العدد 1357 - الأربعاء 24 مايو 2006م الموافق 25 ربيع الثاني 1427هـ

سريلانكا: أعراق متعددة... أساطير خيالية... وكثير من الشاي

قد يكون السريلانكيون فقراء جداً، وقد تكون الحرب طحنتهم، وقد يكون وضعهم السياسي سيئاً، وقد تكون الأقليات في بلدهم محرومة أو مهمشة، إلا أن السريلانكيين لن يموتوا أبداً من الجوع!

هذه هي النتيجة الرئيسية التي ربما تستشفها إذا قدر لك أن تزور سريلانكا في يوم من الأيام. وكيف يجوعون، وحولهم كل تلك الخضرة، وكل ذاك الجمال، وكل تلك الخيرات التي نضحت بها أرضهم فأفرزتها إلى الخارج، في لوحة فنية بديعة. هل فكرت يوماً وأنت تشرب كوبك اليومي من الشاي، ما هو نوع هذا الشاي بالضبط، وما هي المراحل التي مر بها حتى وصل إلى كوبك، وكم من الأيادي تناوبت على إعداده وتجهيزه؟

إذا كنت تريد الإجابة عن هذا السؤال «المستحيل طبعاً»، فعليك أن تزور جزيرة سريلانكا، «سرنديب» كما أسماها العرب قديماً، أو «سويل لون» كما أسماها الرومانيون، أو «سيلايو» كما أسماها البرتغاليون، أو «سيلون» كما أسماها البريطانيون، وبعيداً عن تعقيدات كل تلك الأسماء فهي «الجزيرة الجميلة» بترجمة حرفية عربية لمعنى الاسم الحالي «سريلانكا».

تعتبر سريلانكا كثيرة التعقيد على رغم صغر حجمها الذي يبلغ نحو 65، 525 كيلومتر مربع، ففي هذه الجزيرة الصغيرة يعيش نحو 19,6 مليون نسمة من السكان ينتمون لثلاثة أعراق رئيسية تحمل أدياناً مختلفة، بغالبية للسنغاليين الذين يشكلون 74 في المئة من عدد السكان، ثم التاميل الذين يشكلون 18 في المئة، ويأتي المسلمون أخيراً بنسبة تبلغ 7 في المئة فقط من عدد السكان.

وربما يشكل موضوع تعايش هذه الأعراق الثلاثة مع بعضها بعضاً في المجتمع السريلانكي، محوراً للحديث يطول، ففي سريلانكا، يؤكد الكثيرون أن تلك الأعراق الثلاثة تعيش بسلام ومحبة، يجاور المسجد فيها المعبد البوذي أو الكنيسة المسيحية، على رغم الحرب التي عانتها سريلانكا وسببتها الجماعات الشهيرة «نمور التاميل» في شمال البلاد التي طالبت منذ أكثر من 20 عاماً ولاتزال بالانفصال عن البلد الأم.


أعراق وأديان، وخلاف «بارد»

وكغيرها من بلدان شرق آسيا، تبدو الأعراق ذات الديانات المختلفة متعايشة بسلام في سريلانكا، إلا أن نظرة فاحصة قد تكشف أنواعاً من «الصراع» بين تلك الأعراق، صراع قد لا يتخذ بالضرورة شكلاً عنيفاً، لكن يمكن أن يحس به من يقترب أكثر من تلك الشعوب المختلفة في شرق آسيا. ومثال ذلك وضع الأقلية المسلمة في سريلانكا، فنسبة 7 في المئة التي يشكلها المسلمون تتجمع غالباً في أحياء منفصلة، في الوقت الذي يشعر كثير من أفراد تلك الأقلية بالغبن والاضطهاد مقارنة بالعرق «المرفه» في البلاد «السنغاليين». فمثلاً يشتكي بعض المسلمين في سريلانكا مع تأخر صرف تعويضات السونامي لهم من الحكومة بعد مرور كل هذه الفترة، وخصوصاً أن المناطق المسلمة كانت الأكثر تضرراً.

وكانت سريلانكا إحدى ضحايا موجات السونامي الذي أصيبت به بلدان شرق آسيا في نهاية العام 2004، إذ ضرب أجزاءً من السواحل السريلانكية كان أسوأها في الجنوب، وخلف نحو 400 ألف ضحية. ومن أكثر القصص تأثيراً مصرع نحو ألف وخمسمئة شخص في قطار كان يمر قريباً من أحد السواحل السريلانكية لحظة هجوم موجات السونامي، الأمر الذي دفع الحكومة فيما بعد لإصدار قانون يمنع بناء سكك حديد القطارات على بعد أقل من 100 متر عن الساحل.

بعيداً عن ذلك كله، أو رغماً عن ذلك كله، تبدو البلد في سعي «حثيث» للخروج من أزماتها، ويبدو الوضع السياسي مستقراً بعد المحاولات «النشيطة» لعقد المفاوضات مع المتمردين التاميل وعقد هدنة بين الطرفين قد تؤدي إلى صلح يكفي البلد مشقة الحرب التي يعتقد البعض بأنها كانت السبب الرئيسي في تخلف سريلانكا عن ركب قريناتها من الدول الآسيوية، في وقت كان يمكن لها أن تكون «سنغافورة» الحالية، على الأقل «اقتصادياً»


«سريلانكا» موجة سياحية جديدة

ضمن سعيها لتسريع عجلة التنمية في البلد، تعكف السلطات السريلانكية على تشجيع الحركة السياحية في البلاد، وخصوصاً لامتلاكها مقومات «طبيعية» لا تختلف كثيراً عن قريناتها من الدول الآسيوية كماليزيا أو تايلند مثلاً، مع فارق كبير في عدد السياح طبعاً.

والهدف الجديد للسياحة السريلانكية هو دول الخليج العربي، إذ تحاول البلد أن تطوع مقوماتها بما يتناسب مع احتياجات السائح الخليجي، ولا يمكن أن نقيس مدى نجاحها في ذلك إلا بعد عدد من السنوات وبعد الاطلاع على نسب زيارة السياح الخليجيين إليها.

أما الطيران السريلانكي، فحاول التماشي مع هذه الخطة، فزاد عدد رحلاته إلى العاصمة كولومبو، دامجاً إياها في كثير من الأحيان مع «جزر المالديف»القريبة. ومن البحرين تحديداً، زاد عدد رحلاته بواقع رحلتين مباشرتين ورحلتين غير مباشرتين إلى كولومبو. وقد تنجح موجة السياحة إلى سريلانكا فعلاً وخصوصاً مع الأرقام الرسمية التي تذكرها الخطوط السريلانكية التي حددت عدد المسافرين من البحرين وحدها إلى سريلانكا في العام الماضي ما بين 500 إلى 700 سائح.


«كولومبو» والأساطير

كولومبو هي العاصمة الرئيسية في سريلانكا، وهي المدينة الأحداث وذات الإيقاع الأسرع مقارنة بالمدن الأخرى ذات الإيقاع البطيء نوعاً ما.

إذا بدأت زيارتك إلى العاصمة كولومبو في الصباح الباكر، فربما يلفت نظرك إضافة إلى الطبيعة الآسيوية الخلابة التي تحيط بك في كل مكان، ذلك العدد الكبير جداً من الفتيات اللاتي يمشين سيراً على الأقدام في ذلك الطريق الطويل المؤدي إلى المطار الرئيسي، وربما يتلاشى استغرابك عندما تعرف أنهن جميعاً عاملات في محطة السكة الحديد القريبة من المطار، وعليهن التوجه إلى عملهن باكراً جداً، مستخدمات أرجلهن كوسيلة مواصلات رخيصة وفعالة وغير«مسببة للتلوث».

وستكتشف بالضرورة فيما بعد، أن المرأة في سريلانكا هي أحد المحركات الأساسية للقوى العاملة، ويكفي أن تزور أحد حقول الشاي، مصدر الدخل الاهم في سريلانكا، لتجد النساء في كل مكان، في الحقول وفي مصانع الشاي، عاملات ومنتجات.

وكولومبو لا تخلو من الأساطير في غالبية معالمها، فمن صخرة سيجيريا التي بنى عليها الملك كاشير قلعته الخالدة خوفاً من عودة أبيه الملك للانتقام بعد أن قتله، مروراً بمعبد دامبولا الذي بني على الصخرة نفسها، وصولاً إلى التماثيل الثلاثة لبوذا في منطقة بولومناروا التي نحتت جميعها من صخرة واحدة.


على باب المعبد

كاندي هي المدينة الثانية في سريلانكا، وتعني «العاصمة فوق التل»، وكانت هي العاصمة الأخيرة للملوك السنغاليين، ومركز الديانة البوذية، وهي شهيرة بالأحجار الكريمة وصناعة التماثيل.

وتعتبر كاندي أكثر المدن السريلانكية احتراماً نظراً إلى احتوائها على أحد أكبر المعابد البوذية في شرق آسيا، وهو المعبد الذي يحتوي على «ضرس» بوذا بنفسه.

وللدخول إلى هذا المعبد شروط أيضاً، تنطبق حتى على السياح، وتنبع من طبيعة المعتقدات الدينية البوذية، فمن باب احترام المعبد، يجب أن يدخل الزائر عاري الرأس، حافي القدمين، ولا توجد أي استثناءات في ذلك، حتى لو كان الزائر مسلمة ترتدي الحجاب، وهو الأمر الذي قد تضطر معه للوقوف على باب المعبد، دون الدخول، بعد أن قطعت مشواراً طويلاً للوصول إليه، كما حدث معي.

ويذكر أن بوذا الذي ينقل «ضرسه«عبر المدن السريلانكية في مهرجان سنوي كبير، هو مدرس وفيلسوف نيبالي، وضع فلسفته الروحانية التي حدد من خلالها طرق الوصول إلى الجنة، وهو ليس إلهاً معبوداً بالنسبة إلى البوذيين، فالبوذية ليست ديانة ولكنها فلسفة، ولذلك تفرعت الهندوسية عن البوذية بعد أن وضعت عدداً كبيراً من الآلهة التي يعبدونها، ولذلك إن أراد البوذي الدعاء، فهو يدعو في المعبد الهندوسي.

وكان بوذا قد تزوج وأنجب ولداً قبل مماته، وعندما مات أزيل أحد أضراسه وبقي في الهند لوقت طويل، ثم نقل إلى سريلانكا، ثم إلى كاندي تحديداً، ويعتبر «الضرس» المحفوظ في معبد كاندي هو الأكثر احتراماً عند البوذيين، إذ يعتبرونه بمثابة بوذا حي.


الديانات تتوحد عند «قمة آدم»

أحد أهم المعالم الأثرية في سريلانكا، هي موقع أثر قدم آدم، والذي يقع على جبل «قمة آدم»أو «سري بادا»، والطريف أن كل عرق من الأعراق في سريلانكا، يوائم موطئ القدم بحسب ديانته، فيعتقد البوذيون أنه أثراً لقدم بوذا، والمسيحيون يعتبرونه أثراً لقدم المسيح (ع)، أما المسلمون فيعتقدون أنه أثراً لقدم آدم (ع)، وعلى رغم هذا الاختلاف، يتفق الجميع على تقديس هذا الموقع من خلال «طقوس معينة» يعتقدون بأنها تحقق الاستجابة لأدعيتهم.

ففي الليالي التي يكتمل فيها القمر بدراً، بدءاً بشهر ديسمبر/ كانون الأول، وحتى شهر مايو/ أيار يتجه السريلانكيون على اختلاف دياناتهم إلى «الحج»نحو قمة ذلك الجبل الذي يبلغ ارتفاعه نحو 7300 قدم. فيصعدونه حفي القدمين بعد غروب الشمس، ويستمرون في الصلاة على قمته حتى شروق الشمس، متضرعين بالدعاء كل بحسب ديانته.

ويضع «الحجاج» قبل قيامهم بهذه الرحلة وردة صفراء كبيرة الحجم من نوع «أركنايت» في مقدمة عرباتهم التي تقلهم إلى بدايات الجبل.


نوريليا والشاي السريلانكي

عندما نتحدث عن سريلانكا، لابد أن نتحدث عن الشاي السريلانكي، وعندما نتحدث عن الشاي السريلانكي، لابد أن نتحدث عن مرتفعات «نوريليا»، المنطقة الأشهر في زراعة أفضل أنواع الشاي في العالم.

عندما تتجه لزيارة منطقة نوريليا، لابد أن يبهرك منظر الصفوف المتراصة من حقول الشاي الخضراء، على مرتفعات الجبال، وتشعر وكأنك تنظر إلى سجادة بديعة مزركشة من اللون الأخضر. في نوريليا يوجد نحو 50 مصنعاً للشاي تغطي جميع حقول المنطقة أنشأها البريطانيون عندما كانوا يسيطرون على البلاد وحقولها، واستمر ذلك حتى العام 1972 عندما تحولت الحقول إلى الملكية الوطنية بعد استقلال سريلانكا، وحالياً تعتبر 98 في المئة من زراعة الشاي مملوكة للحكومة ولكن بتنظيم من القطاع الخاص، فيما تعود ملكية 5 إلى 10 في المئة من هذه الحقول إلى بعض أثرياء سريلانكا.

وتمتلك سريلانكا أيضاً حقولاً ومزارع لمنتجات أخرى منها جوز الهند، الرز، غالبية أنواع البهارات، الكاكاو، الفلفل، الصمغ، والمطاط الذي تبلغ مساحة حقوله نحو 400 ألف هكتار.

ومازالت بعض حقول الشاي أو المرتفعات تحمل أسماء شخصيات «بريطانية» عاشت فيها أو أسستها، ومنها مثلاً أطول جبل في مرتفعات نوريليا الذي يبلغ ارتفاعه نحو 8300 قدم ويسمى «ماونت بيدرو»، أو جبل بيدرو.

ولكل نوع من أشجار الشاي اسماً مختلفاً، وقيمة مختلفة، فمنها الطويل، ومنها القصير، أو المتوسط، ولكل منها نوع ورائحة، ويمكن أن يتم خلط هذه الأنواع أو تفريقها، وتزرع بين شجيرات الشاي أنواع مختلفة من الأشجار مثل الجرافيلا، الفوكاليبتس، أو الجريليديا، أو الأفوكادو لتوفير الظل لأوراق الشاي الخضراء الرقيقة. أما عملية تجهيز الشاي، فتمر بمراحل كثيرة قد لا يقدرها شاربو الشاي حول العالم حق قدرها. وتبدأ بالقطف، الذي يتم عادة بعد عدة سنوات من نمو شجيرات الشاي لحين وصوله إلى مستوى معين، ويقطف الشاي عادة بيد النساء العاملات في الحقول. ويمكن للمرأة الواحدة أن تقطف نحو 20 إلى 25 كيلوغرام من الشاي يومياً. ويمكنك أن تميز العاملات في الحقول، بالسلال الكبيرة التي تربط إلى رؤوسهن لتسهيل الحركة أثناء العمل.

ثم تأتي مراحل كثيرة ينتقل إليها الشاي داخل المصنع، التجفيف، الطحن، إعادة التجفيف، إعادة الطحن، عبر أجهزة مختلفة، كانت تقليدية، ثم بدأت تتطور، حتى وصلت إلى استقدام جهاز يفرز حبيبات الشاي عن شوائبها باللون وحده.

بعيداً عن تفاصيل تجهيز الشاي، التي تبدو معقدة جداً، يمكن استشفاف صعوبة العمل وتعقيده من خلال أمر واحد، هو رائحة الشاي التي تعبأ المصنع عن بكرة أبيه، في ممراته وطرقه، فتشعر بأنك محاط بالشاي، أو تعيش في الشاي، وربما تغرق فيه.

لا شاي يفوق الشاي السريلانكي طعماً ولذة، فإن أردتم التأكد عليكم بزيارة تلك الحقول البعيدة الجميلة في نوريليا

العدد 1357 - الأربعاء 24 مايو 2006م الموافق 25 ربيع الثاني 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً