العدد 3459 - السبت 25 فبراير 2012م الموافق 03 ربيع الثاني 1433هـ

تجار ألمنيوم للمنتجين: خفّضوا الإنتاج كما فعلتم في 1994

يعود تجار السلع بذاكرتهم لأبعد كثيراً من الكساد الأخير بحثاً عن سابقة لتخفيضات الإنتاج الكبيرة الدائمة التي يتعيّن على منتجي الألمنيوم فرضها لوضع حد أدنى للأسعار.

فقبل ثلاث سنوات حينما كان الاقتصاد العالمي يمر بركود شديد بدأت المصاهر في شتى أنحاء العالم خفض الإنتاج مؤقتاً. ومع الانتعاش السريع للأسعار التي بلغت مثليها في غضون عام بادرت هذه الشركات برفع إنتاج مصاهرها مجدداً. ومع زيادة المعروض بسبب المخزونات المرتفعة وتراجع الأسعار 28 في المئة منذ مايو/ أيار 2011، بدأت الشركات تستجيب مجدداً فأعلنت «ألكوا» الأميركية يناير/ كانون الثاني 2012، أنها تعتزم وقف 12 في المئة من طاقتها الإنتاجية بعضها بشكل دائم. لكن إرضاء التجار ربما لا يكون بالسهولة نفسها قبل ثلاث سنوات. ويقول كثيرون، إن إعادة التوازن للسوق ستتطلب تخفيضات أكبر ولفترات أطول.

وقال محللون في «داهلمان روز أند كو»: «نعتقد أن الصناعة تحتاج لتصرف منضبط لتقليل زيادة المعروض الحالية». وأضافوا أن إعلان «ألكوا» سيكون جرس التنبيه ومن المرجَّح أن يأتي مزيد من الخفض من منتجين أعلى كلفة نسبياً في الصين والتي تسهم بنحو 40 في المئة من الطاقة الإنتاجية العالمية.

والإجراء الذي اتخذته «ألكوا» خطوة في الاتجاه الصحيح فيما يبدو. وستوقف الشركة تماماً طاقة إنتاجية حجمها 291 ألف طن سنوياً كانت قد أوقفتها في 2009 وهو ما يزيل خطر استئناف تشغيلها سريعاً ما من شأنه أن يغرق السوق مرة أخرى.

وستوقف الشركة طاقة إنتاجية أخرى حجمها 240 ألف طن سنوياً في مواقع لم تكشف عنها. ويعادل إجمالي الطاقة الإنتاجية التي ستوقفها الشركة ما يزيد قليلاً على واحد في المئة من حجم السوق البالغ 46 مليون طن سنوياً. وارتفعت أسعار الألمنيوم في بورصة لندن للمعادن عشرة دولارات فقط إلى 2039 دولاراً للطن أمس الأول (الجمعة) وهو ما يشير إلى أن إنعاش سوق انخفضت أكثر من 25 في المئة منذ مايو الماضي سيتطلب الكثير.

وقال أحد التجار بإحباط شديد، إنه ينبغي خفض الانتاج بأكثر مما تم في 2009 في أوج الأزمة العالمية حينما هبط الإنتاج أكثر قليلاً من مليوني طن إلى 37 مليوناً وفق بيانات «رويترز».

تدهور السوق

وتدهور الوضع في السوق خلال الأشهر الستة الماضية، وخاصة في أوروبا؛ إذ توقف الطلب تماماً نتيجة أزمة ديون منطقة اليورو كما تتزايد المخاوف من ضعف الطلب في الصين.

وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2011، أعلنت «ألكوا» أنها ستجري صيانة طارئة لبعض المنشآت في أميركا الشمالية وأوروبا نتيجة تراجع كبير في الطلبيات. وقال متعامل في بورصة لندن للمعادن: «النبأ الجيد الوحيد سيكون أن يدفع ذلك الآخرين لاتخاذ خطوة مشابهة (...) أشبه بما حدث في 1994».

ولا يبدو أن هناك إقبالاً كبيراً على ذلك حتى الآن. فقد أبلغت شركة نورسك هيدرو النرويجية «رويترز» يوم الجمعة أنها مستعدة لخفض الإنتاج إذا ظلت الأسعار منخفضة لكن منتجين رئيسيين آخرين من بينهم روسال وريو تينتو وبي.إتش.بي بيليتون أحجموا عن التعليق.

وتشغل كل من روسال في روسيا وريو تينتو ألكان في كندا مصاهرها بالكهرباء المولدة بطاقة المياه وهي تقنية منخفضة الكلفة وهو ما يعطيهما القدرة على تحمل الأسعار المنخفضة لفترة أطول. ولعدة أسباب قد يتعين أن تكون تخفيضات الإنتاج هذه المرة أكبر ولفترة أطول مما كانت عليه في 2008. فالتعافي السريع للألمنيوم في 2009 فاجأ السوق؛ إذ قفزت الأسعار أكثر من 80 في المئة خلال عام من 1300 دولار للطن في أوائل 2009 إلى 2400 دولار للطن وهو ما كان يرجع بنسبة كبيرة إلى طلب صيني أقوى من المتوقع. لكن المعروض زاد هو الآخر وبحلول 2010 كان الإنتاج العالمي قد ارتفع إلى مستوى جديد بلغ 40.7 مليون طن مدفوعاً باستثمار الصين في مصاهرها الخاصة وبتوقعات لنمو الطلب على المدى البعيد.

وقال مسئول تنفيذي رفيع لدى مستهلك كبير: «تعافي السعر كان أسرع من أن يتيح لأحد أخذ إجراء طويل الأجل. في 2010 بدا الأمر كما لو كنا نحتاج مزيداً من المعدن من أجل آسيا». كما كان لأسعار الفائدة المنخفضة دور في تراكم مخزونات ضخمة تؤدي إلى تخمة المعروض بالسوق في ظل وجود نحو خمسة ملايين طن في مخازن بورصة لندن للمعادن وكمية مماثلة وفق تقديرات المتعاملين في مخازن أخرى وهو ما يكفي لتغطية الطلب العالمي ثلاثة أشهر.

المحفزات

وأعطت المحفزات التي تعرضها شركات التخزين لاجتذاب الشركات لاستخدام مخازنها التجار سبباً للتخلص من المعدن غير المطلوب وإدخاله في صفقات تمويل والتكسب من هامش العائد وهو ما لا يمنح المنتجين سبباً لخفض الإنتاج.

وقال تاجر أوروبي حانق بسبب حجم المخزونات في مستودعات بورصة لندن للمعادن وبخاصة في ديترويت وفليسنغن: «السوق كانت متخمة بالإمدادات حتى في 2008. وكانت الصناعة تكوِّن مخزونات أيضاً لكن بمعدل أبطأ». مازالت ذكريات 2008 أليمة لكن من يعمل في القطاع منذ فترة طويلة يتذكر أيضاً اضطرابات مطلع التسعينيات حينما أغرق الاتحاد السوفياتي السابق السوق بالمعدن عقب انهيار سور برلين.

وبحلول 1993 كانت القفزة في المعروض قد دفعت الأسعار إلى الهبوط مقتربة من ألف دولار للطن وهو ما أثر سلباً على القطاع الذي كانت تهيمن عليه أوروبا وكندا في ذلك الوقت. وفي خطوة غير مسبوقة وقعت حكومات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وروسيا والنرويج وأستراليا وكندا وجميعها من كبار المنتجين اتفاقية طوعية عرفت باسم مذكرة التفاهم في أوائل العام 1994 في محاولة لإنعاش قطاعات الصناعات التحويلية في هذه الدول.

وتوصلت الحكومات إلى تفاهم على خفض طاقتها الإنتاجية. ووافقت روسيا على خفض 500 ألف طن وبلغ إجمالي تخفيضات الإنتاج في هذا العام نحو 1.2 مليون طن وفقاً لهيئة المسح الجيولوجي الأميركية.

وعادل ذلك نحو 6 في المئة من الإنتاج العالمي الإجمالي. وغيّرت نتيجة الاتفاق حظوظ الصناعة في فترة قصيرة جداً. وقال مسئول رفيع كان يعمل في «ألكان» في ذلك الوقت متذكراً الصفقة: «تواطأ المنتجون من خلال حكوماتهم (...) كان السعر 1072 دولاراً في نوفمبر 1993 وبلغ ذروته عند 1295 دولاراً في يناير 1995».

ربما لا تكون مثل هذه الخطوة الجريئة ممكنة العام 2012 في ظل قوانين مكافحة الاحتكار وهيمنة الصين على صناعة الألمنيوم لكن البعض يقولون، إن القطاع قد يتعلم الدرس من الأسباب الرئيسية وراء مذكرة التفاهم لخطوة تشمل كل أطراف الصناعة.

لكن في ضوء تقديرات «ليبرم كابيتال» بأن نحو ثلث طاقة المصاهر الأساسية في العالم تتكبَّد خسائر قدرها ألفا دولار للطن فإن إغلاق مزيد من الطاقة الإنتاجية يبدو محتملاًَ.

وقال مدير أبحاث المعادن والتنقيب في «إتش.إس.بي.سي»، أندرو كين: «ما أن ترى المنتجين ينزفون تعرف أنك تقترب من دعم أساسي (...) الناس لا ينتجون بدون مقابل. أتصور أن كثيراً من المنتجين يفكرون ملياً في الوقت الحالي ليروا إن كان عليهم الإغلاق»

العدد 3459 - السبت 25 فبراير 2012م الموافق 03 ربيع الثاني 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً