صادفته في أحد مجالس الشعر وعرفته عن قرب منذ سنوات طويلة تحديداً في العام . الشاعر محمد بن جاعد الظفيري أحد الجميلين شعراً من شعراء تلك الفترة، نعم اسمه مألوفاً لدى جميع المهتمين بالشعر آنذاك... أجدني مضطراً لذكر بعض أسماء الشعراء الذين كان من بينهم شاعرنا... أولاً لزاماً عليّ أن أحدد المكان ليعزز ذكر الزمان. المكان هو مجلس الشاعر الشيخ عيسى بن خليفة آل خليفة وكان الأخير معد صفحة من الصفحات المهتمة بالشعر الشعبي وهي صفحة أضواء شعبية في صحيفة «الأضواء» قبل أن تتوقف... كان ذلك المجلس عامرا بصاحبه ورواده ملؤه الإلفة والمحبة الصادقة بين شعراء وأصدقاء المجلس، منهم الشاعر عبدالله بوغمار والشاعر خلف العنزي والشاعر عايد العنزي والشاعر المعروف سعيد بن صياح النعيمي والشاعر فواز عوده الشرعه، والكثير الذين لا يسعني ذكرهم. كان ذلك اللقاء الأسبوعي موعوداً بالمفاجآت من دون وعود وتنسيق فعلاً كانت أجواء شعرية ومدرسة تعلمنا منها الكثير أنا وغيري من المبتدئين شعراً وخبرة.
لقاء أسبوعي ولكن كان لقاء فيه النوايا صادقة، كان شاعرنا أجمل من صادفت ومن دون مجاملة شعراً وأخلاقاً، شعره يجعلني في حيرة ويتركني في منتصف دروب لا أعلم أين أرحل بفكري، ومن أي إتجاه فإن قلت بأنه من شعراء التجديد «الحداثة» أجدني مخطئاً وإن صنفته أحد شعراء التقليدي أيضاً لم أكن موفقاً في تصنيفي - فلقد مزج شاعرنا محمد بن جاعد الذوقين في إناء واحد ومنذ ذلك الوقت هو هكذا لم يخلع ثوب أسلوبه لمجرد إغراء بعض الكلمات له.
يحترم الشعر ولذلك أصبح من المحترمين عند الشعر! فهمه للشعر وتبعاته عميق وعلى رغم ذلك العمق تجد الهدوء يطفي على ملامحه فهو كثير الصمت ولا يحبذ الدخول في حوارات لا تغني نهمه الشعري، علاوة على ماذكرت فهو يمتلك موهبة الإلقاء المميز والتي يعززها ببحة صوته الواضحة فازداد جمال قصائده من جميل إلقائه، وتطرقه في كتاب قصائده ليس مقتصراً على جانب معين فهو وبجانب الغزل الذي أبدع فيه أجاد في قصائد الهجاء والحكمة والقصائد الاجتماعية وتلك التي تلامس الضمير العربي.
شخصياً أعتبره أحد المعلمين المجيدين الذين أفتخر بالسير على نهجهم، لا يشغله التواجد للتواجد فقط وهذه ميزة قل من يتصف بها في وقتنا الحاضر. ولو كان غير ذلك لوجدته متسلقاً متملقاً بين معد ومسئول كما يفعل البعض من أشباه الشعراء...!
ربما يلاحظ البعض أن الشاعر محمد بن جاعد قليل الإحتكاك مع المهتمين بالشعر الشعبي كمعدين وشعراء فهو هكذا فعلاً ولا غرابة في ذلك لأنه وكما أعتقد بإعتقاد مؤكد كثير التحفظ على كل ما يهمها كساحة شعر وهذا ليس بجديد عليه.
على القارئ ان يرجع بفكره قليلاً ويمعن في الأسماء التي دائماً تشارك وتتكرر في المهرجانات والمناسبات المعنية لن يجد اسم شاعرنا بينها ليس لضعف فيه، بل لأن قدرته الشعرية وتمكنه من كتابة القصيدة تفوق الكثير من أصحاب تلك الأسماء، وأيضاً هو ليس من المتملقين كما ذكرت... ومبدأه يرفض ذلك التعامل مع المهتمين أوالمسئولين عليها كساحة مبدأها إن لم تكن معي فأنت ضدي، هذا المبدأ المريض لم يستطع إغراء قناعة الشاعر الظفيري وأقولها بقناعة تامة بأنه من أقوى الشخصيات الشعرية التي صادفتها منذ الثمانينات، ربما يكون رأياً شخصياً ولكن الذي يحاول التقرب منه سيجد ماكتبته حقيقة.
ذكرت بأن الألفة والمحبة كانت تجمع شعراء الأمس وكانت الخلافات كخلافات شعراء اليوم لا تكاد أن توجد، ومن ثمرات تلك العلاقات، فقد قام شاعرنا وشعراء آخرون بإنجاز عمل وهو طبع ديوان يجمع نتاجهم الشعري وكان اسمه «رؤى الخيال» إن لم تخن الذاكرة... مجهود شخصي منهم وقد حاز ذلك العمل إعجاب الكثير علاوة على أن القصائد مختارة بدقة فهو ثمرة جهد وتكاتف ومحبة، نعم، إنني أتعمد التركيز على العلاقة بين الشعراء وأقارن بين الأمس واليوم!
المعد جعفر الجمري عندما قام بإضافة فكرة الملف الشهري للصفحة أراد بذلك كسر الروتين المتبع عادة في إعداد الصفحات الشعرية وجاء بهذه الفكرة للاحتفاء بتجارب الشعراء الذين يجدهم يستحقون ذلك من وجهة نظره، ويقدمها كهدية منه ومن الصفحة للشاعر المحتفى به، وهنا أقول إن صفحة يحاول أن يتواصل معها شاعر بثقل القدير محمد بن جاعد فهي في القمة لا شك وإطلالة شاعرنا على زاوية الملفات لهو احتفاء بالملفات السابقة وتأكيد بأن الملف الشهري لا يختار هكذا بل بدقة وأمانة.
أرجو أن يكون وجود شاعرنا مفعلاً أكثر على صفحتنا «ريضان»!... منذ الثمانينات وللآن لم تسعفن الذاكرة لذكر الكثير من الذكريات وحكايات الشعر والشعراء! ولكن الذي لا يمكنني نسيانه هي دماثة أخلاق هذا الرجل
العدد 1366 - الجمعة 02 يونيو 2006م الموافق 05 جمادى الأولى 1427هـ