البرلمان المصري الجديد قد يحظى بتفويض شعبي لم يحدث منذ عقود وقد يهز ميزان القوى في بلد طال فيه الحكم الشمولي. وتبرز صفوف الناخبين الطويلة والإقبال الشديد على التصويت في الانتخابات البرلمانية التي بدأت الإثنين النهضة السياسية التي تعيشها مصر منذ الإطاحة بالرئيس حسني مبارك.
وتعد الانتخابات بإحياء مجلس تشريعي لم يكن في السابق أكثر من أداة للتصديق على قرارات مبارك. ومثله مثل سابقيه أخمد مبارك طيلة سنوات حكمه التي امتدت 30 عاماً الحياة السياسية وكرس نظام الحكم الفردي. وقال ضياء رشوان المحلل السياسي المصري لـ «رويترز»: «الكرة عادت اليوم إلى ملعب القوى السياسية. اليوم نبدأ فعلاً نظامنا الجديد» مشيراً إلى نسبة الإقبال على التصويت التي فاقت توقعات مسئولي الانتخابات أنفسهم. وأضاف «السلطة ستكون في أيدي القوى السياسية. والسياسة الحقيقية ستكون في أيدي البرلمان».
وقد يزيد البرلمان الجديد من الضغوط على المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يدير شئون البلاد والذي يواجه بالفعل احتجاجات بالشوارع وغضباً شعبياً متزايداً بسبب أسلوب إدارته للبلاد. ويواجه المجلس انتقادات متزايدة بالسعي للاحتفاظ بالنفوذ العسكري وبالسلطات الكاسحة التي كانت في يدي مبارك.
أما المجلس فيقول إن شغله الشاغل هو الانتقال بمصر إلى طريق الديمقراطية بسلام. وقد تتضاءل هذه الانتقادات بعد أن مر اليوم الأول من الانتخابات بسلام. وكان الشهر الجاري هو الأكثر اضطراباً منذ رحيل مبارك إذ لقي 42 شخصاً حتفهم في أحداث عنف خلال احتجاجات مطالبة بانتقال السلطة إلى مدنيين.
لكن من المرجح أن تستمر الشكوك في خطط العسكريين لنقل السلطة رغم نفيهم الرغبة في الاحتفاظ بها. وتجرى انتخابات مجلس الشعب على ثلاث مراحل تنتهي في يناير. وسيرغب أي حزب أو ائتلاف له حصة كبيرة من المقاعد في أن تكون له كلمة مؤثرة في الحكومة. وكمال الجنزوري الذي اختاره المجلس العسكري ليرأس حكومة مؤقتة جديدة قال هو نفسه إن البرلمان الجديد يمكن أن يسعى لتغييره. وقال الجنزوري الذي كلفه المجلس العسكري يوم الجمعة الماضي بتشكيل الحكومة الجديدة إن مهمته ستستمر حتى الأول من يوليو/ تموز. وبحلول ذلك الموعد يقول العسكريون إنهم سيسلمون السلطة إلى رئيس يتوقع انتخابه في يونيو/ حزيران. وأضاف الجنزوري في مقابلة يوم الأحد الماضي أن بعض الناس سيقولون إن الانتخابات قد تجيء بأغلبية يمكنها تشكيل حكومة جديدة. وقال إن هذا أمر «وارد». وبدا هذا التصريح متعارضا مع رسائل وجهها المجلس العسكري الذي قال أحد أعضائه إن البرلمان الجديد لن يملك صلاحيات سحب الثقة من الحكومة ولن يحق له إقالتها او تعيين وزراء جدد. وستكون مهمة البرلمان الجديد الرئيسية اختيار جمعية تأسيسية من 100 عضو لصيغة دستور يطرح بعدها لاستفتاء عام. ومن الصعب تحديد ما إذا كان هذا ممكناً قبل الانتخابات الرئاسية المقررة في يونيو كما أنه ليس من الواضح إن كان الرئيس الجديد سيحل البرلمان على الفور.
والمجلس الأعلى للقوات المسلحة له من الناحية الرسمية القول الفصل في كل شئون الدولة إلى حين تنصيب رئيس جديد للجمهورية. إلا أن المجلس قد يجد أن الشرعية الشعبية التي سيتمتع بها البرلمان القادم أكبر مما يمكن مقاومته. فإن هو تجاهل البرلمان على غرار ما كان يحدث في عهد مبارك فقد يواجه موجة جديدة من الاضطرابات من المصريين الذين باتوا يعرفون الآن قوة النزول للشارع.
وسيتعين إعادة التفاوض بشأن ميزان القوى فور اكتمال الانتخابات حتى وإن كان البعض يرى أن القواعد التي وضعت للانتخاب بها ثغرات وأن الإطار الزمني الضيق يميل لصالح الجماعات المعروفة. لكن إذا استمرت الانتخابات بسلاسة فإن البرلمان قد يتمتع بشرعية وصدقية تفوق تلك التي لدى المحتجين المعتصمين في ميدان التحرير رغم أنه من غير المرجح أن تزول حركتهم الاحتجاجية قريباً
العدد 3371 - الثلثاء 29 نوفمبر 2011م الموافق 04 محرم 1433هـ