تشهد دول مجلس التعاون الخليجي حراكاً واسع النطاق لانتهاج طرق بديلة تدفع باتجاه تغيير السياسة الاقتصادية القائمة على الإنفاق النفطي إلى تنويع مصادر الدخل، والإفادة من الإيراد النفطي الكبير للدخول في مشاريع استثمارية شاملة تأخذ أشكالاً عدة مثل الصناعة، والتقنيات الحديثة المختلفة، والعديد من المشاريع المدرة للدخل بعد تلكؤ القطاع العقاري في أعقاب أزمة منتصف 2008 الماضية، وأحجام كثير من المستثمرين عن الدخول أو المشاركة في مشاريع جديدة.
ويرى مراقبون ومحللون ماليون ومتخصصون بالشأن المالي والاقتصادي الخليجي أن الحراك لايزال دائراً في فلك الإنتاج النفطي، وذلك بتطوير الحقول النفطية، ومنصات التحميل، والموانئ المعدة للتصدير، وناقلات النفط، ونحو ذلك، يرافقها تراجع لافت في الاعتماد على الشركات المحلية في توفير العديد من المستلزمات التي تحتاج إليها الصناعة النفطية، وتسير باتجاه انحسار نمو قطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي يقع عليها الثقل الأكبر في النمو الاقتصادي، والعامل الأساس في تنويع مصادر الدخل المرتقب.
وفي هذا الصدد قال المحلل الاقتصادي والمالي، عمر الجريفاني: «تقود دفة الاقتصاد السعودي حالياً ثلاث من كبرى الشركات هي: شركة أرامكو، وسابك، وشركة الكهرباء، ولهذه الشركات دور مؤثر في عملية التنمية، وعلى رغم ذلك تصطدم جهود المستثمرين المحليين الراغبين في تحريك قطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة بالعديد من التعقيدات. فعلى سبيل المثال في شركة أرامكو التي تأسست منذ نحو 80 عاماً، وعلى رغم دورها الحيوي المؤثر، وأهميتها البالغة إلا أنها لم تعمل على تأسيس شركة بالتعاون مع المستثمر الوطني في قطاع صناعة النفط وخدمات النفط، لا من حيث بيان المعايير التي ترغبها في المنتج المعني، ولا من حيث دعم ذلك المنتج بشراء نسبة منه في ضوء الأسس العالمية المتعارف عليها بدعم المنتجات الوطنية».
وأضاف الجريفاني أن «الساحة لا تخلو من تجارب ناجحة مثل تجارب هيئة الاستثمار لكنها تحتاج تفعيل عملها بالنظر إلى حجم ما أضافته للاقتصاد الوطني، وليس مجرد رفع حجم الأرباح المتحققة. كما يجب أن تسعى لبناء شركات عملاقة في الصناعة، تقدم لها الأراضي مجاناً مقابل توظيف العاطلين من أبناء المملكة، وتقدم لهم إعفاءات ضريبية لفترة من الزمن، ولا أعتقد أننا أقل قدرة من تطبيق تجربة اليابان التي استقطبت الشركات الأميركية، وأقامت في ضوئها صناعتها الحديثة، نريد أن يكون هدف هيئة الاستثمار تشجيع الشركات الأجنبية على فتح خطوط إنتاج لها في المملكة، وليس مجرد مكاتب تمثيل، وهو طموح إذا تحقق، سيكون للاقتصاد السعودي كلمة غير الكلمة الحالية».
هذا وطرحت شركة أرامكو قبل نحو سبع سنوات دراسة تقضي أنها ستنفق نحو 5,8 مليارات دولار خلال الفترة مابين 2007 و 2012 على صناعة الصمامات فقط، ولم يصدر من الشركة نفسها بيان يشير إلى أنها أسست أو استقطبت أو عملت عقود الشراء المسبق من شركة وطنية على رغم مضي 4 سنوات على نشر دراسة هذا المشروع الذي ينتهي مع نهاية العام الجاري (2012) في ضوء الدراسة المذكورة.
يذكر، أن الاعتماد على النفط لايزال يشكل 85 في المئة كمصدر أساس للدخل، وتثور مخاوف من تعرض الناتج الإجمالي للفرد الواحد - الذي يشكل حالياً 24,000 دولاراً في السنة، ومن النفط 20,400 دولاراً عند متوسط سعر البرميل 90 دولاراً- إلى هزة عنيفة نتيجة العديد من الظروف المحيطة بالمنطقة، كما حدث عندما انخفض سعر النفط إلى 40 دولاراً نهاية العام 1999 - 2000، لترفع من تأكيدات المراقبين بأهمية تعزيز مبدأ تنويع مصادر الثروة لتحقيق مقتضيات التكامل الاقتصادي
العدد 3469 - الثلثاء 06 مارس 2012م الموافق 13 ربيع الثاني 1433هـ