ليس مهماً ما ينتج عن قمة الأرض المنعقدة في جوهانسبرج، فحقيقة وجود مثل هذه القمة يعتبر وحده أمراً كافياً لتوجيه اهتمامنا للبيئة. سوف نرى في الأسابيع المقبلة الكثير من التقارير والاثباتات والبلاغات الرسمية والخطب، وكذلك الكثير من التوترات.
فما الذي يجب أن يبحث عنه المهتمون بالموضوع؟ كأفراد فإننا لا نترك بصمة عميقة على مستقبل كوكبنا أو نوعنا، ولكن سيكون أمراً جيداً ان نحاول معرفة مختلف الآراء.
ويدور الجدل حول أربعة أمور متداخلة هي: الطاقة، تغير المناخ، الغذاء والماء، والتنوع الحيوي. وهي موضوعات متداخلة حيث أن استخدام الوقود المستخرج من الحجريات يقود إلى تغيرات مناخية تشكل بالتالي ضغطاً على امدادات الغذاء والماء وتهدّد التنوع الحيوي.
لن ينفد الوقود من العالم في أي وقت من أوقات حياتنا. على رغم أن مخزون آبار النفط يكفينا لخمسة وأربعين عاماً مقبلة، وذلك بحسب وتيرة استنزافنا الحالي. كما أن مخزون الغاز أكبر بكثير، والفحم يكفي لمئات السنين.
ولكن القضية المهمة هي أن النسبة الأكبر من مخزون النفط موجودة في منطقة الشرق الأوسط غير المستقرة سياسياً. ومخزون الغاز موزع بشكل أوسع من ذلك، ويوجد في دول الاتحاد السوفياتي السابق مخزون موازٍ لذلك الموجود في الشرق الأوسط. وبالطبع سوف يتم اكتشاف المزيد من النفط والغاز. فليس هناك قلق ظاهر بهذا الخصوص.
ثم هناك خشية من تناقص انتاج النفط في السنوات المقبلة حتى مع اكتشاف المزيد من الآبار في العشرين سنة الماضية. ومعظم الزيادة في الاحتياطي أكتشفت في الشرق الأوسط. كما تم اكتشاف المزيد من النفط في الأماكن التي كان يعتقد وجود القليل من النفط فيها، ولم تكتشف الكثير من الآبار الجديدة.
العديد من الحقول الجديدة المكتشفة في السبعينات بدأت تنضب. آبار بحر الشمال بدأت تنضب الآن ويبدو أن انجلترا ستعود مرة أخرى إلى استيراد النفط في العام 2007. انتاج الولايات المتحدة ينخفض أيضاً وعلى رغم وجود حقول مبشرة على السواحل فإن الإنتاج الكلي آخذ في الهبوط.
بالطبع هناك مناطق في العالم يوجد فيها آبار نفط لم يتم اكتشافها بعد، مثلاً اجزاء من سيبيريا وجزر الفولكلاند، ولكن ليس هناك مكان أفضل من الشرق الأوسط بالنسبة إلى آبار النفط.
قد يصل العالم إلى الذروة في انتاج النفط بعد عشر سنوات من الآن. ومع تزايد انتاج الغاز حالياً فإن الذروة ستكون بعد خمسة عشر أو عشرين عاماً. ولكن الحاجة إلى المزيد من النفط والغاز تتزايد أيضاً. يمكن ملاحظة مدى محدودية المصادر البديلة للطاقة حين تُقارن بالنفط والغاز.
هذا يقودنا إلى أكثر الأمور المقلقة: العلاقة بين استخدام الوقود والتغير المناخي. لا يمكن وضع اللوم بحدوث الفيضانات في أوروبا على التغيرات المناخية. فهذا يبدو كحدث عشوائي ولكن بالتأكيد هناك عنصر عشوائي هائل في مناخ العالم. ومع ذلك هناك اتفاق عام في المجتمع العلمي على أن دورة ارتفاع الحرارة العالمية مرتبطة بازدياد استخدام النفط، بل هناك المزيد من التغيرات سوف تحدث بسببه. وليس كل تغير في المناخ سيئاً فمنذ ألفي سنة كانت الأجواء في إفريقيا رطبة. وكانت إفريقيا منطقة زراعية وفيرة للأمبراطورية الرومانية. وكانت الصحراء الكبرى جافة بشكل غير اعتيادي في الثلاثين عاماً الماضية ، وتتزايد مساحتها عدة أميال كل عام. على الجانب الآخر فإن ارتفاع درجة حرارة المناخ في جنوب انجلترا مثلاً سوف يجعلها قادرة على إنتاج محاصيل زراعية كالتي تنتج في دول حوض البحر الأبيض المتوسط. وبينما تتناقص مساحة الأراضي التي تغطيها الغابات في العالم فإن الارتفاع البسيط في درجة الحرارة شجّع على أن تصبح الأشجار أكثر امتلاءً بالأوراق. فالحجم الفعلي للغابات قد لا يقل إذن كما تذهب اليه الإحصاءات. ومع ذلك فمن الصعب التكيف مع التغير المناخي السريع. وما يحدث الآن يعتبر تغيراً مناخياً سريعاً جداً حسب المقاييس التاريخية. وهذا يشكل ضغطاً على الإمدادات الغذائية.
إذا توافرت كمية كافية من الماء فستتوفر كمية كافية من الغذاء في العالم: إن ما يقارب من ثلثي احتياطي الغذاء الذي ازداد في السنوات الثلاثين الماضية يأتي من الأراضي المروية. ولكن هناك ضغطاً كبيراً على الموارد المائية - كما أن خطط الري سيئة التصميم ألحقت أضراراً فادحة بالأراضي التي كان من الممكن أن تكون أراضٍ زراعية خصبة. اسوأ الكوارث البيئية التي أعلنت من هذا النوع كانت انكماش بحر الأورال، نتيجة لقيام الاتحاد السوفياتي بزراعة القطن في المنطقة. كما ان تكوّن منطقة جافة وغبارية في «أوكلاهوما» والذي بدأ منذ جيلين تقريباً يوضح كيف يمكن أن يسبّب نظام السوق كوارث.
الخطر الواضح هو أن تغير المناخ سيتداخل مع خطط الري السيئة وسيكون من الصعب توافر الغذاء في اجزاء كثيرة من العالم.
الأمر الأخير المقلق هو تهديد تنوع الحياة ، إذ يجد الاقتصاديون أن من الصعب وضع أرقام لهذا الأمر، فكيف تحدّد قيمة لبقاء فرس النهر على قيد الحياة؟ ما نعرفه هو أننا على ما يبدو سنخسر أنواعاً كثيرة من الثدييات، وأن العالم سيصبح أكثر فقراً إذا أصبحت الطريقة الوحيدة لتذكر هذه المخلوقات هي مشاهدة الأفلام التي تصور الطبيعة.
مؤتمر جوهانسبرج مهم - ليس لأن القمم تصلح الامور ففي الواقع انها تزيدها سوءاً - ولكن لأن مثل هذه القمم تدفعنا للتفكير في القضايا. والتفكير يقود إلى تلك التغييرات الصغيرة في العادات التي إذا تراكمت تصنع نقلة كبيرة في الطريقة التي نتعامل فيها مع كوكبنا.
خدمة الإندبندنت - خاص بـ «الوسط
العدد -5 - الإثنين 26 أغسطس 2002م الموافق 17 جمادى الآخرة 1423هـ