«هناك»
بعيداً عن الأرض...
وبعيداً عن السماء حين تمارس أمومتها مع حُبيبات الندى وزخّات المطر.
وبعيداً عن ارتباك الوجوه ساعة يعانقها السأمُ على وجل.
وبعيداً عن رياح الحزن متى ما تسلّلت إلى المخادع بدهاءٍ لتُقلق راحة الأجساد المستسلمة إلى سَكْرة النعاس.
«هناك»
...لي مكان...
وهناك لي أرضٌ تشبه الوطن...
و تُحسن التشبّه بالمنفى!!
وأنا في خضمّ هذه المتاهة بتناقضاتها الكثيرة أجدُني أتدلّى على حافة النعيم.
أرقب اللامعقول من الأعالي.
وأحصي بتوجّس فرصَ بلوغي حدودَ تلك الجنّة المُحاصَرة.
إما بالهرولة المحسوبة...
وإما بالتخبط المحموم بين العزم وبين التراخي...!
بيد أنها كلّما تمادت في نأيها عن مدى اللمس والبصر.
كلّما تعاظمت نسبة التثاقل في قدميّ وتضخّم إصرارُهما على التشبّث بالبقاع الرتيبة في نزوعها إلى السلام الدائم.
والقادرة على زخرفة الضجر ومنحه صفة الخلاص.
ليغدو تهالكُ الجسد وشيكاً.
وعاجلاً.
ومريباً في دنّوه!!
...
«هناك»...
يُحتمل أن يدفع سخاءُ الطبيعة الخرافيُ الليلَ للتعرّي من سواده...
ويُحتمل أن تهِبَ قُدسيةُ الغروبِ الشمسَ لحظاتٍ خاطفةٍ للتنحّي عن عرش ضيائها بلا مقابل...
فتفسح بهذه العفوية الجريئة المجالَ لغير المبصرين - مجازاً - كي يكشفوا الستار عن الحقائق بعيداً عن الضوء.
إمّا ليفقهوا روعة التوغّل الرصين في مساحات النقاء المنزّهة عن الظلال وعن غوغاء التشويه.
بتنوّع دلالاته!!
أو ليقّروا بتقاعسهم المتعمّد عن تقريب الرؤى البعيدة.
وأحسب أن النجاح - متى ما لاحت بوادره- يصبح في زاوية كهذه أقربَ إلى الفاكهة المحرمة في أوان القطاف!!
...
فماذا أملك من أمر نفسي عند الوصول...؟
وأيّان تعلو كفّةُ العقل إنْ زيّنتْ لي ضراوة التمنّي العَدْوَ حافية القدمين على رمل ذلك المكان المُهيب في سحره...؟
حتّى وإنْ دامت فتنةُ الصورة لجزءٍ واهٍ من الدقيقة لا غير!!
...
فلا قبضةُ الزمن تعترف بالتسامح في ذروة الترحال.
ولا أنا بصاحبة القرار متّى ما اعتزم «الأسود» تكبيلَ «الأبيض» بالقيود حيناً.
وحيناً بالأغلال!!
فقط من أجل إرباك ريشة الفنّان...
وإشاعة الخراب الجميل بين الألوان...
ليتفجّر بين الاثنين ختاماً
أرّقُ أشكال الزحام...
العدد 1296 - الجمعة 24 مارس 2006م الموافق 23 صفر 1427هـ