العدد 1317 - الجمعة 14 أبريل 2006م الموافق 15 ربيع الاول 1427هـ

قرار تاريخي لتحرير صفحة حقوق الإنسان في العالم

تأسيس «مجلس حقوق الإنسان» التابع للأمم المتحدة...

هل يمكن اعتبار تحويل لجنة حقوق الإنسان في منظمة الأمم المتحدة الى «مجلس» قراراً تاريخياً كما وصفه الأمين العام كوفي عنان؟ وهل يحق لسويسرا أن تشعر بالفخر لأنها صاحبت الفكرة من الأساس؟

يبدو أن الإجابة تتطلب إزالة عقبات كما أزالها التصويت لصالح المجلس، فقد أزال تصويت 170 دولة داخل الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة لصالح المشروع الذي تقدمت به سويسرا من أجل إقامة مجلس لحقوق الإنسان، ليحل محل لجنة حقوق الإنسان المتهمة بالافتقار إلى الصدقية، عقبة من بين الكثير من العقبات التي تعترض عملية الإصلاح المتعثرة داخل المنظومة الأممية.

ويبدو أن تقلص عدد المعارضين إلى 4 بلدان فقط وهي الولايات المتحدة و«إسرائيل» وجزر مارشال (عدد نسمتها 60 ألف نسمة) وجمهورية بالاو (عدد نسمتها 20 ألف) هو الذي اقنع واشنطن (التي تشدد سفيرها بولتن في التهديد بنسف المشروع)، باللجوء الى شيء من التليين في المواقف لحفظ ماء الوجه.

أما سويسرا التي كانت وراء المشروع، وعملت بجد على توفير الظروف لنجاحه، فقد اعتبرت على لسان وزيرة الخارجية ميشلين كالمي راي أن التصويت يمثل «انتصاراً كبيراً للدبلوماسية السويسرية»، بل ذهبت إلى حد اعتباره «فكرة سويسرية»، في إشارة الى أن صاحب الفكرة وصاحب المشروع هو الأستاذ السويسري فالتر كالين.

انتصار على أصحاب الحسابات السياسية

تصويت الجمعية العامة بغالبية 170 صوتاً من بين 191 بلداً، ومعارضة 4، وامتناع 3 دول (هي إيران وبيلوروسيا وفنزويلا) عن التصويت، يرى فيه السفير السويسري في نيويورك بيتر ماورر، الذي كان حجر الزاوية إلى جانب رئيس الجمعية العامة السويدي يان إلياسن في إنجاح هذا المشروع، أنه انتصار على «المبالغين في المطالب الذين تخفي مغالاتهم في المطالب نوايا سياسية هدفها إضعاف منظمة الأمم المتحدة».

قد يكون المقصود بهذا الكلام واشنطن التي لعب سفيرها في نيويورك، جون بولتن المعروف بتشدده، دوراً كبيراً في العراقيل التي برزت في الأيام الأخيرة والتي كادت أن تعصف بمشروع إقامة مجلس لحقوق الإنسان لو تم الرضوخ لمطالبته بإعادة فتح النقاش من جديد بشأن الشروط التي يجب توافرها في المجلس، وخصوصاً شروط اختيار الأعضاء فيه.

فقد تمسكت الولايات المتحدة بفكرة اشتراط العضوية في المجلس بالحصول على غالبية ثلثي البلدان الأعضاء في الوقت الذي توصلت فيه مسودة المشروع المعروضة على التصويت الى وفاق ينص على أن يكون ذلك بغالبية الدول الأعضاء (أي نحو 96 صوتاً). وهو ما اعتبرته المفوضة السامية لحقوق الإنسان لويز أربور تحسنا في انتقاء أعضاء المجلس عما هو سائد اليوم في لجنة حقوق الإنسان (إذ يكفي لدولة أن تحصل على 28 صوتاً لتصبح عضواً فيها).

في الوقت نفسه، يمكن أن يفهم من تصريحات السفير السويسري لدى الأمم المتحدة في نيويورك أن المقصود بها تلك الدول التي ترغب في تجنب أن يشار إليها بأصابع الاتهام في المجلس الجديد بأنها من الدول المنتهكة لحقوق الإنسان، وذلك بالمبالغة في إفراغ المجلس من الآليات الردعية، وهي دول عدة تنتمي إلى الشمال والجنوب على حد سواء، كما أنها بلدان إسلامية وأخرى غير إسلامية. وفي هذا السياق، قالت وزيرة الخارجية السويسرية: «إنه حل وسط جيد للغاية لأنه يرفع من قيمة المجلس نظرا إلى أنه مرتبط بالجمعية العامة مباشرة، ولأنه ينص على ضرورة إخضاع كل الدول بما في ذلك الدول الأعضاء لمراجعة دورية لمدى احترامها لحقوق الإنسان، واللجوء حتى إلى طرد بلد عضو لو تبين أنه يرتكب انتهاكات صارخة في مجال حقوق الإنسان».

عدة أسباب للارتياح

من جهة أخرى، تجد سويسرا - التي كانت وراء مشروع إقامة مجلس لحقوق الإنسان ليحل محل لجنة حقوق الإنسان - في هذه النتيجة مجالا لارتياح كبير نظراً إلى أن المجلس استطاع أن يرى النور بعد أسابيع من التعثر والشكوك وفي مواجهة معارضة دولة كبرى مثل الولايات المتحدة الأميركية.

يضاف الى ذلك أن نجاح سويسرا في الإقناع بأن يكون مقر المجلس في جنيف (نظرا إلى تقاليد المدينة في مجال حقوق الإنسان والقانون الدولي ولأنها احتضنت على الدوام أشغال لجنة حقوق الإنسان ومعظم آلياتها)، سيعزز من مكانة جنيف الدولية على المدى المنظور وخصوصا أن الكونفدرالية ستحتضن لأول مرة محفلا دوليا دائما، نظرا إلى كون المجلس سيعقد جلساته بشكل دائم على خلاف لجنة حقوق الإنسان التي كانت تلتئم مرة واحدة ولمدة 6 أسابيع.

وأعربت وزيرة الخارجية منذ الآن عن نية سويسرا في ترشيح نفسها لشغل منصب بلد عضو داخل اللجنة، وهي العملية التي سيشرع فيها ابتداء من يوم 9 مايو/ أيار المقبل على أن يعقد المجلس الجديد اولى جلساته في 19 يونيو / حزيران.

ووصف الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة كوفي عنان (الذي يعاني من صعوبات جمة في تمرير مشروعات إصلاح المنظومة الأممية) القرار بـ «التاريخي». واعتبر أنه «يعطي المنظمة الأممية فرصة هي في أشد الحاجة إليها من أجل الشروع في انطلاقة جديدة لصالح حقوق الإنسان في العالم». ومع أن الأمين العام للأمم المتحدة اعترف بأن «كل فقرات الحل الوسط سوف لن ترضى عنها كل الدول»، بسبب طبيعة العلاقات الدولية، فإنه اعتبر أنه «يسمح الاحتفاظ بآليات قوية في لجنة حقوق الإنسان مثل الإجراءات الخاصة ومشاركة المنظمات غير الحكومية، كما أدخل تعديلات لتفادي نقاط ضعف لجنة حقوق الإنسان».

من جانبها، اعتبرت المفوضة السامية لحقوق الإنسان لويز آربور أن مجلس حقوق الإنسان «يتعدى مجرد كونه صورة محسنة للجنة حقوق الإنسان»، مشددة أن «على الدول الأعضاء في المجلس الجديد التعهد بالتزامات فعلية في مجال حقوق الإنسان لكي يتم انتخابهم».

من الأقوال إلى الأفعال

أما منظمات المجتمع المدني التي عادة ما تبدي انتقادات صارمة لمحافل حقوق الانسان الدولية، فقد عبرت غالبيتها عن الارتياح للنتيجة التي تم بها التصويت لصالح إقامة المجلس ولو أن الجميع ينتظر رؤية تصرف الدول داخل هذا المحفل الدولي الجديد لحقوق الإنسان قبل الحكم له أو عليه

العدد 1317 - الجمعة 14 أبريل 2006م الموافق 15 ربيع الاول 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً