العدد 1285 - الإثنين 13 مارس 2006م الموافق 12 صفر 1427هـ

كوهين يدعو للحوار وغليون يعلن فشل الإصلاح الأميركي

اختتام أعمال مؤتمر «التحولات الراهنة في العالم العربي»

اختتم المؤتمر السنوي الحادي عشر لمركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية اعماله بعد أن ناقش «التحولات الراهنة ودورها المحتمل في إحداث التغيير في العالم العربي»، على مدى ثلاثة أيام بحضور شخصيات عالمية وإسلامية وعربية.

وزير الدفاع الأميركي السابق ويليام كوهين، الذي تولى وزارة الدفاع في عهد بيل كلينتون ما بين 1997 و2001، قال في مداخلته إن أميركا دخلت حرباً طويلة الأمد مع قوى التطرف والإرهاب، وإن هذه الحرب ليست تقليدية لأنها من دون خطوط نار ومن دون جبهات، والازمنة والامكنة التي تجرى فيها هذه الحرب مختلفة ومتوزعة، لأن الإرهاب يتحرك في كل مكان. وقال كوهين إن مصادر الخطر تنبع من انتشار التطرف والعنف، ومن الحاجة إلى الطاقة وضرورة تنويعها، ومن الفقر المنتشر في انحاء العالم، ومن انتشار الأمراض الخطيرة، وأسلحة الدمار الشامل، ومن شح المياه مستقبلاً.

وأوضح أنه عندما كان وزيراً للدفاع التقى نائب رئيس الوزراء الماليزي السابق أنور إبراهيم واتفقا على أن السبيل الأفضل لمعالجة مصادر الخطر هو الحوار بين الحضارات، مع الاعتراف بوجود فوارق جذرية بين هذه الثقافة وتلك، ولكن الأوبئة والأمراض تنتشر في المياه الراكدة، أما مياه النهر المتدفقة من الجانبين فإنها خالية من المشكلات، وهذا يعني أن علينا أن نفتح الأبواب للحوار الهادف إلى نشر الوعي بدلاً من تأجيج المشاعر وتهييج العواطف ضد هذا الطرف أو ذاك.

وقال إن الديمقراطية لا يمكن استيرادها أو تصديرها فهي تحتاج إلى بيئة متلاءمة مع ثقافة المنطقة، ولكن اساسيات تلك البيئة هي احترام حكم القانون، والشفافية والقدرة على جذب الاستثمارات الأجنبية لتنشيط اقتصاد السوق، بحيث تتطور طبقة داعمة للتحول الديمقراطي. وأكد أنه لا حل للقضية الفلسطينية إلا من خلال دولة فلسطينية مستقلة، مؤملاً أن تسلم حركة حماس الشأن الفلسطيني سيقنعها بضرورة انتهاج السلام مع «إسرائيل».

الاسئلة انهالت على ويليام كوهين من الحضور الذين اتهموا الولايات المتحدة الأميركية بالانتقائية، إذ إنها تتحدث عن الخطر من البرنامج النووي الإيراني، ولكنها لا تنطق ولو ببنت شفة عن الرؤوس النووية الإسرائيلية، وان أميركا كانت ومازالت تنظر إلى العالم العربي من النافذة الإسرائيلية وحاجتها إلى النفط العربي.

وفي تعليق لها، قالت الباحثة العربية غادة كرمي، إن أميركا تطلب المستحيل عندما تردد مقولة إن على العرب الاعتراف بحق «إسرائيل» في الوجود، لأن الاعتراف بهذا الحق هو مساندة لنهب الفلسطينيين أرضهم وتجريدهم مما يملكون... ولكن العرب على استعداد للاعتراف بأن «إسرائيل» موجودة بحكم الواقع، وأن يتعاملوا على أساس ذلك الواقع الذي فرض عليهم.

من جانبه، رفض ويليام كوهين مقولة إن أميركا أصبحت «قوة امبريالية»، معتبراً أن أميركا لديها قدرات عسكرية واقتصادية وثقافية، وأنه بسبب هذه القدرات الكبيرة استطاعت أميركا أن تؤثر على مجريات الأمور في العالم، ولكن أميركا لا تسعى إلى احتلال أي بلد، ووجودها في شرق آسيا مثلاً (100 ألف عسكري أميركي) إنما عزز السلم والاستقرار الذي تمكنت من خلاله شرق آسيا أن تصبح قوة اقتصادية.

أما المفكر العربي برهان غليون فقد أعلن أن «مشروع الإصلاح» الذي بشرت به أميركا تم احتواؤه وافشاله من قبل الأنظمة العربية التي استطاعت احتواء وقمع انتفاضات الخبز في مطلع التسعينات، واستطاعت أن تقمع تطلعات الشعوب العربية نحو الديمقراطية، ولذلك كان سهلاً عليها أن تضرب أيضاً مبادرة الأميركان والأوروبيين بشأن الإصلاح والديمقراطية، سواء كانت تلك المبادرات تتمثل في الشراكة الأميركية - الشرق أوسطية (ميبي)، أو المبادرة الأوروبية (عملية برشلونة) أو مبادرة الدول الثماني (منتدى المستقبل).

وقال إن اجهاض المشروع الإصلاحي الأخير كان سهلاً على الأنظمة العربية لأن الإصلاحات المطروحة ليست ذات معنى شامل كما حدث في الاتحاد السوفياتي في عهد غورباتشوف (بروسترويكا) وإن الحديث تركز على إصلاحات جزئية وفي الديكور فقط، ولذلك فإن عدداً من الدول العربية أنشأ برلمانات وسمح بانتخابات وامتص الموجة الإصلاحية من دون أن يحدث أي إصلاح هيكلي أو مؤسساتي، وبقيت الأنظمة العربية - عموماً - شمولية ولا تعترف بالتعددية.

وقال إن الجامعة العربية أصدرت وثيقة «التطوير والتحديث» في اشارة منها إلى احتواء الموجة الديمقراطية، وهي بذلك قالت لكل العالم إن الدول العربية ترفض الإصلاح الهيكلي وإن كل ما تسعى إليه هو «تطوير» ما هو موجود حالياً.

وقال غليون إن إعادة الهيكلة المطلوبة تعني فصل السلطات ودولة القانون بدلاً من التعسف ودمج سلطة المال والسياسة والأحكام الاستثنائية... وإن إعادة الهيكلة تعني الاصرار على مشاركة المجتمع في الشأن العام وفي كل الميادين وهو عكس ما يحصل حالياً في العالم العربي.

وقال غليون إن أكبر عائق للديمقراطية في العالم العربي ليس رجال الدين كما يدعي البعض، وإنما هم طبقة من رجال الأعمال الطفيليين الذي استغنوا بسبب كونهم في السلطة أو بسبب ارتباطهم بالنظام، وإن هذه الطبقة ليست لها رؤية ثقافية أو تنموية لأنها تكونت بسبب ارتباطاتها بالنظام وليس بسبب انتاجيتها، وهذا يفسر كيف أن الدول العربية هي أكثر الدول في العالم التي تصدر رساميلها للخارج لأن من يجمع الثروة داخل العالم العربي هي الفئة التي لا يهمها ما يحصل غداً لبلدانها، وهي الفئة التي كانت ومازالت تبحث عن الربح السريع عبر ارتباطها بالسلطة، بل إن السلطة في كثير من الأحيان هي نفسها طبقة رجال الأعمال الطفيلية التي لا يمكن مقارنتها بالطبقة البرجوازية - الرأسمالية في المجتمعات الأخرى. فالطبقة الرأسمالية في الغرب كانت مثقفة وتحمل رؤية وساهمت في تغيير المجتمع نحو الديمقراطية، أما طبقة الرأسماليين الطفيليين في عالمنا العربي فلا تسمح بأي تغيير ولا يمكنها أن تعيد انتاج نفسها إلا من خلال المحافظة على الوضع القائم وعلى علاقاتها بالنظام ولو كان ذلك على حساب مستقبل البلاد.

وقال إن العائق الثاني لانتشار الديمقراطية في العالم العربي هو التفاهم بين الدول ذات النفوذ العالمي مع الأنظمة العربية على مدى العقود الماضية على ضرورة تحييد المجتمعات في البلاد العربية وأن الشعوب تمثل «خطراً» مشتركاً على الأنظمة العربية وعلى أميركا والغرب في آن واحد، وأن السبيل الوحيد لأمن أميركا وأوروبا والأنظمة العربية إنما يتم عبر «ضبط الشعوب العربية».

وقال إن الدول ذات النفوذ العالمي، ولاسيما أميركا تنظر إلى العالم العربي من زاوية الحفاظ على أمن «إسرائيل»، ولذلك فإنه ليس من المصلحة أن يتم تمكين المجتمعات العربية ديمقراطياً لأن ذلك قد يهدد أمن «إسرائيل» والمصالح الغربية.

برهان غليون اقترح خطوات أساسية لانجاح مشروع نشر الديمقراطية في العالم العربي، وذلك من خلال استخدام الضغط الدولي (الأمم المتحدة والقوى الدولية الفاعلة) في اجبار الانظمة العربية على الجلوس على طاولة المفاوضات مع المعارضة العربية من أجل الوصول إلى أجندة مشتركة تحفظ مصالح الجميع... وإلى جانب ذلك، فإنه يجب فصل سلطة السياسة عن سلطة المال في الدول العربية.

وأكد مجدداً أن الماسكين بزمام الأمور - بصورة عامة - في بلداننا العربية أصبحوا هم التجار الذين لا يهتمون بالتنمية أو التطوير التكنولوجي، وكل همهم تكثير ثرواتهم وارسال رساميلهم إلى خارج بلدانهم... وهؤلاء أصبحت لديهم «شبكات مصالح» تفكر في الربح السريع، ولذلك ليس لدينا «اقتصاد سوق» ولا يمكن احداث الإصلاح الاقتصادي لعدم وجود اقتصاد السوق... والإصلاح الاقتصادي يتطلب إعادة هيكلة السلطة بشكل واضح وجدي لإنهاء تركيز الثروة والقوة على حساب المجتمع... ولذلك فإن قوى العنف والتطرف هي النتيجة المباشرة لمثل هذه الحال البائسة التي تعيشها بلداننا العربية.

المفكر الكويتي خلدون النقيب عقب على ما ذكره غليون بأن التوصيف يبدو مختلطاً من ناحية الحل، فاذا كانت الدول النافذة من مصلحتها استمرار الوضع فكيف تتعاون معها المعارضة، ومن هي الجهة التي ستنفذ مثل هذه التوصيات. ثم إنه من الصحيح أن القطاع الخاص قائم على علاقات مع الماسكين بمفاصل الحكم، لكن أيضاً لدينا الآن شركات عالمية تأتي برؤوس أموالها، وهذه تصر على شراكة محلية تعتمد على ضوابط السوق الدولية بما في ذلك الالتزام بالشفافية.

وقال النقيب لـ «الوسط» إنه لم تكن لدينا موجة ديمقراطية لكي يتم احتواؤها، وإنما لدينا انفراجات نسبية هنا وهناك، وهذه الانفراجات جاءت من الأعلى إلى الأسفل، وبالتالي فإنه بالامكان تعطيلها إذا شاءت السلطة التي احدثت الانفراج النسبي ذاك.

ولكن النقيب وافق غليون على أن الحركات الوطنية فشلت في الاستفادة من «اللخبطة» في سياسة الولايات المتحدة الأميركية التي دعمت الأنظمة، ولكنها بدأت تتحدث عن ضرورة افساح المجال للديمقراطية... وهذه الدعوة الأميركية حملت في طياتها فرصة للدفع باتجاه المزيد من الإصلاح، ولكن حركات المجتمع المدني لم تستطع الاستفادة من هذا الارتباك في السياسة الأميركية والأوروبية. وأضاف النقيب أن الوضع مختلط الآن، فالفساد الاداري لم يقل، بل ربما ازداد، وهناك توسع في استغلال السلطة من أجل الاثراء الشخصي وازدادت عمليات الاستحواذ على الأراضي والثروات الوطنية، وأصبحت الفئة التي احتكرت السلطة والثروة أكثر تطوراً، وأبناء هذه الفئة متعلمون حالياً وهم يواصلون بعض جوانب ما كان عليه آباؤهم بأسلوب متطور.

وقال النقيب إن دعوة غليون إلى فرض التفاوض بين الأنظمة والمعارضة من قبل القوى الدولية غير واقعي لأنه لن تكون هناك جهة مستعدة للقيام بذلك، وربما كان ما حصل في أميركا الجنوبية هو المطلوب حدوثه مستقبلاً في بلداننا العربية، إذ تسلمت الحركات الوطنية الحكم هناك ولكنها حدت من حال الاستقطاب بهدف اقامة

العدد 1285 - الإثنين 13 مارس 2006م الموافق 12 صفر 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً