باستخدام حوائط وأسقف خرسانية ونوافذ زجاجية مصفحة مزودة بمصاريع مقاومة للعواصف يمكن بناء منزل يقاوم أي إعصار تقريبا، غير أن عددا قليلا جدا منها تم بناؤه. فحتى في أكثر المناطق الساحلية الأميركية تعرضا للأعاصير لا يقوم أحد ببناء منازل أو مبان لمواجهة إعصار من الدرجة الخامسة وهو عاصفة قوية تصحبها رياح تفوق سرعتها 250 كيلومترا في الساعة ويمكنها سحق المنازل العادية. ويكلف ذلك مبالغ طائلة.
ويقول أستاذ الهندسة المدنية الزائر بجامعة فلوريدا كيرت جيرلي الذي درس الأعاصير وقوانين البناء: «هناك كلفة مرتبطة بكل درجة من درجات مقاومة الرياح. يمكن انجاز ذلك عمليا غير أنه سيكون مكلفا بشكل هائل». ومع ارتفاع أعداد الأعاصير والكلف الناجمة عنها يتزايد اهتمام الأميركيين بالمنازل والمباني المقاومة للأعاصير. فقد زادت على مئة مليار دولار قيمة الأضرار التي خلفها موسم الأعاصير الماضي الذي شهد رقما قياسيا بلغ 28 عاصفة.
وتعد الذكرى السنوية للإعصار كاترينا التي تحل في 29 أغسطس/ آب تذكرة بالدمار الهائل الذي يمكن أن تخلفه تلك الأعاصير لغير المستعدين لها. واجتاح كاترينا مدينة نيو اورليانز وتسبب في مقتل زهاء 1500 شخص وفقا لأحدث التقديرات التي أعدها مركز الأعاصير الوطني بالولايات المتحدة. لكن الكلف تجعل الحصول على منزل مقاوم للأعاصير أمرا بعيد المنال لمعظم الناس.
وحتى قوانين البناء الجديدة الصارمة التي استحدثت بعدما اجتاح الإعصار اندرو منطقة ميامي مصحوبا برياح بلغت سرعتها 265 كيلومترا في الساعة في العام 1992 لا تلزم ببناء منازل يمكنها مقاومة أعنف أنواع الأعاصير على الإطلاق والتي تصل قوتها إلى الدرجة الخامسة على مقياس سفير سيمسون لقياس شدة الأعاصير.
وقال مدير شئون البناء بمقاطعة ميامي ديد التي تعد إحدى أكثر المناطق عرضة للأعاصير بالولايات المتحدة تشارلز دينجر: «هذا غير عملي من الناحية الاقتصادية». وأضاف «نشعر بارتياح شديد لكون الأبنية التي يتم إنشاؤها حاليا ستقاوم إعصارا متوسطا من الدرجة الرابعة». ويتطلب قانون البناء في ميامي ديد وهو القانون الذي يعد نموذجا لقوانين البناء أن يتمكن المبنى من مقاومة رياح تصل سرعتها إلى 235 كيلومترا في الساعة بينما يرفع قانون البناء في منطقة فلوريدا كيز ذلك ليتطلب مقاومة رياح بسرعة 241 كيلومترا في الساعة.
غير أن دينجر يقدر أن بين أربعة وستة في المئة فقط من المباني في منطقة ميامي المزدحمة التي يسكنها 2,3 مليون نسمة قد بنيت حديثا لدرجة تجعلها تفي بمعايير القانون الحالي. وتقول بعض شركات البناء إن الأمر قد يتطلب بين 10 و20 في المئة ككلفة إضافية لبناء منزل يقاوم أسوأ الأعاصير أو ما يتراوح بين 25 و50 ألف دولار لمنزل متوسط السعر في فلوريدا.
وتسبب الإعصار اندرو الذي صاحبته رياح ربما زادت شدتها على 320 كيلومترا في الساعة في تدمير أو إلحاق أضرار بنحو 140 ألف منزل كما نجمت عنه خسائر قياسية في ذلك الوقت بلغت 25 مليار دولار. وكان الإعصار دمر غالبية أدوات قياس سرعة الرياح في جنوب فلوريدا. وعدد قليل للغاية من المباني في ميامي من بينها مستشفيات وملاجئ من الأعاصير ومركز الأعاصير الوطني تعتبر قوية بما يكفي لمقاومة إعصار من الدرجة الخامسة.
وينظر على نطاق واسع إلى مركز الأعاصير الوطني على أنه قلعة حصينة. وانتقل المركز للعمل على الأرض في العام 1995 بعدما دمر اندرو أجهزة الرادار وغيرها من الأجهزة بالمركز القديم.
وبالمركز حوائط خرسانية سمكها 25 سنتيمترا كما أن نوافذه مصفحة أما الحجرات فتحيط بها أبنية خرسانية سمكها 20 سنتيمترا لتعد «غرفا آمنة» قادرة على مواجهة الأعاصير. غير أن النشرات الحكومية تقول إن المبنى أنشئ للتصدي لرياح سرعتها 210 كيلومترات في الساعة وهي أعلى قوة لإعصار من الدرجة الثالثة.
وعلى رغم أن من المكلف للغاية بالنسبة إلى غالبية الناس أن يقوموا ببناء منازل مقاومة للأعاصير فإن ذلك لم يمنع البعض من محاولة تحصين المساكن الحالية وهناك ازدهار في مجال إضافة مصاريع مقاومة للأعاصير إلى المنازل.
ويقول القائمون على البناء والخبراء انه في الوقت الذي لا تعد فيه إقامة أبنية مقاومة لإعصار من الدرجة الخامسة مجدية اقتصاديا فهي غير ضرورية أيضا.
ولم تسجل أعاصير من الدرجة الخامسة في تاريخ الولايات المتحدة سوى ثلاث مرات هي الإعصار اندرو في العام 1992 والإعصار كاميلي في العام 1969 وإعصار آخر غير مسمى ضرب فلوريدا في العام 1935. وأي إعصار بهذه الدرجة يفقد سريعا بعضا من قوته لدى انتقاله إلى البر ما يجعل إنشاء مبان مقاومة لإعصار من الدرجة الخامسة غير مطلوب بالنسبة إلى منازل بعيدة عن الشاطئ. وبنى عدد قليل من الملاك منازل مقاومة للأعاصير في جنوب الولايات المتحدة باستخدام تقنيات وتصميمات جديدة.
فالحوائط الخرسانية المصبوبة والمدعمة بالحديد الصلب التي يمكنها مقاومة الحطام الذي تقذفه الرياح بسرعة 320 كيلومترا حلت محل الكتل الخرسانية المجوفة وهي الوسيلة المفضلة لبناء المنازل في فلوريدا.
ويتم دعم النوافذ المصفحة بطبقات من البلاستيك كما أن تعزيز أبواب المرآب يمكن أن يساعد على إبقاء «غلاف» المنزل سليما. ويستخدم بعض المصممين أشكالا دائرية لتقليل المقاومة للريح. كما أن القباب يمكن أن تمنع تحطم الأسقف.
وقال عضو رابطة مقاولي بناء المنازل في فلوريدا دوغلاس باك: «يمكنك أن تجعلها مقاومة للقنابل». وأضاف «عندها ستصبح القضية هي، هل يمكنك أن تعيش هناك؟». ويقول الخبراء إن قوانين المنازل والأبنية الجديدة وضعت أمام اختبار من سلسلة من الأعاصير التي ضربت فلوريدا خلال العامين الماضيين. وضرب الإعصار تشارلي خصوصاً الشاطئ الغربي في العام 2004 مصحوبا بريح بلغت شدتها 240 كيلومترا في الساعة. وقال جيرلي: «الأنباء الطيبة هي أن تلك المنازل (الأحدث)، كانت من حيث الإحصاءات، أشد مقاومة فيما يتعلق بالأضرار التي تلحق بالهياكل». وأضاف «الانهيار الكامل للحوائط والأسقف هو شيء لا نراه في الأبنية الحديثة». ويقول المهندسون إن مجرد استخدام بعض أدوات التثبيت الحلزونية لتأمين الأركان وغيرها من المناطق الضعيفة بالأسقف يمكن أن يقلل الأضرار بشكل كبير. وتقدم بعض شركات التأمين نصائح إلى عملائها بخصوص طرق جعل المباني مقاومة للأعاصير بهدف تقليل دعاوى الحصول على تأمينات. وقال دينجر: «أن تضع مسمارا حلزونيا (البرغي) بدلا من مسمار، فهذا إجراء عملي. وهو يساعد فعلاً»
العدد 1450 - الجمعة 25 أغسطس 2006م الموافق 30 رجب 1427هـ