تسخن يومياً التحركات والاستعدادات للموسم الانتخابي المقبل، سواء للبرلمان أم للمجالس البلدية، ومع دنو هذا الموسم تتزايد عمليات تقييم التجربة الأولى بين نقد بناء وآخر سلبي، وكان للمجالس البلدية، واعضائها، نصيب الأسد منها ولاسيما مع ولادة صورة من التعثر مع بداية عمل تلك المجالس.
في هذا الاستطلاع، سنقرأ الكثير من الآراء، ولاسيما مع المترشحين الذين لم يكتب لهم الفوز، ومنهم المترشح السابق للمجلس البلدي عن الدائرة الرابعة بالمحافظة الشمالية حميد علي عبدالله، في هذه السطور التجربة البلدية من خلال محورين وصفهما بالأساسيين، أولهما الوعي المفقود تجاه العمل البلدي في المجتمع البحريني وخص بحديثه الجمعيات السياسية في حين كان النظام السياسي والسلطة التنفيذية واضعة قانون البلديات هو ما رمى إليه بمحوره الثاني.
تعاطي الجمعيات «يفتقد» الركائز الصحيحة
يفسر محدثنا المحور الأول المتسبب في إخفاق المجالس البلدية محملا الجمعيات السياسية جزءاً كبيراً من المسئولية من خلال إخفاقها في اختيار وتوظيف الكوادر المهنية والفنية المناسبة للعمل البلدي واعتمادها على معايير وصفها بـ «الشخصية» وهي مهمة لكنها ليست الأهم كالحضور الاجتماعي والالتزام الديني لتكون النتيجة أعضاء بلديين من مرجعيات دينية واجتماعية لا فنية وتخصصية متجاهلة الخبرة الفنية والسياسية والعلاقات الاجتماعية الأمر الذي نتج عنه عمل بلدي غير «متقن».
ويأخذه الحديث إلى التبعات التي وقعت من بعض الأعضاء الجاهلين بالطريقة المناسبة للتعاطي مع العمل البلدي ليكون هذا المركز مطبّاً، مطبّاً اجتماعياً أخل بمكانتهم الاجتماعية ولاسيما بعد القصور في العطاء، ومطباً مادياً.
ولم تكن وزارة البلديات، ممثلة السلطة، بمعزل عن تلك المسئولية، وفق ما أشار إليه حميد في محوره الثاني فالمنافسة بين وزارة البلديات والمحافظ خلقت نوعاً من الإشكال بالنسبة إلى المواطن في الوجهة التي يقصدها المواطن لقضاء مصلحته، فهل يذهب إلى عضو بلدي محدود الصلاحيات أم إلى محافظ ذي مركز شرفي أمني لا علاقة له بالعمل البلدي والخدمي.
مجلس بلدي = مجلس استشاري
ويواصل حميد نقده، قائلاً لكون المجلس البلدي وإن كان مجلساً استشاريّاً - وفق وصفه - مهمته اقتراحية في ظل وزارة بلديات يحميها قانون البلديات، فإن هناك ثغرات وخفايا في العمل البلدي وقانونه من الذكاء استغلالها لخدمة العمل البلدي تغافلها البلديون.
ضبابية العلاقة بين المجالس المنتخبة البلدية والجهاز التنفيذي التابع إلى وزارة شئون البلديات والزراعة كان لها بالغ الأثر، وفق ما أشار إليه حميد، في التأثير على العمل البلدي فمحدودية الصلاحيات والموازنة وعدم قدرة المجلس على التصرف بها واعتماده على ما وصفه بإعانات المملكة على رغم أن البلدية لها القدرة على تمويل ذاتها بموازنة ضخمة كلها عوامل أسهمت في عرقلة العمل البلدي، ولتدارك تلك المشكلة في التجربة القادمة يرى حميد أنه من الضروري أن تكون وزارة البلديات والزراعة هيئة خاصة مستقلة، فهي المؤسسة التي تطلب الخصخصة لخدمة الشعب والوطن لا سواها.
وبلهجة شديدة الحدة رأى حميد أن بعض الأعضاء البلديين الذين وصلوا للعمل البلدي كان المستوجب عدم وصولهم فضلا عن نقطة مهمة تتمثل في ضعف الكادر البلدي في بعض المواقع البلدية على رغم وجود عضو بلدي كفء الأمر الذي يرمي بثقله على الأداء البلدي، فالعملية تتطلب كادراً بلديّاً مؤهلاً، فلربما يفشل السياسي في المجلس البلدي وينجح في النيابي وذلك لاعتماد عمل المجلس البلدي على المهنية.
ويلخص حميد أسباب تهميش دور المجلس البلدي في عدم تطبيق ما ورد في الميثاق لمصالح شخصية، محدودية صلاحيات البلديين، كفاءة العضو البلدي فضلاً عن وعي المجتمع.
حلول لعدم تكرار التجربة الأولى
ومازال في جعبة محدثنا حديث عن الحلول للخروج من المأزق نفسه ولاسيما مع اقتراب الموسم الانتخابي الجديد داعياً الجمعيات السياسية التي وصفها بالقائد لفئة كبيرة من الشعب البحريني إلى أن تكون حذرة في انتقاء وترشيح الشخص المناسب في المكان المناسب مراعية الخبرة العملية والمهنية متجاوزة الانتماء إلى الجمعية ومركزه إلى الانتماء إلى الوطن وخدمة المواطن.
ولم يغفل محدثنا نقطة رأى فيها البداية لعدم تكرار التجربة الأولى، وتكمن في دعوة ملك البلاد إلى تعديل قانون البلديات ووضعه في الإطار الصحيح لخدمة الوطن والمواطن.
وأوجز لنا فكرته في قناعته التامة بأن المجلس البلدي الحالي لن يقدم ولن يؤخر في ظل هذا القانون فما بني على ركيزة ضعيفة لن يقَّدر له أن يكون قويا.
غياب الثقافة الانتخابية
وفيما يخص دور المجتمع في إفشال العمل البلدي رأى محدثنا أن المجتمع سينهج النهج ذاته مرجعا السبب إلى غياب الثقافة الانتخابية، شريحة كبيرة من المجتمع «تؤله» الشخص لانتمائه السياسي أو الديني ضاربة عرض الحائط بمستواه العلمي.
ولم تسلم «الكوتا» من نقد حميد التي رأى فيها سبباً آخر قد يؤدي إلى خلخلة العمل، بلديّاً كان أم نيابيا... على المرأة أن تدخل المضمار السياسي بجدارتها، بيد أنه تمنى أن تأخذ المرأة حصة لا تقل عن 30 في المئة في الانتخابات بقدرتها لتقنع المجتمع بأنها قادرة على أن تصل إلى مواقع صنع القرار لسبب واحد هو أنها «أهل لذلك».
ولأمين سر جمعية الوفاق جاسم رضا نقد في إطار آخر أوجزه في أن إنجاز الإنسان يقاس بالمهمات الموكولة له والوقت المتاح له في ظل الامكانات المادية المتوافرة، لذلك رأى أن المجالس البلدية أعطت وفق ما أعطيت من صلاحيات إلا أنه سطر لنا في هذه المساحة عدداً من المعوقات التي عرقلت عملها البلدي موافقاً سلفه في عدة نقاط، كمحدودية الصلاحيات الممنوحة للمجالس في ظل قانون البلديات وتبعية الجهاز التنفيذي للوزارة بدلا من أن يكون منفذا مباشرا لقرارات المجلس، في حين ذكر نقاطاً أخرى متمثلة في ضعف الموازنة الخاصة بالمشروعات التي لا تتجاوز 200 ألف دينار في السنة لكل مجلس، النقص الشديد في الكادر الوظيفي للمجالس البلدية الذي لم يتجاوز خمسة موظفين تمت زيادتهم إلى 8 في الآونة الأخيرة بالإضافة إلى ارتفاع سقف التوقعات لدى المواطنين وعدم اطلاعهم على مهمات المجالس تحديداً فضلا عن الإخفاق في نشر الوعي البلدي إذ ساهمت وسائل الإعلام في ذلك عندما قاطع التلفزيون المجالس البلدية بشكل كلي.
وفيما يتعلق بضبابية العلاقة بين المجالس والجهاز التنفيذي، رأى رضا أن المادة (4) من القانون توضح بما لا يسمح لأي لبس أن للمجلس أن يمارس سلطة إصدار اللوائح والقرارات والأوامر ومراقبة كل ذلك وللجهاز التنفيذي حق الممارسة التنفيذية، إلا أن الأمور ولأسباب سياسية تتعلق بإدارة الدولة رأت الجهات العليا في المملكة دعم توجه تبعية الجهاز التنفيذي إلى مكتب الوزير مباشرة الأمر الذي أثر على عمل المجالس البلدية، ليرمي على عاتق مديري البلديات بالمحافظات المختلفة مهمة ردم تلك الهوة وخلق أجواء من التواصل وجسور لمزيد من التعاون مع المجالس البلدية لضمان سلاسة أكبر في العمل وكسب إنجازات أكبر تحسب للمجلس والجهاز التنفيذي على حد سواء.
«وصف المجالس البلدية بالمهمشة» وصف اعترض عليه رضا، واصفا إياه بالخطاب الذي تبنته أطراف عدة ساهمت في خلقه في بعض المواقع وبعض أجزاء العمل البلدي الذي تأثر بما يسمح بوجود شك لعدة أسباب، منها حداثة التجربة بالنسبة إلى جميع البلديين، عدم تقبل بعض الأطراف في بعض الوزارات الخدمية للواقع الجديد الذي أحدثته المجالس وخصوصاً فيما يتعلق بإلزامية عرض خططهم وبرامجهم على المجالس قبل إقرارها بالإضافة إلى التوقعات العالية للبلديين والناخبين على حد سواء والوضع البروتوكولي والمخصصات المتواضعة التي كان لها بالغ الأثر في تهميش - إن جاز التعبير- الأعضاء رسميّاً واجتماعيّاً.
سياسة المنع المتقدم
ولمحدثنا نظرة إيجابية إلى العمل البلدي الذي عمل وفق سياسة وصفها بسياسة «المنع المتقدم» إذ رأى من الواجب الاعتراف بالتغير الذي أحدثته المجالس البلدية وفق صلاحياتها المحدودة.
ولضمان تجربة بلدية مقبلة بنوعية أفضل يرى رضا ضرورة وجود دعم حكومي مباشر لموازنة المشروعات وتوجيه الوزارات الخدمية إلى تعاون أكبر مع المجالس في إطار ما أتاح القانون للمجالس الاطلاع عليه والتنسيق بشأنه بالإضافة إلى توفير هيكل إداري متكامل للمجالس البلدية يضم متخصصين وإداريين فضلا عن تعديل الوضع البروتوكولي وزيادة مخصصات الأعضاء وتوفير التأمين التقاعدي لهم والأهم من كل ذلك الإسراع في تعديل قانون البلديات.
وفيما يتعلق بدور المواطن في الخروج من أزمة فشل بلدية ختم محدثنا بوجهة نظره حيال ذلك إذ لخصها في ضرورة إطلاع المجتمع على صلاحيات المجالس بالإضافة إلى تقديم المقترحات وتشكيل اللجان الأهلية التي تتواصل وتدعم المجالس المنتخبة، الأمر الذي من شأنه أن يسهم في تطوير التجربة إلى الأمام ولاسيما بعد زيادة وعي المواطن بواقعه وبيئته التي أكبر دليل عليها عزمه على المشاركة في الانتخابات البلدية المقبلة وعدم اتخاذ المواقف السلبية وفق وصفه
العدد 1308 - الأربعاء 05 أبريل 2006م الموافق 06 ربيع الاول 1427هـ