العدد 3480 - السبت 17 مارس 2012م الموافق 24 ربيع الثاني 1433هـ

تحقيق: شركات عربية متعددة الجنسيات تتوسع في أنحاء المنطقة

في مصنع مشروبات شركة العوجان للمرطبات بضاحية صناعية في دبي يتفقد العمال غرفة خاوية حيث سيجري تركيب أجهزة جديدة. وعندما تصبح جاهزة ستسحب الحوائط المتحركة لربط المكان بمجمع الإنتاج الرئيسي.

وتباشر الشركة السعودية العائلية التي تصنع عصائر الفاكهة المراحل النهائية من برنامج يتكلف 100 مليون يورو (130 مليون دولار) لتحديث وتوسعة منشآتها الإنتاجية الثلاثة في دبي المركز التجاري للخليج وفي مدينة الدمام السعودية والعاصمة الإيرانية طهران. لكن طموحاتها لا تقف عند ذلك الحد.

وتتوقع الشركة أن تبني في غضون ثلاثة أو أربعة أعوام مصنعين جديدين أحدهما في العراق والآخر في شمال إفريقيا وغالباً في مصر.

وفي تحدٍّ لعدم التيقن السياسي والاضطرابات الاقتصادية تنطلق شركات شرق أوسطية مثل العوجان من قواعدها المحلية للتوسع في أنحاء المنطقة لتنتج سلالة من نوع جديد في دنيا الأعمال: الشركة العربية متعددة الجنسيات.

وإذا اكتسب ذلك التوجه زخماً - وثمة أسباب تؤيد ذلك رغم عدم الاستقرار في الاقتصاد العالمي والاضطرابات الاجتماعية في العالم العربي بعد انتفاضات العام الماضي - فإنه يمكن لتلك الشركات أن تضطلع بدور أكبر في توفير فرص العمل بالمنطقة وزيادة وزن الدول العربية في النظام التجاري العالمي.

وقال الرئيس التنفيذي للعوجان، قادر قندز (تركي المولد) «ننظر للأمد الطويل... بلدان مثل مصر والعراق تتيح فرصاً لنا رغم المشاكل السياسية والاقتصادية الحالية».

وقال مستشار شئون الشرق الأوسط لدى أكسفورد أناليتكا وهي شركة تحليلات واستشارات عالمية أفشين مولوي: «إن استثمار الشركات العربية عبر الحدود يساعد في تعزيز التكامل بين اقتصادات المنطقة بعد عقود من العزلة النسبية.

وقال «إحدى مفارقات العالم العربي أن الدول لا تتاجر فيما بينها بمعدلات الكتل الإقليمية الأخرى... الاستثمارات المتبادلة فيما بينهم ليست كبيرة... وهذا يتغير. ويبدأ التغيير من قاعدة منخفضة».

ويقول نائب الرئيس للمنطقة لدى مؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك الدولي ديميتريس تسيتسيراجوس: إن الشرق الأوسط وشمال إفريقيا «هي المنطقة الأقل تكاملاً اقتصادياً في العالم». وبحسب أحدث الأرقام الصادرة عن برنامج تمويل التجارة العربية ومقره أبوظبي فإن حصة الصادرات العربية المتجهة إلى دول عربية أخرى لم تتجاوز 10.3 في المئة في 2009 وبزيادة طفيفة فحسب من 8.5 في المئة في 2005. بل إن نسبة الواردات البينية تراجعت إلى 11.2 في المئة من 12.6 في المئة.

تقليدياً ركزت دول الخليج على تصدير النفط إلى الغرب وآسيا ثم استخدمت الإيرادات لاستيراد سلع استهلاكية من تلك المناطق بدلاً من تطوير الروابط التجارية فيما بينها أو مع شمال إفريقيا.

أما دول شمال إفريقيا فتعتبر أوروبا شريكها التجاري الرئيسي. وخارج صناعة النفط اتجهت الشركات العربية إلى التركيز على أسواقها المحلية بسبب افتقارها إلى الحجم والقدرة التسويقية للتوسع في أنحاء المنطقة.

وكانت الشركة العربية الوحيدة على قائمة فورشن 500 لكبرى الشركات العالمية العام الماضي هي الشركة السعودية للصناعيات الأساسية (سابك) أكبر شركة بتروكيماويات في العالم من حيث القيمة السوقية.

وقال تسيتسيراجوس إن العالم العربي بحاجة إلى شركات تضطلع بدور «الأبطال الإقليميين» فتوفر فرص العمل وتدخل التكنولوجيا وتنشر ممارسات الإدارة الفعالة في أنحاء المنطقة وهو الهدف الذي تسعى إليه مؤسسة التمويل الدولية عن طريق تقديم التمويل والمشورة لمشاريع القطاع الخاص في المنطقة. وينبئ ارتفاع الاستثمارات العابرة للحدود بين الدول العربية على مدى العقد الماضي ببزوغ مثل هؤلاء الأبطال.

وبحسب المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات التي مقرها الكويت فإن تدفقات الاستثمار المباشر بين الدول العربية قفزت من 1.8 مليار دولار في العام 2000 إلى ذروة بلغت 35.4 مليار دولار في 2008.

وتماشياً مع أنماط الاستثمار في أنحاء العالم تراجعت التدفقات لاحقاً إلى 5.7 مليار دولار في 2010 بسبب الأزمة المالية العالمية. ورغم عجز العالم العربي حتى الآن عن إقامة شركات يمكن أن تدخل قائمة فورشن 500 فإن عدداً متزايداً من الشركات أصبح من الضخامة بما يسمح له بالبحث عن النمو في الخارج.

وتتوقع العوجان التي تحقق أقل من نصف مبيعاتها داخل السعودية إيرادات بنحو مليار دولار هذا العام أي أعلى بكثير من مثلي مستوى 2007.

وقال كبير الاقتصاديين في الرياض المالية بالسعودية خان زاهد إن الدعم الحكومي ساهم في تطوير شركات ضخمة للقطاع الخاص في مجال الصناعات الغذائية والمشروبات بالمملكة ما يعد مؤشراً على أن جهود دول الخليج لتنويع موارد اقتصاداتها عن طريق سياسات لدعم «صناعات ناشئة» يمكن أن تنجح.

وقال «بعضها أصبح كبيراً ومتقدماً بما يكفي للانتقال إلى أجزاء أخرى بالمنطقة... لديهم التكنولوجيا والإمكانيات والحجم». وتستعين بعض الشركات العربية بالشركات الغربية متعددة الجنسيات مع توسعها إقليمياً.

وفي ديسمبر/ كانون الأول قالت كوكاكولا إنها ستشتري حصة قيمتها 980 مليون دولار في العوجان في استثمار وصفته بالأضخم على الإطلاق لشركة متعددة الجنسيات في قطاع السلع الاستهلاكية بالشرق الأوسط.

وتعطي الصفقة كوكاكولا حصة 50 في المئة في الكيان المالك لحقوق العلامات التجارية للعوجان و49 في المئة في شركة التعبئة والتوزيع التابعة للشركة السعودية.

وقال قندز إن العوجان ستستفيد من إمكانيات كوكاكولا في مجال التسويق والجوانب الفنية لكن الصفقة لن تغير ثقافة الأعمال المرنة والعملية لشركته التي تأسست كشركة لتجارة المواد الغذائية في البحرين قبل أكثر من 100 عام.

وقال «نستطيع التحرك أسرع بكثير من الشركات الكبيرة. إنه جزء من ثقافتنا».

وفي بعض الحالات قد تكون الثقافة ميزة للشركات العربية متعددة الجنسيات في مواجهة منافسيها الغربيين والآسيويين. فالشركات المحلية معتادة على العمل في ظل البيروقراطيات الحكومية منعدمة الكفاءة في المنطقة وهي تعلم المخاطر السياسية المعقدة التي قد تثني الشركات الأجنبية.

العدد 3480 - السبت 17 مارس 2012م الموافق 24 ربيع الثاني 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً