرضوا لتعذيب بشع.وكان سعيد طالبا بالصف الأول الثانوي بالثانوية العامة الصناعية. وخرج في بعض المظاهرات شأنه شأن غيره من الشباب المتطلع لحياة سياسية منصفة.

سعيد عاش يتيما بعد أن توفيت والدته وتركته مع خمس أخوات وستة إخوه قبل بضع سنوات، بالإضافة إلى ثلاث أخوات وأخ من والده الذي تزوج بعد وفاة والدته، وكانت آثار التعذيب واضحة على كل أنحاء جسمه. وشاركت جموع غفيرة من المواطنين في تشييعه إلى مسقط رأسه في منطقة النعيم، ووفقاً لروايات مختلفة فان سعيد «تعرض لاعتداء جنسي قبل قتله»، وكتب والده رسالة إلى وزارة الداخلية يطلب منها إجراء تحقيق عادل في القضية، ولكن لم ير أذنا صاغية حينها!


الأم تعمل في وظيفة متواضعة لإعالة أبنائها الثلاثة

عائلة الشهيد محمد رضا تسكن منزلاً بائساً

محمد رضا منصور الحجي توقف به قطار العمر عند الواحد والثلاثين عاما بعدما استقرت رصاصة في رأسه في العام 1995.

«الوسط» زارت عائلة الشاب محمد رضا في قرية بني جمرة، وفي منزل صغير متهالك يقع في زاوية، كانت هناك رواية مأسوية عن عائلة بحرينية، كان في أستقبالنا زوجة الشهيد، وانتظرنا أكبر أبناء الشهيد (علي) وهو شاب في الأول ثانوي وأخوين أصغر منه سنا: جواد ومنصور.

وتعيش العائلة في وضع اقتصادي مزرٍ، إذ تعمل الوالدة في مهنة متواضعة بإحدى المدارس.ويذكر علي انه خرج من المدرسة في العام 2001 لكي يساعد والدته على إعالة الأسرة، ويؤكد علي أن منزلهم مدرج ضمن مشروع البيوت الآيلة للسقوط، وعلى رغم الوعود إلا أن المنزل لم يهدم بعد.

والد الشهيد كان حاضراً، وأثناء روايته لقصة مقتل ابنه، كانت عينا أحد الأبناء الثلاثة تسيلان دموعا حزنا على الوالد الذي لم يتمتعوا بالعيش تحت كنفه.ويقول الحاج منصور إن ولده خرج من المنزل لشراء علبة سجائر، وعندما كان واقفا في المنطقة صوبه أحد رجال الأمن برصاص حي، نقل على أثره إلى المستشفى وقضى نحبه بعد 12 يوما.

ويضيف الحاج منصور قائلا: «أنا فقط من أشعر بحرارة الفراق، ولايزال جرح ابني غا

العدد 1255 - السبت 11 فبراير 2006م الموافق 12 محرم 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً