العدد 1435 - الخميس 10 أغسطس 2006م الموافق 15 رجب 1427هـ

تزوجت عن حب ثم ندمت ... يا أمي

استعرت كراستها لا لكي أتابع ما فاتني من محاضرة الأمس، وإنما لأكتشف شيئاً جديداً يخصها حتى ولو كان خطها ولون حبر قلمها. منذ أن رأيتها في أول محاضرة جمعتنا سوياً في بداية الفصل الدراسي، وأنا أشعر برغبة في التعرف عليها أكثر وأكثر. لست سيئاً لأعاكسها، ولست شجاعاً لأتحدث معها من دون مقدمات وخطوات قد يطول التحضير لها. فكرت كثيراً في كيفية الوصول إليها ولو تدريجياً. قصدي من كل ذلك الزواج، ويعلم الله ذلك. في البداية، اكتفيت بالنظرة الأولى، ونجحت في إقناع نفسي بأنها نظرة لا بأس بها حتى وإن طالت، ثم انتقلت لمرحلة أخرى أكثر جرأة وخصوصاً حين تذكرت أنني أريد الزواج منها، وكيف لي أن أتزوج فتاةً لا أعرفها. إذاً لابد من المعرفة، والمعرفة هنا لها لذة خاصة لأنها تبرر الكثير لي، وتمنحني فرصة أحتاجها لآخذ قسطاً من متعة النظر نهاراً ومتعة التفكير ليلاً.

خطها جميل، وتكتب دائماً بقلم أحمر، ربما لأن اللون الأحمر له علاقة بالحب، وربما لأنها ترغب في أن تصبح معلمة في المستقبل. تتبعت حروف اسمي في كراستها، وكلما وجدت حرفاً من حروف اسمي شعرت أنها تنوي أن تكتب اسمي ثم تتردد. أشعر أن حروف اسمي أجمل الحروف في الكراسة، كأنها تكتبهم بتأن ورغبة، كأنها تريد أن ترسمهم لا أن تخطهم، كل حرف من اسمي أراه لوحة رائعة بخطها. لا أدري لماذا كنت أشعر أحياناً برغبة في أن أكون شاعراً، اليوم عرفت ذلك. قرأت الكراسة عدة مرات، وفي كل مرة أشعر أنني أقرأها لأول مرة، حروفها لها نغم، كأنني أقرأ الموسيقى التي يجب أن أسمعها، كراستها نقلت حاسة السمع إلى البصر فصرت أطرب وأكاد أغفو وخصوصاً حين يمر حرف من حروف اسمي ولو في كلمة لا أفهم معناها. قلبت كراستها وصرت أقرأ الكتابة من الشمال إلى اليمين، ابتسمت وقلت في نفسي ربما تتقن الكتابة بلغة أخرى لعلها الفرنسية. أحببت أن أضيف لها ميزة ولو كاذبة، أردتها أن تكون مميزة في ذهني حتى لو لم تكن كذلك في الواقع.

في الصفحة الأخيرة من الكراسة كتبت رقم هاتفي والموعد المناسب للاتصال وأرجعته إليها. صرت أفكر في ما قمت به، أوشكت على الندم، ولكني تداركت ذلك بتذكري أني لا أنوي سوى الزواج، وحمداً لله أنني قد كتبت تحت رقم هاتفي عبارة تفيد ذلك. حين اتصلت ارتعش جسمي ونسيت أي زر يجب ضغطه لأبدأ المكالمة. حين سمعت صوتها تسمرت، لم تكن غاضبة، الحمد لله، ولكنها لم تكن مسرورة أيضاً، برزانة لم أتوقعها، وبصوت هادئ طالبتني بأن أكلم أهلها إن رغبت فعلاً في التقدم لخطبتها وأنهت المكالمة. فرحت لسماع صوتها في الهاتف مثلما فرحت حين قرأت خطها، إنها لذة الاكتشاف. ولكن، لماذا لم تكن مسرورة؟ لماذا لم تضحك أو على الأقل تتصنع ذلك؟ لماذا لم تسمعني كلمة تشعرني فيها بأنها على الأقل مرتاحة لفكرة تقدمي لطلب يدها؟ ربما لا ترغب في الزواج الآن، ولكن في المقابل، كان بإمكانها أن لا تتصل، أو أن تخبر أحد أقاربها فيتصل بي ويوبخني على فعلتي. لقد اتصلت بي لأنها ترغب بي، وكلمتني برزانة وهدوء لتخبرني، ربما، أن الزواج يحتاج لرزانة وهدوء ولا يحتاج لتسرع وانبهار.

لم توافق أمي على زواجي من هذه الفتاة تحت ذريعة أنها لم تشعر بالارتياح عند الحديث معها حين ذهبت لتراها. بحسب أمي، فإن جمالها بسيط، وأخلاقها ليست مميزة، وأسلوب حديثها مع الكبار فيه شيء من التعالي وعدم الاحترام. أحب أمي كثيراً ولكني أمتلك الجرأة الكافية في أن أقول لها إن زوجتي جزء من حياتي الخاصة وأنا من يختار الزوجة لأنني أنا الزوج. أقنعت أمي، كما أظن، بوجهة نظري هذه، ثم شعرت من استمرار صمتها أنها تريد أن ترفض ولكنها آثرت الصمت لأن غير ذلك لن يغير شيئاً.

ما أجمل الحياة بعد الزواج بمن تحب. أيام من أروع أيام حياتي. عشت السعادة التي حلمت بها منذ أن رأيتها طالبة زميلة في الفصل. تعودت على صمت أمي في أول أيام زواجي. كانت تقدم لنا الطعام وتخرج من الغرفة، ثم تأتي بعد فترة لتقدم الشاي وتخرج بما تبقى من طعام. أحب أمي حتى وهي صامتة، فهي غالية جداً على قلبي.

بعد بضعة أشهر من الزواج رأيت مصادفة كراسة زوجتي التي استعرتها منها قبل الزواج. رحت أطالع الصفحات ولون حبر القلم، لم أقرأ أي نغم أو موسيقى، استبعدت أن يكون الحبر الأحمر الذي كانت تكتب به يرمز إلى الحب، لم أتتبع حروف اسمي في الكلمات، لم أقلب الكراسة لأضيف ميزة لزوجتي، لم أجد أي داع لذلك. أشعر اليوم أن جمال زوجتي بسيط، وأخلاقها ليست مميزة وكلامها معي فيه شيء من التعالي وعدم الاحترام، بالضبط كما قالت أمي قبل الزواج. صار يؤذيني صمت أمي واستمرار تعالي زوجتي، ما الذي يجري؟ لا أحس بالخفقان كلما أسمع صوت زوجتي، غابت لذة الاكتشاف، اكتشفت أن هدوء ورزانة زوجتي حين اتصلت بي قبل الزواج، كان مجرد أسلوب دائم في الكلام حالها في ذلك حال أسرتها، فكلهم يتكلمون بهذه الطريقة حتى في الأوقات التي يجدر بهم الضحك والمزاح. هل أعماني حبي عن النظر إلى سلبيات زوجتي قبل الزواج؟ يتعبني صمت أمي، سأذهب وأقبل رأسها، وأرضى بقدري الذي جنته يداي

العدد 1435 - الخميس 10 أغسطس 2006م الموافق 15 رجب 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً