العدد 3480 - السبت 17 مارس 2012م الموافق 24 ربيع الثاني 1433هـ

العقود المستقبلية

نخلص إلى نتيجة مفادها، أن كل الأسباب العملية والمنطقية التي اتخذها بعض المنظّرين للصيرفة الإسلامية لتحريم المشتقات غير ناهضة وغير عملية لأنها نظرية لا تتماشى مع متغيرات العصر.

لذلك نرى أن عدداً غير قليل من هؤلاء المنظّرين قد ذهب إما للقول بأن المشتقات غير محرّمة ما لم تتعامل في أصول محرّمة مثل الخمور أو للقول بأنها محرمة لأسباب أخرى غير ما ذكرت في الأعداد السابقة والتي هي أيضاً غير ناهضة. من هذه الأسباب هي أنه لا يتم التعامل في العقود المستقبلية إلا لغرض مضاعفة الأرباح وليس للحد من المخاطر أو الاقتناء فإنها محرمة. هنا أقول إنه لا يمكن أن تحرم المبدأ بناء على نية الأشخاص المتعاملين.

لنأخذ الزواج مثالاً لذلك. الزواج كمبدأ حلال ومشروع لكن إذا قصد أحد أطراف الزواج التكسُّب المادي من وراء علاقة الزواج فهذا لا يعني أن نحرم مبدأ الزواج لسوء نية الأطراف المعنية المستخدمة للزواج. المبدأ صحيح والتطبيق ونيته خاطئة.

بالمنطق نفسه، نرد على السبب المذكور أعلاه، العقود المستقبلية الرأسمالية صحيحة من حيث المبدأ لكن تطبيقها لدى بعض البنوك مضر جداً. ومعالجة هذا الضرر لا يأتي عن طريق إسباغ صفات ومصطلحات دينية عليه. ثم ألا تكفي قاعدة «العقد شريعة المتعاقدين» مادامت السلع المتعامل فيها حلالاً لحل كثير من هذه العقد. إذا كانت الأطراف المتعاقدة عاقلة مدركة لمخرجات العقود ونتائجه، لماذا لا نترك لها الحرية لممارسة التجارة بناء على هذه القاعدة؟

المستغرب في هذا السياق أن بعض المنظّرين للصيرفة الإسلامية يكابر في الاعتراف بأن العقود المستقبلية « الرأسمالية» صحيحة من ناحية المبدأ وإذا رأى مناقشة كالتي تناولتها في هذا المقال والمقالات السابقة، يستخرج بعض « الشروط» التي يجب أن تتوافر حتى تكون إسلامية وان كانت واهية.

مثال ذلك وضع مقولة «العقود المستقبلية حلال إذا مورست لسد حاجات وضرورات الأمة». لكن لم يعرف لنا ما هو تعريف حاجات وضرورات الأمة. من حاجات وضرورات الأمة أن يسعى الفرد في الأمة إلى الربح لينعم بحياة كريمة وعليه فإنه سيتعامل في العقود المستقبلية لمضاعفة أرباحه. هل أصبحت عقوده إسلامية الآن؟

من كل ما سبق نستخلص نتائج عدة أهمها أننا لا يمكننا أن «نأسلم» كل ما ينتجه الآخر (الرأسمالية كنظام اقتصادي قائم) بإضفاء بعض المصطلحات والشروط و»الحيَل» الشرعية (كما أسمى بعض الفقهاء المنظّرين للصيرفة أحد كتبه بفقه الحيَل الشرعية، مع تحفظي الشديد عن استخدام هذه الكلمة في سياق ديني مدعوم بسور قرآنية وأحاديث نبوية).

إذا أردنا أن نأتي ببدائل للعقود والتعاملات «الربوية» أو الرأسمالية يتوجب علينا أن نأتي بمشروع اقتصادي متكامل أصيل في مفاهيمه، مصطلحاته، نظريته، أدواته وتركيبته البنيوية لا أن نؤسسه على حيَل شرعية ومخارج لمنتجات رأسمالية المنشأ ثم نسميها شرعية.

جعفر العمران

العدد 3480 - السبت 17 مارس 2012م الموافق 24 ربيع الثاني 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً