العدد 1348 - الإثنين 15 مايو 2006م الموافق 16 ربيع الثاني 1427هـ

الشباب يحاربون السموم

مع مطلع الثمانينيات من العقد الماضي، بدأت ظاهرة تعاطي المخدرات بالإنتشار في المجتمع البحريني، فحسب كشوف مستشفى الطب النفسي وقسم مكافحة المخدرات بوزارة الداخلية، فإن التحولات الخطيرة التي اسهمت في انتشار الظاهرة كانت ترتبط بازدياد عدد الوافدين من مختلف الدول، ولا سيما الدول الآسيوية، وكذلك زيادة النشاط التجاري والعمراني، واعتبار البحرين محطة ترانزيت رئيسية تربط الشرق بالغرب.

وبحسب الدراسات الميدانية التي اجريت في البحرين، والتي كان يقودها رئيس مستشفى الطب النفسي الأسبق علي مطر، فإن الظاهرة بدأت بين الشباب في المدارس الثانوية وبعض الجماعات الشبابية والعمال في قطاعات معينة لكنها كانت تنتشر بشكل سريع بين الشباب والمراهقين لا سيما في المدن سرعان ما تحولت الى القرى ايضاً لتصبح الحظائر والإسطبلات جهات مخطورة في تعاطي المخدرات والعقاقير، وكان الحال، أن الأنواع التي بدأت بالإنتشار بادئ ذي بدء، وهي المهربة من الدول الآسيوية عبر الإجانب الوافدين، وكذلك من بعض الدول العربية، تتنوع بين الكوكايين والهيروين والأفيون، أما بالنسبة للحشيش فكانت انواعه منتشرة منذ فترة السبعينيات. وازداد انتشار الظاهرة في المجتمع البحريني، كما سنرى في هذا الملف، ستزداد الحالات المحولة الى القضاء، ومن خلال الإحصائيات البيانية، بيد أن الجهات المعنية شعرت بخطورة هذه الظاهرة فبدأت في تنظيم الحملات التثقيفية للشباب، ومنها الحملة الوطنية الشبابية الثانية للتوعية ضد المخدرات في ملفنا هذا، واجراءات أخرى لحماية الشباب:

لم تنطلق الحملة الوطنية الشبابية الثانية للوقاية من المخدرات يوم 10 مايو/ أيار الجاري بالصورة التقليدية للحملات التي تنظم عادة للتوعية بمخاطر المخدرات، فقد كانت مشاركة الشباب هذه المرة قوية للغاية، وأبدت إدارة شئون الشباب بالمؤسسة العامة للشباب والرياضة تحركاً جيداً اذ استعدت لإكمال الاستعدادات النهائية قبل نحو شهر.

وبحسب مدير الإدارة هشام الجودر، فإن المؤسسة شكلت لجنة لحملة «مكافحة المخدرات» وبدأت المؤسسة في مخاطبة الشخصيات التي ستدير فعاليات الحملة سواء من داخل أو خارج البحرين.

وما يثير السرور أن الإدارة خاطبت الكثير من المراكز الشبابية والأندية وكان التجاوب طيباً، وإن كانت الموازنة المخصصة للحملة لم تتجاوز ال 60 ألف دينار، لكن الأمر الذي استندت اليه اللجنة المنظمة، بالإضافة الى الموازنة تعتبر معقولة جداً، هو استعداد الشباب اللافت للمشاركة وتحدي تلك السموم التي تهدد شباب الوطن ومستقبله.

