العدد 1310 - الجمعة 07 أبريل 2006م الموافق 08 ربيع الاول 1427هـ

صفحة مرايا

في ساعةٍ متأخرةٍ من الليل، استيقظ أحمد على أنين توجعٍ منبثق من الغرفة المجاورة. انفصل عن سريره ليستفقد الصوت، وما أن وصل إلى غرفة ابنه الصغير- سالم - شعر بأن الصوت يقترب منه ففتح باب الغرفة ليجد سالماً ملقىً على الأرض يتلوى ألماً من مفاصله بالإضافة إلى انتفاخ اليدين والقدمين.

حمل ابنه على كتفه ونقله إلى المستشفى، وبعد دقائق من الانتظار وبين القلق والخوف سارع الأطباء في نقل الصغير إلى العناية المركزة بسبب حالته الصحية السيئة. وفي ذلك الوقت، وقف الأب على باب الغرفة يرى من نافذتها الزجاجية الصغيرة ابناً يتلظى ألماً محتضناً آهاته على سرير المستشفى، تحيطه مجموعة من الأجهزة ونخبة من الأطباء. دمعت عين الأب وهو يرى ذلك الأمر، فوضع رأسه على الجدار ليواسي دموعه الجارية على خديه.

أحمد... أحمد...

هناك ضيفٌ قادم اليوم، أظنك تأنس لرؤيته، فقد مضى زمانٌ بعيد منذ المرة الأخيرة التي ألتقيت فيها به. عند ذلك لفّ الغرفة صمت رهيب، دخلت امرأة حسناء بجمالها، فارعة بطولها، ضيقة بخصرها النحيل، بارقة بعينيها الزرقاوين وشعرها الأسود الذي انسدل على كتفها، وقالت: السلام عليكم، ألا زلت تذكرني يا أحمد؟ بخدودٍ محمرة وعينين ملؤهما الخجل أردفت عليها بأن عليكم السلام ورحمة الله، وإنني إن لم تخب بيّ الذاكرة إنكِ ابنة عمي سارة.

ابتسمتْ ابتسامةً عريضة مضت بي فيها إلى عالم الشقاوة التي قضيتها معها في ذلك المنزل الكبير، قبل عشرين عاماً من الآن. مازلتُ أذكر مشاركتها اللعب معي، وجدالنا في منزلٍ واسع لم يملأه صراخنا إلا صدىً، وحركتنا الدؤبة التي تملأ الجو روحاً. إنها سارة، هكذا الأيام انقضت وها هيّ تبدأ في التحوّر بأن نسعى لحياةٍ جديدة نصاحب بعضنا بعضاً فيها. أطلق عنانها والدي حينما كان يقول لي إن تلك المرأة هي من ستصبح زوجتي، هكذا قال أجدادي فيها.

لقد تمّ لهم ما أرادوا، ولا عصيان لي فيما طلب والدي. فبعد مدةٍ مضت عن الزواج حان الوقت لأن يشاركنا تلك الحياة شخصٌ آخر، وجاءت لتكشف لي عن آلامها والأعراض التي تطرأ عليها والتي لا تعرف سببها. جئتُ بها إلى المستشفى لأتمكن من تخفيف حدة تلك الآلام، أخذ الطبيب جرعة ليتمكن من فحص دمها ليظهر أخيراً بنتيجةٍ جاء فيها بأنّها مصابة بالسكلر إضافةً إلى حملها، وبأنها تحتاج إلى دم.

سارعتُ لفحص الدم من أجل أن أتمكن من توفير الكمية المطلوبة لها، لكن خيارات الإنقاذ تلك باتت خائبة، إذ إنني لم استطع مساعدتها بسبب حملي للمرض نفسه. أعياها التعب وأصبحت حالتها غير مستقرة، ما تسبب في ولادتها مبكراً وهي في شهرها الثامن.

عند ذلك خرج الطبيب ليوضح بأن حالة الجنين والأم في خطر معاً. وخـيرني بين بقاء أحدهما وموت الآخر، فلا يستطيع إلا إنقاذ حياة فرد منهما فقط. احترتُ فيما أختار، فهذه زوجتي وابنة عمي وشريكة عمري وطفولتي، أما هذا الطفل فلم يبصر نور الحياة فلن يتألم لفقدها، وأجبت الطبيب بأنني أريد الأم.

ولكن، تجري الرياح بما لا تشتهي السفن دائماً، فأنا أريد الزوجة وهي تريد الطفل ولكن الله يفعل ما يريد. فقد شاءت الأقدار بألا يستقر وضع تنفس الأم ويزداد سوءاً وهي في حال ولادة متعسرة، بذل الأطباء جهودهم لبقائها ولكنّ الموت قد أتمّ على أنفاسها.

آهٍ آه... كم كان حلماً ضيقاً... وابلٌ جفّ مطره... تنهد تنهيدة على صوتٍ يردد:

أحمد... أحمد...

ابنك يطلب رؤيتك، ولكن لا تطل الجلوس لديه، فحالته ليست مستقرة بعد.

ترددت في مسامعي قبل سبع سنواتٍ من الآن، حالما أخبرني الطبيب عن فقدان أمه لهذه الحياة وهو ابن دقيقة واحدة. رحلت وتركتني أجر معاناة جديدة بفقدانها، وطفل مصاب يتلوى ألماً من دون أن أتمكن من مساعدته ولو بقطرة دمٍ واحدة.


ذاكرة الشحاذ باتت تستوعبني

كتابة - آمنة إبراهيم المخلوق

هذا الصباح...

حييته...

ألقى إليّ بوردة...

شكرته...

- هي منه

واستدرت...

- منه؟!

إيماءة صغيرة و...

- نعم

بأعين دامعة...

- هو!

- نعم هو

صدمة كبرى...!

وردة صباحية ندية...

منه!

صباح آخر...

خريفي دافئ...

ووردة أخرى...

مع كوب قهوة ساخنة...

وكلمات الشحاذ...

- هي منه أيضاً...

صباح صيفي جديد...

أقفز على السلم...

أخطف جريدتي...

لألتقي وردتي...

يفاجئني في الزاوية...

بوردة جديدة...

الشحاذ ذاته...!

صباح مليوني...

ووردة أخرى...

تحول منزلي إلى مشتل زهور...

استلقي...

أرقب هاتفي...

متى يتوقف عن الحديث بالورود؟!

متى يتحدث؟!

صباح جديد...

لا شحاذ على الناصية!

لا ورد!

لا ابتسامة وليدة...!

يتلوه صباح آخر...

وآخر...

وآخر...

مات الشحاذ!

ولم تكن الورود...

سوى حكاية...

من وحي خياله...

كي يلهب خيالي...

بقصة مستحيلة...!

تباً للشحاذ وقصته المختلقة!


كوميديا عاطفية!

نص - زينب العالي

يا إلهي!

كيف استطاع المسرح أن يبتلع كل هؤلاء البشر في جوفه؟!

أصابعي ترتعش من خلف الستار

أصابعي فقدت التحكم بنفسها مُذ راقصتها أصابعك

سأصعد الخشبة بعد قليل

بالمناسبة دوري كوميدي

مأساتي معك كوميدية أيضاً!

يا لكوميديا القدر!

ها أنا أدخل بطريقة تهريجية بلهاء

كمثل دخولك في حياتي؛

العيون... العدسات... الكاميرات كلها مسلطة علي

غريب؟

فأنا وإياك اجتمعنا وافترقنا ولم يلتفت أحد؟!

أتراهم يبحثون الآن عنك؟

أين؟

في عيني أم في شيب رأسي؟

أتراهم سيستخرجونك من فمي؟

حمقى!

تحت أقدامي شيء من الثرى!

جنونٌ ما أقول!

جنونٌ ما أفعل!

أدائي عفوي ومتقن

كم كان أداؤك العاطفي

ركيكاً ومصطنعاً!

السيناريو فكاهي جداً

تمتد يداه تدغدغ خواصر الحاضرين

وتدغدغ ذاكرتي أيضاً!

يوم أن كان حبك نطفةً

تنمو في مهجتي

ثم علقة ومضغة

فلحم و عظام!

سبحانه قلبي الذي سواه في 6 أيام!

وسبحانه قلبك كيف وأده بظهر كئيب!

هل ذبحته على الطريقة الايرلندية

أم

بإجرامية عصابات شيكاغو؟

رباه!

هل قلت عصابات؟

إنني محاطة الآن بفرقة استعراضية كاملة!

يا لتلك الشمطاء كيف تضحك ملء شدقيها

حتى أنا... أليس شر البلية ما يضحك!

محاسن الصدف

شبق المشاعر

النهايات الحزينة

كلها شرور مضحكة...

أنت أيضاً... شر مضحك!

الجميع هنا تحت نشوة المتعة والاسترخاء

حتى المسرح

يرتشف الدعابة والمرح... حد الثمالة!

إلا أنا و فؤادي الدامي هذا...

كُلما أَطْلَقْتُ طرفةً...

لاحت عيناك لي كسكين حاد...

هل هناك ما هو أشد رعباً

في حياة إنسان

كانت عيناك ملاذه الآمن

يتشرد اليوم

من الضياع إلى الضياع ...!

أجزائي مفتتة من الداخل...

يصعب تجميعها

إلهي...

فلتحفظ لي هذا التماسك الخارجي الزائف!

براءة عيني ذلك الطفل

تضحكني... وتبكيني

إنه الوحيد

الذي يرى روحي

مخاوفي

هشاشتي

عجزي عن عالم أتظاهر بالسيطرة عليه

خشوعه الملائكي

أمامي...

وكأنني أردد لحناً سماوياً قدسياً!

كم

يكسرني

وينثرني

ويجمعني

ويبعثرني

ضحكات الحضور تتقاذف في وجهي

أبادلهم ابتسامة مبتورة

وبداخلي خشخشة غصن حزين

في الوجه عرس وفي القلب مأتم

يا لهذا الصداع النصفي

أي الدورين تراني ألعب الآن؟!

إنهم يقفون...

يصفقون... يتطاير الثناء هنا وهناك كفراش ملون...

انتهى العرض

حضروا مسرحية كوميدية بائسة

وأنت؟

إنني لا أراك... لا أراك!

وأنت الذي كاد حبك أن يقتلع عيني من محجريهما!

سقيا لك...

فقد كنت حاضرا المسرحيتين معاً

الكوميدية

والعاطفية


من القلب إلى القلب

نص - زينب فيصل الدلال

«تصمُتْ»

فيستهويني التجوال في أبعاد استغراقكَ في التأمل العميق...

سواءً أوجدتُه في عينيك كلّما طرفتا بشرود...

أو في عبوسكَ اللحظي إذ يتشكّل على وجنتيك في صورة تقطيبةٍ عابرة سرعان ما تزول...

أو في التواء شفتيكَ الطفيف...

«علامة التفكّر حين يصل عندكَ إلى ذروته»!!...

«وأصمُتْ»

فتدأبُ بدوركَ على حسن الاستماع إلى صدى السكون في محيطنا المتقّد بالعاطفة...

ولا تشتكي لوهلةٍ طول الانتظار...

ولا تملّ...

ولا تجترّ الحديث مني بكثرة الإلحاح!!...

ولكأنّ أحدنا أو كلينا يخشى الكلام...

ويتوجّس انطلاقاً حرّاً في الحديث يحدثُ أن يستلّ الحياةَ منه في أية لحظةٍ حبلُ الثواني لو التفّ بغتةً حول أعناق الحروف...

ليسلبها ويسلبنا الأنفاسَ على التوالي...

ونبقى على إثر هذا الاجتياح عاجزين عن الحراك...

أو الاحتجاج على حدٍّ سواء!!...

فبالله عليك...

أتلومني والصمت في آن؟

أم تلومُ بي سمةَ العناد ؟

أم تلوم تحامُلَ قلبي وعقلي عليكَ - معاً - إذا ما تماديتَ في بعدكَ والغياب..

وبترتَ بإهمالٍ أنامل اللقاء...

ثمّ تخبّطتَ في نزف المشاعر بلا يقين بوجهة الخلاص!!...

هل تُراك تنتظر مني أن أفصح وفي الشرح أسترسل؟

أم أنّكَ تفتّش في استقرار ملامحي عن بوادر

الوضوح؟

- ثمّة ضباب يحجب الرؤية بيننا!

فلطفاً لا تبحث الإجابات في لفتاتي...

أو تضطرب من تواتر أسئلتي...

أو تفزع ممّا بجعبتي من قلقٍ كثير...

فنحن الاثنان محضُ عاصفةٍ توشك على الهبوب...

وبين قلبي وقلبكَ بقعةٌ شفّافة تضجّ بالمفارقات!!

فتجمعنا في منطقة الخطر...

وبين الحين والآخر تعود بنا إلى حدود الأمان...

لنلتقي...

ونبتعد...

ونشتاق...

ثمّ نُباغتُ شوقَنا الجامح بزلّة الجفاء!

وفي غضون لحظاتٍ يعصف بتقلباتنا الكثيرة زائرٌ يُقال له:

«العتاب»!

فنرنو إلى صفاء الأجواء...

ونظلّ في خضمّ نزوعنا للتمرّد روحين تفيضان بالاحتياج...

وقلبين يصلّيان أن يبثّهما الصمتُ بالمزيد من أحاديث

الولع...

ليزهرَ «العشق» في نقطةٍ ما في السماء...

ويهطل التوقُ على الخلائق كالعطايا...

دون عدٍّ...

ودون حساب!!..

العدد 1310 - الجمعة 07 أبريل 2006م الموافق 08 ربيع الاول 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً