أن تختبئ «الوفاق» خلف متاريس الجدران المفتوحة أصلاً لتخطط أسماء قائمتها الانتخابية كل الحق، ولكن ليس بالضرورة أن تنجح الوفاق في ذلك. واقع الحال يقتضي أن مجمل التسريبات التي تخرج من الوفاق «طبيعية»، ولا يجوز أن تأخذ أكثر مما تستحق، قائمة الوفاق المكونة - بحسب بعض المصادر - من ثمانية عشر اسما تلتف عليها أعين مجلس شورى الوفاق بتصيد يقلق الأمانة العامة للجمعية بوضوح، والمشاورات التي تدور في أروقة الوفاق قائمة، والتعديلات الطفيفة بين فترة وأخرى متوقعة، في الحقيقة الوفاق لا تخطط لحرب إقليمية، هي انتخابات نيابية ليس إلا.
الوفاق التي بات من الواضح أنها «بخيلة» اليد في التنازل عن بعض المقاعد لصالح «جمعيات التحالف الرباعي» تتمثل الحال اللبنانية بامتياز، فعلى من يريد التحالف مع الوفاق في الانتخابات النيابية أن يتحالف معها داخل المجلس لا خارجه، بعد الانتخابات لا قبلها. وقد يكون لهذا الرأي وجاهة من النظرة الأولى، ولكنه رأي «معاق» لا يعي في الحقيقة أن تنازل الوفاق عن بعض المقاعد لصالح «أمل» و«وعد» هو ضرورة استراتيجية، فليست «وعد» تمثيلاً لتكتلات وليد جنبلاط، أو سمير جعجع أو حتى سعد الحريري، وليست «أمل» البحرينية سوى أمل اللبنانية في المشهد اللبناني، على اختلاف المشهد والتصنيف.
مشكلة الوفاق ليست في قائمتها «المغلقة» كما يتوقع البعض، ولن تكون الوفاق في مأمن ان اعتقدت أن التكتم على الأسماء هو السر الذي سيضمن النجاح لها في الانتخابات، مشكلة الوفاق أنها لا تريد أن تعترف بأن الأطماع/ التنازعات الداخلية بين أعضائها على الترشح بات مرضياً، والسيطرة عليه باتت مستحيلة.
هل سيترشح «وفاقيون» خارج قائمة الوفاق الانتخابية؟ لم لا. فالأمين العام لابد أن يخلف وراء قائمته (الجاهزة) ضحايا، البعض منهم سيلتزم، وآخرون لا. وعليه سيكون على الوفاق أن تتحمل ما يأتيها. اسم واحد على الأقل من القائمة المكشوفة (رجل دين) تم إدراجه في اللائحة من دون توافق خوف الفتنة، وذلك طبعاً بحسب بعض المصادر. القائمة التي مازالت غير محسومة، مداولاتها مازالت قائمة بين الكتل الكبيرة في شورى الوفاق، فكتلة التكنوقراط مصابة بخيبة أمل، ورجال الدين باتوا يحسون بأنهم بمثابة عالة على القائمة، وما بين الطرفين ترتجف الوفاق من قائمتها التي باتت حديث الناس.
قبل أيام، طالعت باهتمام التصريحات التي أدلى بها مرشح الدائرة التاسعة الشمالية علي الفردان لإحدى الصحف المحلية عن نيته العدول عن الترشح في حال تم التوافق داخل جمعية الوفاق على ترشيح الشيخ حسن سلطان في الدائرة التي ينوي الترشح فيها، وهي تصريحات تستحق التقدير، وهذا التقدير لا ينبع من قناعة تفضيلية بين المرشحين الاثنين في الدائرة، بقدر ما يتعلق بالقبول الديمقراطي برأي المؤسسة السياسية/ الوفاق، التي تمثل المرشحين معاً.
اليوم ثمانية عشر اسماً وفاقياً باتت مدرجة على طاولة الأمين العام لجمعية الوفاق الشيخ علي سلمان تنتظر توقيعه - إن لم تكن وقعت فعلاً - لتنتقل بعد ذلك لمجلس شورى الوفاق للتصديق عليها، إلا أن الأمور لا تسير بهذه السهولة التي قد تحدث في تاسعة الشمالية حسبما صرح المرشحون هناك.
إن نظرة بسيطة في دائرة «المصائب» (الدائرة الثالثة من محافظة العاصمة) تعطينا المبرر الحقيقي في تحفظ الوفاق على طرح أسماء مرشحيها، هذه الدائرة نموذج واقعي على ما قد يحدث من اختلافات وتخالفات وانشقاقات إن خرجت قائمة الوفاق رسمياً. ولا نبالغ البتة حين نقول إن البعض من هذه الاختلافات والانقسامات سيكون أشبه بمعارك «كسر العظم».
فالوفاق - على حد معلوماتي - مازالت مصرة على عدم الاستغناء عن كرسي الترشح بالدائرة لمصلحة مرشح جمعية العمل الإسلامي رضوان الموسوي، والقائمة الوفاقية الآن مستقرة على ترشيح الشيخ جاسم المؤمن، وثمة أصوات متحفظة على الاسم في مجلس شورى الوفاق، في مواجهة مباشرة مع المرشح المستقل هادي الموسوي.
ثمة احتمالية بألا يعول كثيرون على ان الوفاق قد تدعم إبراهيم كمال الدين مرشح «وعد» لتكون الدائرة هدية الوفاق لجمعية وعد، يأتي هذا على حساب جمعية أمل، وهو ما قد يتسبب لاحقاً في حدوث أزمة فعلية بين جمعيات التحالف الرباعي.
نائب مدير المشروع الوطني للتوظيف محمد الأنصاري، أعطى إشارات أكثر خطورة عن الدائرة ذاتها، إذ راهن على أن الكتلة الثابتة بحسب زعمه (40 في المئة من المجنسين العرب) ستعطيه الأفضلية للفوز بمقعد الدائرة، وخصوصاً إذا ما تشتتت الأصوات الباقية على ثلاثة مرشحين لجمعيات التحالف الرباعي.
ثالثة الشمالية، التي تشمل (الدراز، المرخ، باربار، بني جمرة، بالإضافة إلى مجمعين سكنيين من منطقة سار) تحفل هي الأخرى بصراع مقارب، قائمة الوفاق مستقرة الآن على عضو الجمعية عبدالحسين المتغوي، ولكنها مرهونة بألا يرغب الشيخ محمد المحفوظ بالنزول في الدائرة. فالوفاق تسعى إلى الظفر بالمحفوظ داخل المجلس في هذه الدائرة ولعدة أسباب، أقلها أن تضمن قبول جمعية أمل بحرمانها الوصول للبرلمان عبر الدائرة الثالثة بمحافظة العاصمة، إذ ترفض الوفاق التنازل لرضوان الموسوي. النائب السابق سمير الشويخ (مرشح جمعية الميثاق) هو اليوم خارج اللعبة الانتخابية كما أعلن، وديوانية آل عصفور ذات الثقل الاجتماعي في الدراز تعمل على المشاركة بلعبة الكراسي داخل الدائرة، إلا أن هذا التدخل لن يكون له أي تأثير مهم، فالوفاق لن تغامر بحرمان المحفوظ إن أراد الترشح في الدائرة، وهي تحمل ورقة ترشيح المتغوي كبديل جاهز في حال رفض المحفوظ الترشح عن الدائرة. ومنطقياً لن يكون لأي طرف من الأطراف القدرة على مجابهة المتغوي ان دعمته الوفاق واعتبرته مرشحها للانتخابات، وخصوصاً أن هذه المنطقة هي مسقط رأس الأب الروحي للوفاق الشيخ عيسى أحمد قاسم. الوفاق التي تخاف من قائمتها بات عليها أن تتقبل المنافسة مع شركائها في التحالف الرباعي على كراسي البرلمان، ولها أن تبذل جهدها في الموازنة بين الشراكة والتنافس، إلا أن الأصعب عليها هو أن تستطيع أن تحفظ لداخلها التماسك في حال بدأت سلسلة الترشحات المستقلة في الظهور. وعندها سيكون لنا حديث آخر
العدد 1456 - الخميس 31 أغسطس 2006م الموافق 06 شعبان 1427هـ