تناولنا في الفصل السابق نوعاً من الزندات وهو الخنفساء البرية المعروفة عند العامة باسم الجندب وكذلك يرقة هذه الخنفساء المسماة أبواحديب أو أبواهديب. وسنتناول هنا ثنائية أخرى وهي نوع من الخنافس الكبيرة تسمى الجعلان وهي تستعمل كزندة للطيور الكبيرة وكذلك يرقاتها تستخدم كطعم للطيور الكبيرة.
يقال جعلان والمفرد جُعل وكنيتها أبوجعران وأم جعران وأم جِعرانه والعامة تسمي الجُعَل الواحد جِعران، وجاء من اسمائها في لسان العرب «أبو وجزه» وجاء في كتاب «حياة الحيوان» للدميري أنها كنيت بأبي جِعران لأنها تجمع الجعر اليابس وتدخره والجعر هو رَوَث البقر. ومن عائلة الجعلان يستعمل الجعل أو أبوزنة كزندة للطيور الكبيرة، وقد ذكر سيف الشملان في كتابه «الألعاب الشعبية الكويتية» أن الجعل أو أبوزنة يستخدم كزندة لصيد الطيور الكبيرة مثل الشرياص.
في البحرين يعمم الأسماء أبوزنه والزنان على عدد من أفراد عائلة الجعلان وذلك لأنها تزن أي تصدر صوتاً حكايته زِنّ، والأرجح أن «أبوزنه» هو نوع من هذه العائلة وهو الذي يصنع من روث البقر كرات ويدحرجها، بعدها تضع الأنثى بيضها داخل هذه الكرة وما يدل على ذلك الأمثال الشعبية التي ارتبطت بهذا النوع من الجعلان، ومن هذه الأمثال المثل الشعبي: «أبوزنه يتمنى الجنة»، وقد أخبرني أحد الإخباريين أن حكاية هذا المثل أنه قيل لهذا الجعل إذا نظفت الأرض من فضلات البقر ستذهب إلى الجنة، ولذلك تراه مجداً في العمل لأنه يتمنى الجنة، وجاء في كتاب «موسوعة الأمثال الشعبية» للناصري عن هذا المثل أن العامة تقول «أبوزنه يتمنى الجنة» و«أبوزنه يخطب الشمس» و«أبو زنه يخطب بنت الشمس» لأنه يطير عالياً بأجنحته الصغيرة كأنه يريد الوصول إلى الشمس، ويضرب المثل للوضيع الذي يروم المراتب العالية».
وذكر الناصري مثلاً آخر ارتبط بهذا الجعل وهو «أبوزنه يزن وما يطيح إلا في فخاره»، والفخار نوع من الطعام يعمل للبهائم لدر الحليب ويصنع من سمك العوم والشوار (أي قشرة الحنطة) ويضاف إليه كمية من الماء ويوضع في إناء كبير ويخمر. وعلى رائحة هذه الفخارة يقع أبوزنه في الإناء ويموت. وربما يكون يبحث عن الروث فيسقط فيها.
يعتبر العاقور من الزندات كبيرة الحجم لذلك يستخدم للطيور الكبيرة، والعاقور هو اسم يطلق على يرقة لنوعين من الخنافس، وكلا النوعين يتغذى على النخيل مسبباً أضراراً لها، وبذلك يعتبران من الآفات الضارة بالنخلة فهو «يعقر» جذع النخلة وعذقها وسعفها ومنه جاءت التسمية المحلية «العاقور».
جعل النخيل، وتسمى أيضاً حفارات عذوق النخيل وهي مجموعة من الخنافس كبيرة الحجم والتي تهاجم عذوق نخيل التمر وتتبع عائلة الجعلان، وهو المعروف بالتسمية العلمية Oryctes elegans وتسميه العامة «گرَّاض (قَرَّاض)» وقد سُمي بذلك لأنه يَقرض عذوق النخل وسعفه وقلبه. وحتى يرقته تعيش على أكل جذور النباتات وتسميها العامة «عاگور» أي عاقور لأنها تعقر الجذور أي تحفرها. وجاء في معجم لسان العرب: «المُقَرِّض: ذكر الخنفساء وهو الحُوّاز والمدحرج والجعل». والبعض يسمى القراض أبوزنه أو الزنان لأنه يزن أي يصدر صوتاً حكايته زِنّ والأرجح إن «أبوزنه» هو النوع سابق الذكر.
يبلغ طول القراض أو جعل النخيل 34-36 ملم في الأنثى و 28-34 ملم في الذكر ولونها قهوائي أحمر لماع والجناحان الأماميان كسوهما وبر قصير فاتح اللون. ويحمل الرأس قرن قهوائي يكون طويلاً في الأنثى وقصيراً في الذكر. وتتغذى هذه الحفارات عن طريق حفر أنفاق سطحية على طول عضد العذق لتمتص العصارة من أنسجته. ونتيجة لهذه الإصابة يصبح العذق سهل الكسر بواسطة الرياح. وإن لم ينكسر العذق المصاب فإن الثمار الموجودة عليه تذبل وتتجعد مع بقاء لونها الأخضر. ولو أن هذه الثمار تسقط بكميات كبيرة إذا ما اهتز العذق.
أما يرقات حفار عذوق النخيل والتي تسمى محلياً العاقور فتتميز بجسمها الغليظ المجعد والمقوس في المؤخرة ولونها سمني يميل إلى البياض. وتتميز اليرقات أيضاً بوجود ثلاثة أزواج من الأرجل الصدرية القوية، ويوجد في مقدمة رأس اليرقة فكوك قوية تمكنها من الحفر في التربة.
وهذا الحفار هو نوع من الخنافس الكبيرة تنتشر في كثير من مناطق زراعة النخيل، ويبلغ طول الأنثى البالغة نحو 3- 4.5 سم والذكر نحو 2.1 - 3.2 سم، والحشرة لونها أسمر محمر (بني) مستطيلة الشكل ومسطحة، وقرون الاستشعار لديها أطول قليلاً من الجسم، وللحشرة جيل واحد في السنة.
وتعرف يرقات هذه الحشرة عند العامة باسم «عاگور» أي عاقور، وتكون اليرقات حديثة الفقس لونها أبيض وردي ثم يتحول إلى «كْريمي» مع قدم العمر واليرقة بيضاء أسطوانية طولها 4.5 سم عند تمام نموها وهى عديمة الأرجل تسترق حلقاتها تدريجياً من الرأس نحو نهاية البطن. تسبب هذه اليرقة أضراراً بالغة في للنخيل؛ إذ إنها تحدث أنفاقاً في الجذع كما تثقب الكرَب والعذوق وحتى قلب النخلة ويستدل على وجود هذه اليرقات ظهور ألياف حمراء مهضومة تسد بها منافذ الثقوب، كما تؤدي الإصابة إلى إفراز الشجرة مواد صمغية عند منطقة التغذية، ومن المعلوم أن كثرة الأنفاق في جذع الشجرة تؤدي إلى تمزق الأنسجة والحزم الوعائية التى تحمل الغذاء والماء وبهذا تضعف النخلة وقد تنقصف إذا تعرضت لرياح شديدة.
في الماضي كانت تحضر العامة العديد من «الخلطات» التي كانت تعتبر وصفات «طبية» إلا أن كثيراً من تلك الخلطات لم تعد تحضر ولم يعد أحد يستسيغها، ومن تلك الخلطات الغريبة هي خلط العواقير بالتمر وأكلها، وهنا نقدم بعض التفاصيل عن هذه الخللطة.
يبدأ أولاً بتحضير عجينة التمر؛ إذ يبدأ إزالة النوى من التمر وهرسه مع بعض في عملية تعرف باسم «التحييس» وهو ضغط التمر باليد مع بعض حتى يصبح عجينة واحدة متجانسة، بعد ذلك يتم قطع رأس «العاقور» وعجنه مع التمر حتى تصبح العجينة متجانسة. وتوصف هذه الخلطة خاصة للأطفال الذين يتبولون في فراشهم ليلاً. فقد زعمت العامة في البحرين أن الطفل الذي يتبول لا إرادياً في فراشه ليلاً يعاني من ضعف في الظهر، وأن من يتناول شحم العاقور المخلوط بالتمر يقوي ظهره. وهكذا تسمع العامة وهي تصف الوصفة الطبية للطفل المصاب تقول: «حيسو له عاقور في تمرة»
العدد 3190 - الأربعاء 01 يونيو 2011م الموافق 29 جمادى الآخرة 1432هـ