أول الغيث... مذكرة تفاهم

مع الإيذان بانطلاق الحملة، كانت المفاجأة السارة هي توقيع مذكرة مهمة، فقد وقع مع رئيس المؤسسة العامة للشباب والرياضة الشيخ فواز بن محمد آل خليفة مع مؤسسة منتور العالمية مذكرة لوقاية وحماية النشء والشباب من المخدرات، وقعها من جانب مؤسسة منتور صاحب السمو الملكي الأمير تركي بن طلال بن عبد العزيز آل سعود، ولهذا، كان الشيخ فواز مدركاً لخطورة تلك السموم حينما وصف في كلمته مساء الافتتاح الظاهر بالقول: «اننا اليوم نعيش أمام طوفان جارف يريد أن يهلك شبابنا ومستقبلهم المشرق، فيجب علينا جميعاً أن نتصدى بكل الوسائل العلمية والمنطقية التي ستحول دون تفشي ظاهرة المخدرات وأشباهها».

ولأن عاهل البلاد المفدى وجه نداءه الى الشباب وطالب بضرورة عدم تجاهل المشكلات التي يعاني منها الشباب، كانت مشكلة المخدرات وغيرها من المشكلات التي بدأت تظهر على الساحة وأصبحت واضحة أمام الجميع، إضافة إلى اعتماد نهج المكاشفة والمصارحة والمقاربة العملية في تشخيصها ووضع الحلول اللازمة لعلاجها.

المشكلات الاجتماعية كمسبب

إن التركيز على الدوافع التي تدفع بالشباب الى الوقوع في وحل المخدرات نقطة جوهرية تستلزم الانتباه، فمن أسباب تعاطي المخدرات بين أوساط الشباب، كالتفكك الأسري والصحبة السيئة والفراغ وضعف الوازع الديني وغيرها هي أمور يجدها الشيخ فواز مهمة ويؤكد أن المسئولية تقع على عاتق الآباء والمسئولين والوزارات والمؤسسات الحكومية والخاصة، إضافة إلى الأندية والمراكز والجمعيات الشبابية في مجال وقاية شبابنا من هذه الآفة الخطيرة، ويؤكد في الوقت ذاته على أن المؤسسة العامة للشباب ستسعى إلى بذل المزيد من الجهد والعطاء سواء من خلال حملات توعوية أو برامج وورش عمل تدريبية أو محاضرات وندوات تثقيفية أو من خلال الاستفادة من التجارب الناجحة في دول العالم لتطبيقها في البحرين.

الأرقام المثيرة للقلق

ويكشف تركي بن طلال بن عبد العزيز آل سعود حقيقة المشكلة في منطقة الخليج بالأرقام، فعلى رغم أن المخدرات مشكلة عالمية، في الوقت الذي تؤكد فيه الإحصاءات التابعة للأمم المتحدة للعام 2005م أن مواطني 134 دولة مدمنون على المخدرات، إلا أن عدد المدمنين في العالم العربي أكثر من 400 ألف مدمن للمخدرات وأن استعمال الهيروين والأفيون يتزابد في الوطن العربي، في الوقت الذي وصلت فيه نسبة انتشار مرض نقص المناعة المكتسبة (الايدز) 59,4 في المئة ما بين الفئة التي تستعمل حقن المخدرات في الشرق الأوسط وإفريقيا.

ويرى أن تلك المعلومات تعتبر قليلة إذا ما توجهنا للواقع الذي يشير إلى وجود نقص كبير في الدراسات الدقيقة عن حجم ظاهرة المخدرات وأسبابها، في دول العالم الثالث على وجه العموم والدول العربية على وجه الخصوص، مؤكداً ضرورة حفز الإرادات وشحذ الهمم لمحاربة هذه المشكلة، إلى جانب تضافر الجهود المبذولة من قبل الحكومات والمؤسسات الأهلية من خلال النهوض بمسئولياتنا تجاه الشباب والأطفال ووضع منهجية تتركز في جوانبها على نشر الوعي بين المدرسين والآباء وتطبيق المشروعات الواعدة.

خطأ في تحديد المسئولية

وبفضل مشاركة عدد من الخبراء الدوليين في مجال مكافحة المخدرات في هذه الحملة لتقديم المحاضرات والتحدث في الندوات، فقد شهدت الحملة على مدى الأيام الماضية فعاليات مهمة، منها لقاء مع ممثل مكتب مكافحة الجرائم والمخدرات في الامم المتحدة فيصل حجازي الذي شدد على أن مسئولية مكافحة المخدرات في الوطن العربي ملقاة على عاتق جميع الجهات داخل المجتمع.

ويشير الى أن نسبة المدمنين في الوطن العربي في تزايد مستمر إذ ذكر آخر الإحصاءات التي اجراها مكتب مكافحة الجرائم والمخدرات العام 2003 إن نسبة المدمنين في المنطقة الخليجية والعربية وصلت الى 400000 مدمن ما يستدعي تعاون الجهات كافة من أجل حماية الشباب من هذه الآفة مشيراً الى ان الإحصاءات كذلك اكدت ان في العالم نحو 158 مليون مدمن يسهمون بطريقة أو بأخرى في نشر امراض كالايدز والكبد الوبائي من خلال استخدام المدمنين للحقن اكثر من مرة.

وقدم حجازي بعض المقترحات التي تساهم في الوقاية من المخدرات كإنشاء مراكز تأهيل وعلاج كما هو الحال في بعض الدول كالامارات والاردن وليبيا، واقامة محاضرات على مدى العام في المدارس والجامعات، والاستعانة بالضباط المتقاعدين في عمل حملات التوعية، واستخدام خبراء لوضع منهج توعوي يتناسب مع الشباب واشراكهم في صوغ هذا المنهج، وتعاون جميع المؤسسات مع وزارة الصحة في ادارة مراكز العلاج الخاصة بالمدمنين.

واشار حجازي الى ان مكتب مكافحة الجرائم والمخدرات قام بالاتفاق مع وزارة الداخلية في مملكة البحرين على اساس عمل مشروع مشترك يهدف الى توعية الشباب من آفة المخدرات يستمر لمدة 3 سنوات وسيكون للمؤسسة العامة للشباب والرياضة دور مهم تتبنى خلاله الحملات التوعوية التي تعنى بالشباب.


اعترافات شباب نجوا من قبضة «الكيف» المدمر

الوسط - محرر ملف

زمالة (م.م) وهي تعرف أيضاً باسم جماعة المدمن المجهول، هي مجموعة من الشباب المتعافين الذين استطاعوا التخلص من ادمان المخدرات يساندهم عدد من المتطوعين والأخصائيين والباحثين، وهم في نشاطهم يركزون على حماية الشباب المدمنين ويساعدونهم في التخلص من هذه العادة المدمرة.

وفي لقاء ضم ثلاثة من الشبان في مستشفى الأمل لعلاج المدمنين وهم (ع) و(ك) و(م)، دار الحديث بشأن الكثير من الأمور، فأعمار هؤلاء الشباب تتراوح ما بين الثلاثين والأربعين، انغمسوا فترة من حياتهم في مستنقع إدمان المخدرات، بل إن أحدهم ظل طيلة ربع قرن ضحية لهذه الآفة التي تدمر الفرد قبل أن تسهم في تدمير المجتمع على حد قوله، لكنهم في لحظة تحول تاريخية قادهم القدر إلى دروب النجاح التي بدأت برحلة علاجية للتخلص من الإدمان وآثاره واستعادة وهج الحياة ومباهجها السوية على نحو ما يقول (ع) وهو يسرد تجربته ويقول «قضيت من عمري حوالي 15 عاماً ضائعاً في عالم المخدرات، حتى من الله علي بالتوبة والخلاص والعودة إلى الرشد، فتزوجت وشققت طريقي في الحياة، فكونت أسرة واستقرت حياتي». الشبان الثلاثة انخرطوا في مهمة تطوعية رغبة منهم في إنقاذ الشباب والمجتمع من سموم المخدرات، إذ يعملون مرشدين في معالجة مدمني المخدرات من خلال جماعات المدمن المجهول، وهو يعترف بأنه أدمن الهيروين وصار يسرق ويفعل كل ما يغضب الله، ولكنه لا يرد الحديث طويلاً حتى لا يتذكر تلك المرحلة، بيد أنه الآن في غاية السعادة لأنه استطاع التخلص من إدمانه وعاد الى الحياة من جديد.

ويشير الى أن (برنامج الدعم الذاتي) وهو برنامج عالمي تطوعي يتكون غالباً من المتعافين من إدمان وتعاطي المخدرات، ويهدف إلى توعية المجتمع ومساعدة المرضى المدمنين بغية علاجهم وتأهيلهم للعودة إلى المجتمع والحياة الطبيعية بعد الشفاء.

أما زميله (ك) فهو يعبر عن غبطته بانخفاض إقبال الناس على الهيروين وفقاً لملاحظات المراقبين في السنوات الأخيرة، لكنه يوضح أن هناك زيادة مطردة في الإقبال على الحشيش والانفتامين وهي حبوب منشطة، يقول «نعم قل متعاطو الهيروين، لكن أكثر الأشخاص الذين يطلبون العلاج هم من متعاطي الكحول والحشيش، يجب علينا أن نصحح المفاهيم، هناك عقاقير تسبب الإدمان من جرعة واحدة مثل الكوكائين، لكن الكحول والحشيش والحبوب تسحب الشخص إلى المياه العميقة ويحتاج إلى وقت، ولو وصل إلى تلك المياه فالنهاية تكون إما السجن أو الجنون أو الموت، كل عقار من المواد الكيماوية التي تسبب إدماناً هي مواد خطيرة.

ويتفق معه (م) مبديا تحسره على جهل الشباب وبعض الأسر، يقول «تصور أن بعض الشباب يقتني صورة تباع في الأسواق لشجرة مادة مخدرة يتباهون بها، وتلصق على السيارات، وتعطي دلالة على أن صاحبها متعاطٍ أو حشاش، وهذه مسألة لابد أن يلتفت إليها الأهل وكل المجتمع، ونحن نحاول توفير الدعم طويل المدى للمدمنين، ومراعاة احتياجاتهم النفسية والاجتماعية والروحية، ونتبع في ذلك الإرشاد والعلاج الفردي والجماعي، وجلسات التعافي بالجمعية، والعلاج الأسرى والعلاج بالعمل».

وفي وحدة المؤيد لعلاج مدمني الكحول والمخدرات، كان من الصعب علينا التحدث مع أحد النزلاء، غير أننا تمكنا من التحدث مع بعض الشباب الذين عولجوا هناك، وكانت النقطة الأولى التي طرحوها قبل الحديث عن تجربتهم مع الإدمان هي رسالة مهمة يريدون توجيهها الى الجهات المعنية وعلى رأسها وزارة الصحة لتطوير هذه الوحدة التي لم تعد تصلح لعلاج المدمنين وربما زادت من معاناتهم. ويجمع الشباب في حديثهم مع «الوسط» على أن تجربة إدمان المخدرات هي من أكثر المصائب في البحرين، ويعبرون عن خوفهم على الشباب والناشئة لأن هناك من يقدم لهم المخدرات ويشجعهم على التعاطي ليتاجر بهم ولا يهم إن كانوا من الفقراء أم من الأغنياء. ويشن الشباب حملة على ضعف التوجه بالنسبة للشباب، لأنهم تحدثوا عن أنفسهم وعن الضياع الذي كانوا يعيشونه من جانب أهلهم ما عرضهم لأصدقاء السوء وكانت مجالات السفر وتجاوز الأخلاق والقيم الدينية مساراً للوقوع في مصائب أكبر، وهو يطلبون من الشباب أن يحذروا من المخدرات التي لن تقودهم الا لطريق واحدة وهي... الموت المحقق

العدد 1348 - الإثنين 15 مايو 2006م الموافق 16 ربيع الثاني 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً