أكثر ما تكتبه المواقع الإلكترونية للمعارضة العربية من أخبار وتقارير هو كذب أو عملية تلاعب بالعقول، وهذا أبسط ما تستطيع أن تصف به تلك المواقع التي قد تتحدث في بعض الأحيان عن أن انتفاضة شعبية هي قاب قوسين أو ادنى!
المعارضة العربية لا تتسم بالصدقية في خطابها الإعلامي، وفي فضاءات الانترنت قد تكون «الكذبة السياسية» جزءاً لا يتجزء من الكيان السياسي المعارض، ولهذه الصورة إيجابياتها كما يعبر عن ذلك وزير الدعاية النازية أيام هتلر «اكذب، اكذب... حتى يصدقك الناس!».
من جهة أخرى، نجد أن هذه المواقع في الغالبية لا تستطيع الإبقاء على وهجها الإعلامي، فيكون المشهد التفاعلي لا يزيد عن ذلك الراعي الذي أهمله أهل القرية حيث كان يصرخ كل يوم محذراً الاهالي من قدوم الذئب، فكان من أهل القرية أن اهملوا استغاثاته حين أتى الذئب فعلاً. أكثر ما يميز الفضاء السياسي الإلكتروني هو «الإشاعات». «إشاعات» قد تحمل الأمل للناس بالحرية أو السعادة، أو مزيد من الكبت والدكتاتورية واليأس.
هذه الأيديولوجيا الجديدة قائمة على الأسرار، وأيديولوجيا مواقع المعارضة تبدع في تلبس هذه الحال بجدارة. المواقع الإلكترونية المجهولة المصدر أو التأسيس تعمل كالمجموعات والأحزاب والتنظيمات السرية، والمجموعات المخربة (الهكرز)، هم «إرهابيو الإنترنت»، وأخيراً، الاسماء المستعارة هي «الاسماء الحركية» في السياسة الكلاسيكية. وإلا فما الذي يجعل من اسم إنترنتي مستعار مؤثراً رمزياً فاعلاً في المجتمع الإنترنتي، فتكون له سلطة رمزية نافذة ومعتبرة؟
وكما أن عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو اتهم التلفزيون بأنه تلفيق متعمد لمخيالات محددة ومرسومة، فإن الفضاء الإنترنتي يحمل الصفة ذاتها، فإذا كان البرنامج التلفزي المباشر أعد له كل شيء بما في ذلك المتداخلون على الهواء مباشرة، فإن الفضاء الإنترنتي يقوم بمجمله في إحدى الحوارات مثلاً على شخصية واحدة تتلبس أكثر من اسم مستعار، تكتب وترد على ما تكتب. تذهب بعض التحليلات إلى توضيح انتهاج المعارضة الشائعة السياسية لعدة أسباب، منها: سرعة الانتشار، ففي الغالب تحظى الإشاعة في المجتمع العربي برائجية تفوق انتشار الحقائق الدامغة، كما أن تلك السلسلة من الأحلام السياسية تعطي بيئة خصبة لتفعيل الحلم/ الإشاعة. ثاني الأسباب هو «مجهولية المصدر»، إذ إن الفضاء الإلكتروني يتيح الفرصة أمام حماية المصدر الخبري أكثر من الصحافة اليومية، وأخيراً للإشاعة ميزة خاصة هي احتواؤها أجزاء من الحقيقة التي تستثمرها نظم المعارضة بسهولة، فحين تلتقي أطراف حكومية في بلد ما ولا تخرج الصحافة اليومية بمحتويات الاجتماع، تعمد المعارضة لاستخدام اللقاء الحقيقي لإنتاج مساحة كبيرة من الحوادث والقرارات ومسارات التأويل والتوقعات التي تعمد المعارضة الإلكترونية إلى تضخيمها وإعطائها صفة «الحقيقة المطلقة»
العدد 1299 - الإثنين 27 مارس 2006م الموافق 26 صفر 1427هـ