بعد أشهر من الرياح والأمطار انهار هذا الأسبوع مقعد خشبي تذكاري أقيم في رام الله ليصبح رمزاً لمحاولة الفسلطينيين الحصول على مقعد في الأمم المتحدة.
وأزالت الجرافات بسرعة بقاياه المحطمة أثناء الليل. وقد يكون انهيار المقعد وإزالة حطامه في هدوء رمزاً لتحطم آمال الفلسطينيين في إقامة دولة. ولأول مرة منذ سنوات خيم الصمت إزاء عملية السلام المتعثرة منذ فترة طويلة على الاجتماعات التي عقدت هذا الأسبوع بين المسئولين الأميركيين والإسرائيليين. ودفع الجدل بين إسرائيل وواشنطن بشأن توجيه ضربة عسكرية لإيران محادثات السلام الإسرائيلية الفلسطينية إلى قاع جدول أعمال الرئيس الأميركي باراك أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وقال كبير المفاوضين الفلسطينيين، صائب عريقات: «الحكومة الإسرائيلية لديها استراتيجية: الإبقاء على الوضع القائم... ونقول إننا لن نقبل قواعد هذه اللعبة». ولكن لا توجد لعبة أخرى مما يصيب كثيراً من الفلسطينيين العاديين بالإحباط. ويكافح الفلسطينيون الذين تمزقهم خلافات داخلية لإسماع صوتهم. وتحول الاهتمام العالمي إلى انتخابات الرئاسة الأميركية والعنف المتصاعد في سورية والبرنامج النووي الإيراني. وعلى مدى أسابيع يقول مسئولون فلسطينيون إنهم بصدد توجيه إنذار أخير رسمياً لنتنياهو يتضمن القضايا القائمة منذ فترة طويلة ويكرر المطالب بوقف بناء جميع المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية المحتلة كشرط مسبق لاستئناف المحادثات التي توقفت في العام 2010 .
ومن المؤكد أن الإسرائيليين سيرفضون المطالب إذا وصلتهم ولن يواجهوا أي ضغوط دولية للتراجع حيث الاهتمام العالمي مركز بشدة على النزاع النووي مع إيران. وفي مواجهة هذا الاحتمال اقترح الفلسطينيون احياء حملة في العام 2011 لتجاوز المفاوضات المباشرة والسعي لدى الأمم المتحدة مجدداً للاعتراف بدولتهم. وقال المتحدث باسم الرئيس الفلسطيني محمود عباس، نبيل أبو ردينة إن الفلسطينيين سيتوجهون إلى الجمعية العامة (للأمم المتحدة) في الوقت الذي تختاره القيادة مشيراً إلى أن هذا هو أحد البدائل. وانتقد عدد متزايد من المعلقين الفلسطينيين هذه الاستراتيجية على أساس أنها بلا هدف. فالدولة الكاملة لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وأوضحت الولايات المتحدة في مناسبات عديدة أنها ستستخدم حق الفيتو ضد أي خطوة من هذا القبيل.
وكتب الوزير السابق في الحكومة الفلسطينية، حسن عصفور في صحيفة «آماد» الإلكترونية هذا الأسبوع مشيراً إلى التأجيل المتكرر لما قال ساخراً إنه «أم الرسائل» إن الزعماء الفلسطينيين غير مستعدين للضغط من أجل الموضوع خشية الإخلال بالعلاقات الأمنية والاقتصادية القائمة منذ وقت طويل مع إسرائيل.
ومما يزيد الأعباء على الجهود الفلسطينية المبذولة للحصول على اعتراف دولي تركيز عباس بقوة على محادثات المصالحة مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وهي فصيل فلسطيني منافس سيطر على قطاع غزة في العام 2007 ويرفض الاعتراف بإسرائيل. ولم تحقق جهود عباس الكثير بعد عام تقريباً من المفاوضات بوساطة مصرية وقطرية وتعرض لانتقادات متزايدة من قبل الجمهور الفلسطيني الذي يراه زعيماً معزولاً وغير قادر على الحسم.
قال رامي خوري ويعمل باحثا في الجامعة الأميركية في بيروت «عرقلت القدرة الدبلوماسية المحدودة لأبو مازن (عباس) والمحيطين به الاستراتيجية الفلسطينية». ومضى يقول «هذه المشكلات الداخلية في غيبة قيادة أكثر فاعلية جعلت الفلسطينيين عرضة للتهميش». وتواجه «حماس» هي الأخرى انقسامات داخلية لم يسبق لها مثيل بخصوص الاندفاع نحو المصالحة التي أصابت الساحة السياسية الفلسطينية كلها بالملل. وقال هاني المصري وهو محلل سياسي فلسطيني «نسمع الآن عن «عملية» للمصالحة... هناك عملية أكثر من كونها تقدم فعلي نحو إنهاء الانقسامات. إنها أصبحت مثل (عملية السلام)». وقد تضعف الأعباء المالية من رغبة المسئولين في الضفة الغربية في تقويض الوضع القائم بينما يؤدي تآكل دعم المانحين الدوليين إلى ركود الاقتصاد وإذكاء الإحباط الشعبي.
وقامت الولايات المتحدة العام الماضي بتجميد معونة قدرها 150 مليون دولار رداً على المسعى الفلسطيني في الأمم المتحدة بينما كان الدعم من الدول العربية الغنية هو الآخر أقل من التوقعات إلى حد كبير. ودفعت الانتكاسات التي تزامنت مع تراجع عالمي معدلات النمو إلى الهبوط من تسعة في المئة في العام 2010 إلى أقل من ستة في المئة العام الماضي وفقاً لتقديرات غير رسمية. وفي مسعى لتقليص العجز المتزايد في الموازنة حاول رئيس الوزراء سلام فياض فرض زيادات ضريبية في أوائل العام 2012 ولكنه اضطر للتراجع في مواجهة غضب عام. وأظهر الساسة الإسرائيليون قلقاً محدوداً ولكن ضباط الجيش الذين يقومون بدوريات في الضفة الغربية يخشون من أن يملأ العنف هذا الفراغ. وقال ضابط غير مخول بالحديث لوسائل الإعلام عن المخاوف الأمنية «في غياب عملية للسلام تتوافر لها مقومات البقاء هناك احتمال أن تزداد هشاشة الوضع هنا». ووقعت اشتباكات مراراً هذا العام بين شبان فلسطينيين من راشقي الحجارة وقوات الأمن الإسرائيلية على مشارف القدس وفي بلدات في الضفة الغربية وأسفرت هذه الاشتباكات عن مقتل فلسطيني الشهر الماضي.
ويبدو أن الحكومة في رام الله التي تفتقر إلى تفويض ديمقراطي منذ العام 2006 قد هوت إلى وادٍ عميق لكنها غير مستعدة فيما يبدو للتسبب في أي أزمة عميقة مع الإسرائيليين مثل حل الحكومة الفلسطينية خشية أن يؤدي ذلك إلى رد فعل عنيف. وقال المصري «هناك غياب للشرعية لكن يمكنهم الاستمرار في هذا الطريق إن أرادوا... إنهم لا يريدون دفع الثمن من وضعهم وصلاحياتهم وسلطتهم».
العدد 3472 - الجمعة 09 مارس 2012م الموافق 16 ربيع الثاني 1433هـ