دعا ابن المجني عليه في «جريمة المحرق» في لقاء مع «الوسط» إلى القصاص من قاتل أبيه، فيما أمرت النيابة العامة بتوقيف المتهم بعد اعترافه بارتكاب الجريمة سبعة أيامٍ على ذمة التحقيق بعد أن وجهت إليه اتهامات بقتل المجني عليه مهدي عبد الرحمن محمد عمداً مع سبق الإصرار، وكذلك إحراز سلاحٍ ناريٍ وذخائر من دون ترخيص، بالإضافة إلى تهمة تعاطي المواد المخدرة.
المحرق، المنامة - عادل الشيخ، علي طريف
كان الحضور في العزاء لافتاً عصر أمس بكل ما للمعنى من كلمة، أتى الناس والمشاعر تفيض حسرة وألماً، تصافحت الأيدي بالأيدي لتقول بلا كلام «شدوا الأزر، واحتسبوا عند الله الأجر»، فيما الدموع تتساقط بلا شعور، العيون محمّرة، والأيدي داعية، والقلوب خافقة، والعيون شابحة إلى أهل الضحية المغدور، سائلة الله تعالى أن يخفف عنها، ويجبر كسرها، ويرزق فقيدها المغفرة والرضوان، ويلهم ذويه الصبر والسلوان.
وبدورها أبت «الوسط» إلا مشاركة الآخرين العزاء، فحضرت مجلس العزاء وقدمت باسم رئاستها وعامليها العزاء لذوي المتوفى المغدور، وكانت لها وقفات أرادت فيها أن تنقل جانباً من الحقيقة ما لم ينشر بعد.
التقت «الوسط» في إطار متابعتها لقضية القتيل مهدي عبدالرحمن محمد الأخ الأكبر للقتيل وهو محمد، بالإضافة إلى ابن القتيل محمد مهدي ذي الـ 11 ربيعاً، وكان ذلك بحضور عضو بلدي مجلس المحرق مجيد كريمي وهو أحد أقارب القتيل.
شقيق القتيل والعضو البلدي أكدا لـ «الوسط» عدم وجود أية عداوة بين المغدور فيه وبين القاتل أو أي شخص آخر، كما نفيا وجود أية علاقة بينهما (القاتل والمقتول)، موضحين أن المجني عليه كان شخصا مؤمناً ومسالماً لغاية كبيرة، كما أنه كان محبوباً مألوفاً بين الناس، تربطه العلاقات الحميمة الطيبة مع جميع أبناء المنطقة من الطائفتين الكريمتين.
وأضاف المتحدثان أن القتيل كان طيب القلب، حسن السمعة، صاحب أخلاق رفيعة استطاع بها (تلك الأخلاق) أن يجذب الجميع إليه صغاراً كانوا أم كباراً.
جلسنا مع أهل القتيل، وكانت فاتحة الكلام بلغة الدموع وتنهدات الحسرة يسمع زفيرها وخفوقها بين الجوانح، وتارة يعلو النشيج، وأخرى تسيل الدموع حزناً على فراق أخٍ وأبٍ وصديقٍ حميم.
الشقيق الأكبر محمد عبدالرحمن مهدي وعضو مجلس بلدي المحرق مجيد كريمي، قالا في حق القتيل: «كان مهدي مألوفاً ومحبوباً بين الناس، كان يشترك في قضاياهم ويساعدهم معنوياً ومادياً، والدليل الأكبر على ذلك الحضور الغفير يوم أمس الأول (الاحد)، إذ غصت مقبرة المحرق بالحشود المعزية، التي أتت لتودع آخر وداع وتواري الجثمان الثرى، بالإضافة إلى الأعداد الكبيرة والمتزايدة التي حضرت وتحضر مجلس عزاء المغدور فيه مهدي».
كريمي باعتباره رئيساً للصندوق الخيري التابع للمنطقة أوضح أن القتيل كان يعيل أسرة من الأسر اليتامى، كما أنه كان يتبرع ويتصدق بالمال على الفقراء والمحتاجين، بالإضافة إلى أنه كان وسيطاً بين الفقراء وبين التجار والمحسنين الذين يتبرعون بالأدوات والأثاث والمال للمحتاجين من أبناء المنطقة.
وواصل كريمي مستذكراً الأيام الجميلة التي قضاها مع المجني عليه، قائلاً: «تصور، أنه وفي العام الذي عقد فيه المرحوم النية في حج البيت الحرام جلب معه 15 شخصاً قدموا معه لطيبه، وصدقه، ومرحه، وعلاقاته الطيبة، دائماً ما تجده مع الناس يشاطرهم أفراحهم، وأحزانهم، تجده في كل المناسبات الدينية والاجتماعية، في الصلوات الخمس، وفي كل احتفال تحتفل به المنطقة».
وأضاف «جميع من كانوا معنا في الحملة كانوا سعداء بالمرحوم، كانت غرفته والمحل الذي يجلس فيه يغص بالناس لأنه كان محبوباً فيما بينهم»، مشيراً إلى أن حتى العمال الآسيويين الذين يعملون في كراج القتيل كانوا أصدقاءه.
ولم يغفل كريمي البوح بأن مهدي كان يساعد الفقراء الذين يقصدون كراجه لتصليح سياراتهم، لافتاً إلى أن كل تلك الأعمال الخيرية التي كان يقوم بها القتيل لم يبح بها حتى لأقرب الناس إليه.
الشقيق الأكبر للقتيل قال: «على رغم الراتب الجيد الذي كان أخي يتقاضاه وعلى رغم امتلاكه لمشروع كراج لتصليح السيارات، فإن المرحوم لم يدخر لنفسه شيئاً، بل حتى لم يمتلك أرضاً لأنه كان سخياً باسط اليدين لمساعدة الفقراء والمحتاجين».
يبكيان قليلاً ومن ثم يواصلان الحديث «كل أبناء المحرق والمنامة وبقية المناطق الذين على علاقة بالمرحوم مهدي قدموا له ليودعوه، كما جاءوا لتقديم العزاء».
ومن ثم نفى المتحدثان أن يكون قتيل منطقة المحرق على عداوة مع أحد أو تربطه علاقة بالمتهم، إذ قالا: «لم يكن للمرحوم أي عداوات مع أي شخص، ولم نسمع قط بوجود مشكلة معه ومع أحد، بل كان العكس من ذلك الأمر، إذ كان محبوباً ذي ظل خفيف، مرحاً، تربطه العلاقات الطيبة مع جميع الناس، كما أن المرحوم مهدي لم يكن على علاقة أو على معرفة مع القاتل، ولم يكن بينهما أيّ خلاف لانتفاء العلاقة بينهما أصلاً».
وبعدها، أخذ عضو مجلس بلدي المحرق مجيد كريمي زمام الحديث، راوياً آخر ساعة قضاها القتيل قبل وقوع حادثة القتل البشعة فقال: «كان أبناء المنطقة يحيون وفاة الإمام موسى الكاظم (ع) وكان المرحوم مهدي مشاركاً في ذلك العزاء، إذ كان في أحد مآتم المنطقة، وبعد أن انتهى ذلك المأتم من إحياء عزاء استشهاد الإمام الكاظم (ع) انتقل المرحوم إلى المأتم الذي كنت موجوداً فيه، وقابلني طالباً مني الوقوف بجانب بعض أبناء المنطقة الذين تم إعطاؤهم أخيراً مخالفات مرورية بسبب مسيرة خرجت احتفالاً بانتصار المقاومة في لبنان على العدو الصهيوني.
وأضاف كريمي «وبعد ذلك انتقل المرحوم إلى خباز المنطقة ليشتري بعض المستلزمات لأسرته، وهناك أوقف المرحوم سيارته بجانب الشارع ووقف مع أهالي المنطقة قليلاً وتبادل معهم الأحاديث الودية، ومن ثم ركب سيارته ناوياً التوجه إلى شقته، وفي تلك الأثناء مرت سيارة من نوع (كيا) يستقلها ثلاثة أشخاص قيل إن من بينهم خليجي واحد، ونتيجة لتحرك المرحوم بسيارته قليلاً إلى الشارع لنيته التوجه إلى شقته بعد شرائه احتياجاته أمام (الكيا) استوقفوا المرحوم وحدثت مشادة كلامية بين الطرفين».
وواصل كريمي «وفي تلك الأثناء اجتمع أبناء المنطقة والتفوا حول السيارتين بعد أن سمعوا المشادة والخلاف الدائر بينهما، وخصوصاً أن القتيل كان محبوباً وذا سمعة طيبة بين جميع أبناء المنطقة وبقية المناطق في المملكة»، مشيراً إلى أن «القاتل وبعد التفاف الناس حول السيارة سأل هل أن هؤلاء ينوون ضربه، فردّ المرحوم بالنفي، واعتذر لمن كان في تلك السيارة، وطلب من الجميع الانصراف».
وقال المتحدث «وفعلاً انصرف الجميع بمن فيهم مستقلو السيارة (الكيا) الذين اختبأوا في أحد الأزقة، وانتظروا لحين تحرك المرحوم مهدي، وما أن تحرك القتيل بسيارته من المكان الذي وقعت فيه المشادة الكلامية حتى قام الجناة باللحاق به حتى وصل إلى شارع عبدالرحمن الفاضل بالقرب من شقته وهناك وقف الجناة بسيارتهم أمام سيارته في عرض الشارع، فنزل الأخير ناوياً التفاهم معهم، وما أن وصل بالقرب منهم للحديث معهم، حتى قام سائق السيارة بفتح نافذته قليلاً وأخرج مسدساً كان يمسكه بيده، ووجه فوهته إلى قلب القتيل وأطلق رصاصة على القتيل الذي تم نقله إلى مركز المحرق الشمالي الصحي وهو يتقيأ دماً، إلا أنه وللأسف فارق الحياة في المستشفى».
وأوضح عضو بلدي المحرق مجيد كريمي أن بعض الموجودين بالقرب من مسرح الجريمة سمعوا صوت إطلاق لثلاث طلقات، بينما قال الطبيب الشرعي الذي التقينا به إن القتيل فارق الحياة بعد إصابته برصاصة أدت إلى إصابته بنزيفٍ داخلي، مضيفاً أن الطبيب أكد أن المسافة التي كانت بين فوهة المسدس ومكان الإصابة تتراوح ما بين 20 و25 سنتيمتراً، وهي مسافة قريبة جداً.
ولفت كريمي إلى أن المارة في ذلك الحين قاموا بتسجيل رقم السيارة، وتم إبلاغ السلطات التي قامت بمطاردة القاتل على الفور.
أما ابن القتيل «محمد» ذو الأحد عشر ربيعاً والذي كان مرتدياً ساعة والده اليدوية لم ينطق إلا بعبارتين هما «اقتلوا من قتل والدي، وأبي في الجنة». من جهتهما طالب المتحدثان وهما الأخ الأكبر للقتيل وعضو مجلس بلدي المحرق وأحد أقارب القتيل كريمي الحكومة بأخذ القصاص من القاتل وإنزال أقصى العقوبة به وهي الإعدام.
ورد المتحدثان على ما جاء في «الوسط» في عددها يوم أمس (الاحد) بعدم إيمان جمعية البحرين لحقوق الإنسان بعقوبة الإعدام ومطالبتها بإلغاء تلك العقوبة، بالقول «إن أهالي القتيل وذويه يطالبون المسئولين بتطبيق الشريعة الإسلامية (لا غير) واتباع العدالة والحكم بإعدام القاتل، كما نصت عليه الشريعة الإسلامية، وبقية الأديان، وكما جاء في القرآن الكريم»، وأوضحا «أن الجميع يثق في الحكومة والقضاء، وأن أهل المقتول وأبناء عشيرته ومنطقته ينتظرون إعلان النيابة العامة عن موقفها وتقريرها النهائي».
وعلى الصعيد ذاته، أوضح كريمي أنه تلقى اتصالات من الجمعيات السياسية التي أبدت نيتها في تشكيل لجنة لمتابعة القضية، محذّراً من أن يستغل المرشحون للمجلس النيابي المقبل قضية المرحوم مهدي عبدالرحمن محمد كدعاية إعلامية لهم.
وفي نهاية حديثهما إلى «الوسط» وجه المتحدثان شكرهما إلى جميع من قدم التعازي لهم من أبناء الطائفتين الكريمتين.
صرح رئيس نيابة محافظة المحرق أسامة العوفي، بأن المتهم في واقعة القتل بالمحرق والتي حدثت فجر الأحد الماضي، اعترف بقيامه بإطلاق عيارٍ ناري من مسدسه على المجني عليه بعد حدوث مشادة كلامية بينهما وخلاف على أولوية السير، مشيراً إلى أن اعتراف المتهم تضمن أيضاً قيامه بإحراز السلاح الناري والذخيرة المضبوطة من دون ترخيصٍ.
وأوضح العوفي، أن وكيل النيابة العامة، علي خليفة الظهراني أصدر قراراً بتوقيف المتهم سبعة أيامٍ على ذمة التحقيقات بعد أن وجه إليه اتهامات بقتل المجني عليه مهدي عبد الرحمن محمد عمداً مع سبق الإصرار، وكذلك إحراز سلاحٍ ناريٍ وذخائر من دون ترخيص، بالإضافة إلى تهمة تعاطي المواد المخدرة، ذاكراً أن النيابة العامة واصلت تحقيقاتها الموسعة بشأن حادث مقتل المجني عليه مهدي عبد الرحمن محمد إثر إطلاق عيارٍ ناريٍ عليه.
وقال العوفي في تصريحه للصحف المحلية: «بعد أن توصل رجال التحقيقات الجنائية بوزارة الداخلية إلى مرتكب الواقعة وتحديد شخصيته وضبطه تمتس إحالته إلى النيابة العامة التي قامت بدورها بالتحقيق معه».
وفي الإطار نفسه، باشر وكيل النائب العام علي خليفة الظهراني التحقيقات، بينما قامت النيابة العامة بالاستماع إلى أقوال شهود الواقعة الذين شاهدوا واقعة إطلاق النار، وقتل المجني عليه.
هذا، وأكد رئيس نيابة محافظة المحرق أسامة العوفي أن النيابة العامة تولي اهتماماً بسرعة انجاز التحقيقات وإعداد الأوراق للتصرف على نحوٍ عاجل، لذلك بادرت بسرعة إخطار الجهات الفنية بسرعة إعداد التقارير الفنية الخاصة بفحص السلاح والذخائر تمهيداً لتقديم المتهم لمحاكمةٍ عاجلة.
يشار إلى أن النيابة العامة كانت بادرت بالانتقال إلى مكان الواقعة ومعاينته منذ إخطارها بالواقعة
العدد 1446 - الإثنين 21 أغسطس 2006م الموافق 26 رجب 1427هـ