تتناول صفحة «ريضان» في ملفها الشهري تجربة شعرية بحرينية وتحاول الامساك في قراءة واعية بالمسارات التي تتحرك فيها تجربة الشاعر والتي لها مميزاتها التي أهلتها للعرض والدراسة.
خلال عام واحد منذ أن تناول معد الصفحة جعفر الجمري في الملف الشعري الثاني تجربة الشاعر عبدالله حماد بالدراسة وحتى الملف الأخير عن تجربة شاهين المضحكي استطاعت صفحة «ريضان» أن تطور من أدوات ومداخل حضورها وفعاليتها في الساحة الشعرية الشعبية في البحرين من خلال ردود الفعل الكثيرة والغامرة التي جاءت لتؤكد الجهد الكبير الذي بذل في الصفحة الذي جاء بطرح ونظر ورؤية بل ورؤيا مغايرة لما هو قائم في صفحات الشعر الشعبي.
الملف الشهري كان تتويجا لجهود كبيرة قام بها الجمري خلال الفترة التي اطلع فيها بمسئولية الإشراف على صفحة «ريضان». إذ عمد الى تبويب جميل في الصفحة والى توظيف جمالي يرتبط بالخلفيات والإخراج المتصل بالقصيدة، واهتمام حقيقي بها. حتى اذا حقق جزءا من طموح «ريضان» عمد الى الألوان التي أضافت الكثير، فكانت الصفحة حقا مجالا خصبا لتجارب شعرية جميلة للمشروعات بعيدة الأمل التي يتطلع اليها.
ولكن لا أحد يختلف على أن «ريضان» بملفها الشهري حققت حلما طالما راود المهتمين بالشعر الشعبي بصفحة شعبية لا تقدم الشعر فقط وانما تكون بمثابة مجس واستقطاب يرصد مجمل الموضوعات التي تعني الساحة الشعرية الشعبية.
الواقع يفرض أن يكون معد الصفحة ذا إلمام بالشعر الفصيح وممتلكا لجانب من الحس النقدي من ملاحظة وقدرة على الاستنتاج والشاعر المعد جعفر الجمري استطاع أن يوظف كل ذلك في جهد متميز وذلك ما تشهد به جملة من آراء الشعراء في البحرين.
نبع الثقافة والشعر... كلها خير
متميزة بكْثير عمّن سواها
جينا نهنّيها عسى عامها خير
«ريضان» وبس من يُوصله مستواها
وجعفر الجمري فَعَلْ كل تطوير
ويْمينه الديري تَعَبْ في علاها
يا بخْتها فيكم لكم كل تقدير
وربّي يوفقكم وتعلوا معاها
أكتب هذه الكلمات تحية وتقديرا لصفحة «ريضان» مهنئا بملفها الشهري الذي كان بحق خطوة جديرة بالاشادة وبهذه المناسبة أتمنى أن تسعى بجد لأن تكون صفحتين وأعتقد أن هذه أمنية جميع المهتمين بالشعر.
في الكثير من المشروعات التي تطل برأسها ثم تختفي فجأة لا تشعر بحسرة كبيرة، لأنها تظل مشروعات مؤقتة، وُجدت لتموت، إلا أن بعض المشروعات أو محاولاتها - كي أكون أكثر تحديدا - يمكنك أن تتلمّس نتائج ما هو مقبل في الطريق اليك والى الساحة عموما من خلالها، وهي بالمناسبة قليلة وتكاد لا تُرى لفرط المشروعات التي تطل برأسها كل لحظة في عدد من الصحف.
«ريضان» استطاعت أن تُوجد علامة فارقة في العمل الصحافي المتخصص والمهني، من خلال تعاملها أولا مع النصوص من حيث قيمتها من جهة، ومن حيث ترتيب حضورها من جهة ثانية، اضافة الى التأسيس لمبدأ التقديم، الذي اعتبره اطلالة نقدية سريعة على العمل المنشور، من جهة ثالثة، مع ملاحظة أن تلك التقديمات انحازت في الفترة الأخيرة الى اللغة في جانبها الاستعراضي، أكثر من انحيازها الى ما بدأت به. على أن ما يجب ملاحظته هنا هو الجهد الذي تم بذله في إخراج الملف الشهري الشعري، الذي يمكننا أن نحدد العلامة الفارقة من خلاله، بما توفر له من نبش واعادة قراءة وتقديم لأصوات شعرية ظلت لفترة من الزمن إما عرضة للنسيان، أو عرضة للسخط من قبل أطراف أكثرنا يعرفها في الساحة. لكن ما يؤخذ على الملف هو انحيازه لأصوات ذكورية بنسبة في المئة، الأمر الذي يُفهم منه - أو هكذا يبدو الأمر - أنْ لا أصوات نسائية اطلاقا في مملكة البحرين، وفي ذلك افتراء أو تغييب كبير لواقع الأمر.
بداية وقبل أن أتحدث عن ملف «ريضان» الشهري يلزمني تأكيد شيء مهم هنا يتعلق بصفحة «ريضان» وهي الصفحة الأم التي تحتضن ملف ريضان الشهري. فأنا والحق يقال لا أقرا سواها من صفحات الشعر الشعبي واخصها باهتمام كبير نظير ما تقدمه من مادة ربما لا توجد في أية صفحة شعبية أخرى، إذ أقرأ فيها الشعر النبطي والتجارب الحديثة، الى جانب بعض المقالات المهمة. فاذا انتقلت للحديث عن الملف الشهري الذي يتناول بالدراسة والتعريف شاعرا بحرينيا، فالحق أقول إن «ريضان» استطاعت أن تبرز أسماء كانت غائبة عن الساحة الشعرية حين تعرضت لها بالنقد وأبرزت جانبا من تجربتها. وهي خطوة مهمة وسبّاقة فعلا وجاءت بالجديد في الساحة الشعبية واختصرت على المتلقي مسافات للتعريف بالشاعر البحريني. غير ان هناك أمرا مهما أود من معد الملف في المرات المقبلة أن يلتفت اليه وهو الاهتمام بالشاعرات، أي بالعنصر النسائي فالملاحظ غياب العنصر النسائي في الأعداد السابقة من الملف.
شهادتي بشأن الملف الشعري لـ «ريضان» مجروحة، لأنني أحد الذين احتفت بهم الصفحة في ملفها الشعري. ولكنني أقول إن تجربة كهذه خطوة كبيرة ومهمة وأكبر من مستوى ساحتنا الشعرية. ولكن من المهم أن تستمر بتناول تجارب أخرى. إذ أرى أن الشعراء الكبار تم تناولهم في الملف أما الشعراء أصحاب التجارب التي تمتد الى خمسة أعوام أو أكثر بقليل فلم يتم تناولهم وحبذا لو ألقى معد الصفحة الضوء عليهم. كما أنني أرى من الضرورة الاهتمام بالشعراء غير البحرينين الذين لهم حضورهم كالشاعر محمد مسعد الصيادي وآخرين.
أرى أن تجربة بحجم ملف «ريضان» الشهري سباقة. وأهم شيء يتعلق بهذه التجربة الفريدة أنها عرّفت بالشعراء الذين سُحبت منهم الأضواء عن عمد أو عن غير عمد، وذلك أمر مهم يحسب للصفحة في مواجهة ما تقوم به بعض الصفحات من محاباة بسبب العلاقات الشخصية. فـ «ريضان» ظاهرة فريدة من نوعها وجديرة بالاستمرار وخصوصا أن الكثيرين يودون أن تتاح لهم الفرصة ليكونوا ضيوفا على الملف الشهري.
منذ الوهلة الأولى لخروجها الى النور، وهي تحث الخطى نحو التفرد مدركة لما في هذا التوجه من معاناة استقطبت بعض الأقلام التي تحلم كثيرا، فالحلم خطوة الى النور، ولكن المنجز قليل وذلك لاعتبارات من الصعب ذكرها في هذه العجالة، وعلى رغم شعورها بالفقد والوحشة لأن ثمة توجه لاجتثاث حتى الأحلام، توجه لمسح ذاكرة الإنسان، ذاكرة المكان والزمان وان تصبح الأشياء بلا قيمة بلا روح تفقد العصافير أجنحتها والشمس ضوءها الغامر، والأزاهير أريجها ولكنها على رغم ذلك مازالت تبحث عن جواهر الأشياء بعيدا عن الأضواء والصخب.
تستشرف «ريضان» بملفاتها الشهرية الكثير من التجارب العميقة الملفتة نهرا من الدفء والاحتضان لتكون لها الريادة في هذا التوجه الجميل بعيدا عن التأطير والتأريخ والأرشفة، فليست تلك من مهامتها وقد تميزت هذه الملفات بالطرح الجاد والمزاوجة بين المضمون والإخراج الفني الأنيق.
«ريضان» تختزل المسافات بطرحها الملفات الساخنة المنحازة الى الجميل دائما والمهمّش قسرا وهذا سر من أسرار تألقها فهذه دعوة ملحة لـ «ريضان» بأن تفتح ملفات زمن العز......لة.
لا شك في أنها خطوة جديدة وجديرة بالاهتمام. والحق أنها صفحة استطاعت أن تختط لها اسلوبا خاصا. إذ إنه من المهم أن تحاول كل صفحة أن تختط لها اسلوبا معينا. وأتمنى من الملف الشهري في دوراته المقبلة أن يستضيف تجارب أخرى كبيرة كتجربة مبارك العمّاري وعبدالله الدوسري وهنادي الجودر مثلا!.
صفحة «ريضان» عموما صفحة متميزة وزادها الملف الشعري تميزا. فهي صفحة يعنى فيها معدها كثيرا بالنواحي الابداعية والجمالية والحق أن الصفحة من هذا الباب هي الأجمل وزادها جمالا تلك الموضوعات المتميزة التي تطرحها والتي تتناول مجمل قضايا الساحة الشعرية. إن «ريضان» بملفها الشعري استطاعت أن تلقي الضوء بقوة على جملة من الأسماء الشعرية ذات الحضور في المشهد الشعري البحريني.
ذات حقيقة وفي العام تحديداً كنت والمعد على موعد لاختلاف مهني بحت لم تنقصه الصراحة، ولكنا نؤطر هذا الاختلاف بإطار الاحترام المتبادل حتى اراد الله لنا لمّ الشمل، وعلى النقيض كنت أراقب ساحة الشعر البحرينية التي كانت ومازالت تقبع في كف عفريت لم تنقصها محصلات بعد المسافة وبعد التفكير وبعد الانسجام الذي لم اجد له مبرراً، غير أن هناك عقولاً يجب أن يعاد تدويرها في مصانع الثقافة والمدنية.
كنا بحاجة الى من يعيد تقويم وتقييم هذه الساحة من الاعوجاج والانفلات، ولم تكن منابر صفحات الشعر الشعبي بعيدة عن أو بريئة من تفاقم الوضع، مع ذلك جاءت صفحة «ريضان» بشكل مختلف تماما عن المألوف... جاءت تؤطر لعمل صحافي خبير استطاع من خلالها المعد بسياسة فكرية ان يتخطى حاجز الكبوات التي مرت بها الصفحات الشقيقة، وقد كان الملف الشهري للشعراء الذي يعده الجمري مرحلة فاصلة قفزت بصفحة «ريضان» الى أبعد من كونها صفحة شعر عادية، ولم يكن «أخوة يوسف» ليفطنوا الى حبكة العمل الصحافي واعداد الصفحات واستغلال تلك المساحة الشاسعة الممنوحة لهم، فاما ان تكون الصفحة في ثوب رث قديم واما ان تتوسد فتنة عمياء. وقد تكون الخبرة الصحافية هي البون الشاسع بين الأمرين.
لقد أضاف الملف الشهري حلقة أخرى من حلقات التواصل بين الصفحة والقارئ والشاعر، واستطعنا من خلاله التعرف على جوانب اخرى لبعض الشعراء الذين تناولهم الملف، جوانب فلسفية في الشعر وجوانب ابداعية ورؤى مختلفة اشبعت فضولنا، وكان ذلك مدعاة اعتزاز من الجميع، وكم هو الفرق بين معد يسرق منه احيانا فكر أو بمعنى آخر... تسرق عقلك افكاره... وبين معد يجعلك تدور في دوامة جدل لا نفع منه.
#أحمد درويش: تميزت بالطرح
العدد 1366 - الجمعة 02 يونيو 2006م الموافق 05 جمادى الأولى 1427هـ