قانون الجنسية البحريني صدر 16 سبتمبر/ أيلول 1963 واجريت عليه تعديلات في العامين 1981، 1989 ولكن ما يجري في البحرين لا يرتبط بمواد القانون، والبرلمان ليس له حق في ما جرى في الحقبة التي سبقت تشكيله في اكتوبر/ تشرين الاول 2002. لكن الأسئلة والممارسات الصحيحة والخاطئة والاستفسارات والاشاعات جميعها استمرت وألقت بظلالها على الحياة العامة في البحرين من دون أجوبة شافية. قصص التجنيس في البحرين كثيرة، وبعضها لايحزن المرء لانها تكسب البحرين خبرة، ولكن هناك ما هو مؤلم لأنه يمس من مشاعر البحرينيين كثيراً.
أحد رجال الأعمال البحرينيين كان لديه سائق آسيوي خاص به، يتحدث العربية بأسلوب «مكسّر»، وفجأة جاء السائق لرجل الأعمال وقال له «انا بحريني...». السائق سابقاً أصبح مواطناً، وأصبح لديه آسيويون يعملون على حسابه. هذه القصة الحقيقية تحمل مدلولات كثيرة، ولا يشعر بها الا الشخص الذي تكون ملامحه مختلطة، اذ انه عادة ما يسأله الآخرون في الدول الخليجية عندما يذهب إلى زيارة عمل «هل انت بحريني؟»... يجيبهم «نعم!». لكن السائل يعود ليكرر «أقصد انت بحريني بحريني، لو بحريني متجنس؟».
وفي ديسمبر/ كانون الأول الماضي أعلنت المغنية السورية أصالة نصري انها أصبحت بحرينية. وقالت لوسائل الاعلام عن السبب في حصولها الجنسية البحرينية: «والله أنا ما بعرف (...) هذه الجنسية معنوياً تعني لي الكثير، فأنا كنت قريبة من نفوس الخليجيين وأغنياتي أثرت فيهم، وقدمت لوناً لا يستطيع غيري أن يقدمه، وهي أغنيات الطرب الخليجي، لذلك، يشرفني جداً حصولي على جنسية من إحدى دول الخليج، والبحرين تحديداً تربطني بمن فيها علاقة صداقة قوية جداً، ومبسوطة أنني أصبحت خليجية». وعن تأثير حصولها على الجنسية البحرينية على الشارع السوري، قالت: «في سورية، نيلي الجنسية البحرينية، لا يُسقط عني الجنسية السورية، وأنا جداً أتشرف بأنني أمثل سورية، وبالتالي المفروض في سورية أن يفرحوا لأي نجاح أحققه، وحصولي على الجنسية البحرينية هو شكل من أشكال النجاح».
نصري تزوجت حديثاً من شخص يحمل جنسيتين مختلفتين، بينما تحمل هي الجنسيتين السورية والبحرينية، ولذلك فان أبناءهما ربما ستكون لهم خيارات أربعة في تحديد الجنسية التي يودون الارتباط بها.
بعيداً عما قالته الفنانة أصالة نصري، وبعيداً عن احتمالات اخراج ما قالته عن إطاره، فان هناك من يطرح ان البحرين جنست آخرين رفعوا «علم البحرين» عالياً في عدد من المسابقات الدولية. فهناك شاب يمني صغير يحفظ القرآن حصل هو وعائلته على الجنسية وعلى منزل في مدينة حمد، وهناك الرياضيون الذين جلبوا للبحرين ميدليات ذهبية في الرياضات المختلفة. كما ان هناك أكاديميين وخبراء حصلوا على الجنسية وهم ممن يخدم البحرين بجد واخلاص واجتهاد. وفي الأعوام الماضية أجرت «الوسط» عدة تحقيقات عن التجنيـس، وخلصت الآراء إلى ان قضية التجنيس تمثل أبرز الملفات السياسية الحساسة، ولكن حتى الذين انتهجوا خطاب المعارضة فانهم يقولون ان التجنيس الذي يتم وفقا لشروط التجنيس ليس مشكلة بالنسبة إليهم، ولكن المشكلة حدة اللغة تزداد عندما يستوحي البعض من أن التجنيس هدفه سياسي... «من اجل احداث تغيير ديمغرافي للبلد وطبيعة تركيبته السياسية».
ومن دون شك، فان طريقة التعاطي مع ملف التجنيس اختلطت ببعض العبارات «العنصرية» التي لايصح استخدامها لإهانة الناس الذين حصلوا على الجنسية لانهم استحقوها. وحتى الذين لم يستحقوها، فالذنب أساساً ليس ذنبهم، ولايمكن استخدام لغة عنصرية تجاههم. ولعل أفضل مثال لفهم الاشكالية التي يقع فيها البحرينيون هو انتشار إشاعة في نهاية العام 2003 مفادها ان قوات الاحتلال الأميركي عرضت على بعض القبائل العربية (السنية) التوسط لدى الحكومة البحرينية بهدف الحصول على جنسية بحرينية تكون معهم ويضيفونها إلى جنسيتهم العراقية مقابل التعاون مع الأميركان. وكانت الإشاعة قوية إلى الدرجة التي اضطر فيها الحاكم الاداري الاميركي حينها بول بريمر إلى التصريح رسمياً في 13 ديسمبر 2003 بالقول «ان الادارة الاميركية لم تعرض منح الجنسية البحرينية على قادة وزعماء بعض العشائر العراقية»، مؤكداً «ان التقارير التي تحدثت عن ذلك عارية عن الصحة، وانه لم يسمع بهذه التقارير الا اليوم»، ووصفها بانها «مجرد نكتة».
مزيد من التناقض في الملف نراه في الحملة التي شنتها المنظمات الحقوقية والنسوية لضمان اكتساب «أبناء البحرينية المتزوجة من أجنبي الجنسية البحرينية». وقد اقترحت الحكومة تعديلات لقانون الجنسية في 5 مارس/ آذار 2006 وأحالته إلى مجلس النواب بانتظار اقراره. وفي هذه الحال نشهد تعاطف الجميع نحو تحقيق هذه الغاية، بعكس حالات أخرى.
التجنيس وإلغاء الجنسية
لعل الحديث عن التجنيس يرتبط بموضوع الغاء الجنسية، ولكن هذا الموضوع يرتبط بقضايا انسانية واعتبارات استراتيجية كثيرة. وحتى البلدان التي تسمي نفسها ديمقراطية (مثل بريطانيا) شرعت لنفسها قوانين تعطيها الحق لسحب جنسية الاشخاص الذين تجنسوا ولكنهم ثبت انهم يمثلون خطراً على الأمن الوطني. وفي 12 يونيو/ حزيران 2005 أعلن وزير المواطنة والهجرة في الحكومة الكندية جو فولبه أنه سيطلب من الحكومة اصدار قرار بتجريد خمسة ممن سماهم «مجرمي الحرب النازيين» من جنسيتهم الكندية. كما وسحبت الجنسية الاردنية الممنوحة للبطريرك ايرينيوس في يونيو من العام الماضي «بسبب تورطه في صفقة تتعلق ببيع ممتلكات الكنيسة الارثوذكسية في القدس من مستثمرين يهود».
وفي أبريل/ نيسان سحبت قطر جنسية 5 إلى 6 آلاف شخص من قبيلة «بني مرة» بحجة «ازدواجية الجنسية»، ولكن الحكومة القطرية أعلنت في مطلع العام الجاري «إعادة الجنسية» ولكن استثني عدد من أفراد قبيلة آل مرة لـ «دواع أمنية» بحسب ماذكرت صحيفة «الشرق الاوسط». وفي فبراير/ شباط من العام الماضي اعلنت وزارة الداخلية التركية أنها سحبت الجنسية التركية من أكثر من 46 ألف مواطن تركي منذ العام 1980 وحتى الآن، لأنهم «حصلوا على الجنسيات الاسرائيلية واليونانية والألمانية».
كما أعلن وزير الداخلية السعودي الامير نايف بن عبد العزيز في فترة سابقة ان الجنسية السعودية ستسقط عن المتورطين في اعمال ارهابية من ابناء اسامة بن لادن زعيم «تنظيم القاعدة» والمطلوب رقم واحد في العالم والموجودين معه في الخارج. وأوضح في تصريحات صحافية «ان ابناء زعيم تنظيم (القاعدة) المتورطين في أعمال ارهابية مماثلة لما يقوم بها والدهم ستسقط عنهم الجنسية السعودية أسوة بوالدهم الذى اسقطت عنه الجنسية في العام 1994 بعد ضلوعه في نشاطات ارهابية دولية». وبحسب صحيفة «الشرق الاوسط» فإن لزعيم «تنظيم القاعدة» اسامة بن لادن 11 ابنا بعضهم يعيشون حياة طبيعية داخل السعودية فيما يقيم خارج المملكة ستة من ابناء اسامة الذكور. الجنسية، اذاً، أصبحت في مهب الرياح السياسية التي مازالت تعصف بملفات عدة
العدد 1320 - الإثنين 17 أبريل 2006م الموافق 18 ربيع الاول 1427هـ